طوفان الأقصى

آراء وتحليلات

هل يندم ترامب على قرار الانسحاب من شمال شرق سوريا ؟
16/10/2019

هل يندم ترامب على قرار الانسحاب من شمال شرق سوريا ؟

شارل ابي نادر
لم يكن منتظرا هذا التمدد السريع لوحدات الجيش العربي السوري شرق الفرات. فأغلب المتابعين ومن كافة الاتجاهات، كانوا ينتظرون انتشارا حذرا وبطيئا لتلك الوحدات غير الذي حصل، وذلك لعدة اسباب ومنها المساحة الشاسعة وتعقيدات الميدان في الشمال الشرقي لسوريا، وتداخل الانسحاب الاميركي مع الانتشار السوري الشرعي، بالاضافة لان الانتشار حصل متواكبا مع عمليات عسكرية عنيفة، بين الاتراك والمجموعات التابعة لها من جهة وقوات سوريا الديمقراطية من جهة أخرى، فما هي اسباب هذا التمدد السريع للجيش العربي السوري؟ وهل اخطأ الاميركيون في حساباتهم ؟

ردة الفعل الاميريكة الداخلية، بين المناهضين للرئيس ترامب والموالين له  في مجلسي الشيوخ والنواب، من الديمقراطيين او من الجمهوريين حتى، اظهرت ان الرئيس الاميريكي اخطأ في قراره الانسحاب من الشرق السوري، وخاصة بهذه الطريقة السريعة، فمواقع الاميركيين المخلاة  والتي ما زالت مكتملة التجهيزات اللوجستية دون جنود، تُظهر أن أمر الانسحاب جاء سريعا ومُحدِّدَا التنفيذ خلال بضع ساعات لا اكثر، وهؤلاء جميعا (معارضي الرئيس ترامب) يضغطون على تركيا لوقف النار والعملية العسكرية (نبع السلام) برمتها، وعلى الرئيس ترامب لاتخاذ إجراءات سريعة وحاسمة تعيد الامور قدر الامكان الى ما قبل الانسحاب، واسباب ذلك كما يقولون جميعا: الفوضى التي حصلت وخيانتهم للحلفاء (الاكراد) وظهور واشنطن ناكثة للعهود، والخسارة الاستراتيجية، من تمدد الدولة السورية شرقا، والاهم من ذلك كله، من رعاية الروس لكامل هذه الترتيبات والاجراءآت والتغييرات.

في متابعة لعملية الانتشار الشرعي السوري شرق الفرات وغربه (في منبج)، وللانسحاب الاميريكي من مواقع محددة في الشمال والشمال الشرقي، ولمسار العمليات العسكرية التي تحصل بين الوحدات التركية ومجموعاتها المسلحة من جهة وبين قوات سوريا الديمقراطية ووحدات الحماية الكردية من جهة اخرى، يمكن ملاحظة ما يلي:

- الانتشار السوري حصل بسرعة كبيرة وكأنه كان محضرا بشكل مسبق وبكافة تفاصيله، حيث لم يحصل اي اشكال امني او تأخير عملاني او ميداني في تسلم المواقع المقررة، وكان لافتا الترحيب الشعبي الواسع، العفوي والصادق، والذي له دلالات مهمة جدا بالنسبة للدولة السورية، والتي تُعوّل على إطفاء اية فكرة انفصالية لدى ابناء الشرق السوري او لدى قسم منهم، على عكس ما كان يظهر من اعلام بعض القوى الانفصالية خلال فترة الحرب وابتعاد الدولة عن شرقها.

- الاتفاق بين الحكومة السورية والوحدات الكردية كان سهلا وسلسا ولم تظهر اية تعقيدات او شروط معيقة له، وذلك لاسباب عدة منها الحاجة الكردية للحماية ضد الاتراك ومجموعاتهم الذين حشدوا قدرات ضخمة للاحتلال، والاهم كان في اقتناع القسم الاكبر منهم ( كما يبدو في الظاهر من حصول الخيانة الاميريكة وتخلّي الرئيس ترامب عنهم، متناسيا بلحظات ما قدموه في سبيل مخطط واجندة الادارة الاميريكة خلال ثماني سنوات من الحرب على سوريا).

- تفاجأ الاميريكون والاتراك بقدرة الروس على ادارة الاتفاق بين الدولة السورية والاكراد بطريقة لافتة، تخطت اغلب مطالب قوات سوريا الديمقراطية ووحدات الحماية الكردية الاساسية والمبدئية لناحية الادارة الذاتية، والتي كانوا متشددين دائما في مقاربتها، والسبب ايضا في ذلك يعود لان الدولة السورية وفي اصعب ظروف الحرب، حين كان الوجود الاميريكي يبدو وكانه دائم ، وحين كان الجيش العربي السوري يقاتل على عشرات الجبهات، وبقيت الدولة السورية  حينها ثابتة على مبادىء سيادتها وسلطتها كاملة دون تنازل، فكم بالحري اليوم، بعد أن انسحب الاميريكيون مرغمين، وبعد أن اكتملت تقريبا سيطرة الدولة على اغلب جغرافيتها، وبعد أن اصبح الخطر التركي على مناطق الاكراد واقعا وحاصلا.

- اللافت ايضا والذي يستدعي التوقف عنده هو ان الميدان بعد دخول الجيش العربي السوري وتثبيته لمواقعه المتقدمة بمواجهة الاحتلال التركي ، تغير ضد مصلحة الاحتلال الاخير ومجموعاته المسلحة، فمدينة رأس العين تم استرجاعها من الاحتلال، وتتوسع سيطرة الوحدات الكردية غربها، بالاضافة لاسترجاع عدة بلدات تقع شمال غرب تل تمر، منها مناجير وتل عطاش، مع تحرير كامل لمنطة منبج ومحيطها، والسبب يعود لدعم مباشر وغير مباشر من الوحدات الشرعية السورية لقوات سوريا الديمقراطية، والتي ما زالت تتواجه مع وحدات الاحتلال التركي ومجموعاته المسلحة على الخطوط الامامية شمالا.

من هنا، من الطبيعي ان يكتشف الاميريكيون، وبالرغم من تصريحات الرئيس ترامب وتغريداته التي ما زالت تدور في فلك تبرير قراره بالانسحاب من الشرق السوري، أن هذا القرار لم يكن موفقا لا بل كان كارثيا على استراتيجية واشنطن الاساسية في سوريا والمنطقة، والتي دأبت على تنفيذها خلال السنوات الاخيرة، وها هم يحاولون ربما تصحيح الوضع من خلال زيارة رسمية لنائب الرئيس مايكل بنس ولوزير الخارجية مايكل بومبيو لانقرة، ولكن يبدو ايضا أن الامر قد انتهى ولم يعد من مجال لتعويض ما حصل، وسيادة الدولة السورية ستتمدد وستثبت اكثر، اولا بسبب قدرات الجيش العربي السوري وحلفائه الذين صمدوا خلال كامل فترة الحرب على سوريا، وثانيا بفضل  الدعم الروسي العسكري الحاسم، والادارة الديبلوماسية الذكية والناجحة للرئيس بوتين .

تركياشرق الفراتقسد

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

التغطية الإخبارية



 

مقالات مرتبطة