طوفان الأقصى

نقاط على الحروف

متى تتعافى لُغتنا الإعلامية؟
18/12/2023

متى تتعافى لُغتنا الإعلامية؟

لطيفة الحسيني

ماذا لو قرّرت كليّات الصحافة أن تُقفل أبوابها؟ ماذا لو تراجع المُتطفّلون على الكتابة الإعلامية قليلًا وهدّؤوا من حميّتِهم وأراحوا أهلَ الاختصاص من كوارثهم اللغوية والنحوية؟

يُدرك الكثير من الزُملاء في المِهنة أن سؤاليَّ ليسا من باب التهكّم، بل من باب الغضب جرّاء النكبة التي تضرب لُغة الإعلام. صحيحٌ أن المجال يتّسع للجميع، للدُخلاء، للضُعفاء، للكسالى، وللمُجتهدين والغيارى على لُغتهم أيضًا، لكنّ الوضع استحال الى العَدَم. قراءة مقالٍ خالٍ من المجازر أضحى حُلمًا لدى البعض ممّن يتشاركون الاختصاص نفسه مع الكتّاب.

ثمّة ما يدعو للعجب والدهشة! الكلّ يريد أن يُصبح صِحافيًا وصاحبَ قلمٍ ورأيٍ أو مُراسلًا أو مذيعًا بلا إمكانياتٍ أو كفاءةٍ حقيقية. يُجمع عُمداءُ الإعلام وأساتذتُه في لبنان وأينما كان على أن رأسمال الصحافي هو المعلومة والفكرة التي يودّ إيصالَها. بِقدرِ ما يكون مُتمكّنًا من طريقِه سيصل. والتمكّن هنا يعني الأسلوب الذي يتّبعه ليتفاهم مع من يستهدفه من قرّاءٍ أو مُتابعين أو مُتصفّحين، وكلّ ذلك يصبّ في خانة اللغة.

وظيفةُ اللغة اذًا هي التفاهم مع الآخر، وفي الإعلام الآخر هو الجمهور. ما يجري اليوم لا يرقى الى مستوى التفاهم البتّة، بل الى النفور من سطورٍ ضائعة المعنى والهدف. من يقترف هذه الجريمة هم أهل الإعلام، بل أسماءٌ لامعة فيه تُهين اللغة في كلّ فقرة تُضمّنها لمحتوى لا يحتوي إلّا على لعناتٍ تُساق بحقّ عربيّتِنا.

هؤلاء هم من لا يفقهون أبسطَ قواعد الصياغة. ليست مبالغة -للمرة المليون- فمن لا يُفرّق بين التاء المربوطة وتلك المبسوطة لا يستحقّ أن يُنادى بالإعلامي أو الصحافي. من يجتهد لوضع حركات إعراب خاطئة لجمع المؤنث السالم، يجب ألّا يسلم من السخرية الى حدّ فصله من هذا العالم. من يذكّرُ المؤنّث ويؤنّثُ المذكّر هل يجب أن تظلّ مصائبُه حيّة؟ من يُحوّل العامية الى فُصحى ويُريد أن يُجبر القرّاء أو المُدقّقين  على السيْر بهذه الفوضى، هل يستأهل التقدير؟ ومن يضيع في استخدام علامات الترقيم ويتوه في المرفوع والمنصوب والمجزوم وصولًا الى إملاء الهمزات العادية لا التعجيزية، هل ينتظر تنصيبه على عرش اللغة؟ والسؤال الأهمّ كيف تجاوز هؤلاء مراحلهم في المدرسة من الابتدائية الى المتوسطّة وحتى الثانوية قبل أيّ تخصّص جامعي؟

فليحترمْ هؤلاء جميعًا مِهنتَهم ولُغتَهم، وليتوقّفوا عن استغلال الآخرين والاعتماد عليهم في تصحيح أخطائهم وإعادة صياغة ألغازهم وطلاسمهم. حبّذا لو تختبر نقابتا المحرّرين والصحافة، مُنتسبيهما لغويًّا، لكن هذا يبدو مستحيلًا.

واقعًا هناك مشكلة لا مفرّ منها. الى جانب الإساءة الى لغة الضادّ، يشعر من يحرص على تحصين نفسه من كوارث اللغة بعدوى الضعْف، وإن كان بمستوياتٍ طفيفة؛ فمُعاشرة كسالى الصحافيين، تقود أحيانًا الى الإصابة بالارتباك أثناء "نظْم" مقالٍ أو تحقيق، لا بل نسيان المُفردات الأصيلة واستحضار أخرى مُشوّهة وشنيعة.

لــ"دكاترة" الصحافة والإعلام والتواصل -الاختصاص الرائج اليوم- ولمن يرى نفسه اسمًا عظيمًا، رأفةً بمن تستهدفون من الجماهير، المُتابعين، القرّاء، اعتنوا بعباراتِكم وجُملكم جيّدًا، تأكدوا من سلامتها وفِكرتها، أو غادروا هذا الحضيض الذي نحتاج الى التخلّص منه لا الى الغرق فيه أكثر.

اللغة العربية

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف