طوفان الأقصى

آراء وتحليلات

الأسد في الصين: مواجهة بايدن
22/09/2023

الأسد في الصين: مواجهة بايدن

عبير بسّام

من المهم أن نعرض لتسلسل الأحداث الأخيرة حول العالم، والتي تتناول المواقف التي ستبنى عليها السياسات القادمة في منطقتنا. فالمنطقة العربية ليست معزولة عن الأحداث العالمية، وتتابع الأحداث عالميًا منذ تزايد التركيز على التطبيع مع الكيان الصهيوني ضمن اتفاقيات "ابراهام" التي رعاها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أوصلت العالم لإعلان الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن في 14 أيلول/ سبتمبر عن مشروع "ممر بايدن"، والذي يمر من الهند عبر السعودية إلى حيفا ومن ثم إلى أوروبا بالتأكيد.

من هذه الزاوية، يمكن أن ننطلق في رؤيتنا لأهداف زيارة الرئيس السوري بشار الأسد الى الصين في هذه  اللحظة التاريخية. وهي لحظة ستحدد في نتائجها الرد الأولي والأمثل على مشروع بايدن الساعي لمحاصرة طرق التجارة العالمية والمنافس لمشروع نطاق وطريق الصيني.

الدعوة للزيارة الموجهة لكل من الرئيس الأسد وعقيلته، حيث سيكونان ضيفي الرئيس الصيني وعقيلته في افتتاح دورة الألعاب الشتوية في مدينة هانغتشو في 23 من هذا الشهر، تشير الى أنها ليست زيارة اطلاق مواقف فقط، بل هي زيارة توثيق للعلاقات تكتسب في هكذا وضعية حالة متميزة لم تشهدها سوريا منذ بداية الحرب عليها. إنه انفتاح دبلوماسي كبير لسوريا على واحدة من أقوى الدول اقتصاديًا في العالم.

تمثل هذه الزيارة عودة للعلاقات السورية مع شرق آسيا. كان المنتظر أن تشهد سوريا هذا الانفتاح مع الصين منذ أن أعلنت انتصارها على الإرهاب في العام 2018، ولكن استمرار التحركات الإرهابية في إدلب برعاية تركية وفي الجزيرة السورية والجنوب السوري برعاية أميركية واسرائيلية هو الذي عطل الدخول والانفتاح الاقتصادي الصيني على سوريا حتى اليوم. ولذلك يمكن القول إن سوريا التي عرفنا تراجع موقعها الإقليمي والاقتصادي خلال العقد الماضي، وهو أمر طبيعي بسبب الحرب الكونية عليها، لن تكون سوريا التي سنشهدها خلال العقد القادم، ولن تشبه سوريا ما قبل الحرب الكونية، بل ستكون في موقع أفضل بكثير.

صحيح أن ما يحدث هو تتويج للتحالف الروسي ـ الصيني، وتحالف "بريكس" الذي ينمو عبر العمل لضم المزيد من الدول خلال السنوات القادمة، ولكنه أيضاً يعد امتداداً لما شهدناه من مؤتمرات ولقاءات في الصين وروسيا حول أفريقيا، ولقاء دول البريكس التي تعمل بحذر شديد نحو تحييد الدولار والخروج من شركه القاتل، ومصيدات العقوبات الاقتصادية منذ الحرب العالمية الثانية وحتى اليوم، وهذا أحد أهم أسباب تأخر الاستثمارات الصينية في سوريا. ولكن يبدو أن وقت توسيع نطاق الاستثمارات الصينية في سوريا قد آن أوانه.

أما ما دفع بقوة نحو هذا التحرك فهو الرد المباشر على مشروع ممر بايدن، والذي يسعى من ورائه الى منافسة مشروع "نطاق (حزام) وطريق" الصيني، وتقوية الهند على حساب الصين في منطقة المحيط الهندي، ومحاصرة مصر بعد توجه رئيسها عبد الفتاح السيسي شرقاً نحو تجديد العلاقات مع روسيا والصين. فمن المعلوم أن نتائج ممر بايدن المدمرة على مصر سيكون تحييد قناة السويس، وخاصة مع إعادة إحياء مشروع بناء قناة بن غوريون من خليج إيلات إلى عسقلان، والتي ستمكن "اسرائيل" من التحكم نهائياً بالممرات البحرية. بالتأكيد دون بناء قناة بن غوريون وممر بايدن الافتراضي عقبات كثيرة ولكن مجرد طرح هذه المشاريع كان محفزاً لإعادة تنشيط مشروع "نطاق وطريق" ووضعه على "سكته" الصحيحة، ووجوب السير قدماً نحو وصل الصين بالبحر المتوسط من ناحية بلاد الشام. ويبدو أن الصين لن تنتظر كثيراً قبل أن تبدأ المشاريع في سوريا، خاصة وأن أهم المشاريع التي تهتم بها هي في مجال الطاقة والطرقات وبناء المعامل، وسوريا تحتاج إلى إعادة تأهيل سككها الحديدية وشراء الآلات والمعدات اللازمة لإعادة بناء وتشغيل المعامل ودفع عجلة الإنتاج قدماً.

بعد توقيع معاهدات ابراهام، واحتلال جزر منون وسقطرى في اليمن من قبل الصهاينة برعاية أميركية، والتطورات التي تمر بها العلاقات السعودية مع الكيان باتت "اسرائيل" تضع يدها اليوم على الممرات المائية الهامة التي تصل جنوب الكرة الأرضية بشمالها، مما يعني أن ميناء حيفا ستزداد أهميته على حساب كل من ميناءي بيروت واللاذقية، وللأسف ومع تقاعس لبنان الرسمي اليوم عن التوجه شرقاً في علاقاته التنموية مع الصين وروسيا، لا بد من إعادة تفعيل الخط على الجانب السوري دون انتظار. وهذا ما سيطرح حتمية تطوير ميناء اللاذقية الذي سيكون صلة وصل خط الحرير القديم القادم من الصين جنوباً عبر أفغانستان وباكستان إلى إيران والعراق ومن ثم إلى سوريا فالقسطنطينية، أو اسطنبول، ضمن خط قطار سريع ومتطور. ولا بد أن يسبق تكملة مشروع "نطاق وطريق" عبر البر من حلب إلى اسطنبول قبل أي مشروع آخر سيبدأ به، وهو مصلحة لتركيا تماماً كما لسوريا، وإلا فاللاذقية تكفي.

في هذه الأجواء ستكون نتائج زيارة الرئيس الأسد للصين ذات طابع مميز وخاص، خاصة وأن العلاقات العربية مع سوريا لم تشهد الانفتاح المتأمل منها، بل تشهد جموداً بسبب الضغوطات الأميركية. وعلى المقلب الآخر لا تستطيع الصين الانتظار حتى يحوز مرفأ حيفا على كل الأهمية الاستراتيجية، وعندها سيصبح الكيان هو الحاكم بأمره في اقتصاد المنطقة بعد بناء قناة بن غوريون ووصلها بممر بايدن. بانتظار ما سيتحقق من اتفاقيات يصل إليها الوفد الاقتصادي والسياسي السوري مع المسؤولين الصينيين وتحقيق نتائجها على الأرض، وقد يكون منها دعوة سوريا للانضمام إلى دول البريكس ومنظمة شنغهاي خاصة وأن التعامل ما بين الصين وسوريا سيكون بالعملات المحلية، هناك معضلات دولية تتعلق بالوجود الأمريكي والتركي يجب أن تحل، فلننتظر ونرَ؟

سورياالصينبشار الاسداميركا

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

التغطية الإخبارية



 

مقالات مرتبطة
ماذا يدبر الاحتلال الاميركي في سوريا؟
ماذا يدبر الاحتلال الاميركي في سوريا؟
سورية: إصابة ثمانية عسكريين جرّاء عدوان صهيوني على محيط دمشق
سورية: إصابة ثمانية عسكريين جرّاء عدوان صهيوني على محيط دمشق
السفير الإيراني في دمشق لـ "العهد": مصممون على وحدة الصف مع كلّ البلدان العربية والإسلامية
السفير الإيراني في دمشق لـ "العهد": مصممون على وحدة الصف مع كلّ البلدان العربية والإسلامية
"ستبقى فلسطين قضيتنا".. حزب البعث يحيي الذكرى الـ 77 لتأسيسه
"ستبقى فلسطين قضيتنا".. حزب البعث يحيي الذكرى الـ 77 لتأسيسه
اقتتال دموي داخل فرقة "المعتصم" شمال سوريا: ما علاقة "النصرة"؟
اقتتال دموي داخل فرقة "المعتصم" شمال سوريا: ما علاقة "النصرة"؟
لافروف: موسكو وبكين توقفتا بشكل شبه كامل عن استخدام الدولار في تجارتهما المتبادلة
لافروف: موسكو وبكين توقفتا بشكل شبه كامل عن استخدام الدولار في تجارتهما المتبادلة
الصين: لا نعتزم الدخول في حرب باردة أو ساخنة مع أي دولة
الصين: لا نعتزم الدخول في حرب باردة أو ساخنة مع أي دولة
إيران: آن الأوان لمحاسبة "إسرائيل" على جرائمها
إيران: آن الأوان لمحاسبة "إسرائيل" على جرائمها
باحث أميركي: الغرب غير قادر على استيعاب نهاية هيمنته
باحث أميركي: الغرب غير قادر على استيعاب نهاية هيمنته
فيتو روسي صيني لأجل غزة
فيتو روسي صيني لأجل غزة
الرئيس الأسد يستقبل عبد اللهيان: وحشية الاحتلال في استهداف المدنيين في غزة دليل على فشله
الرئيس الأسد يستقبل عبد اللهيان: وحشية الاحتلال في استهداف المدنيين في غزة دليل على فشله
الأسد للسيد رئيسي: نؤكد ضرورة إسناد المقاومة ومحاسبة كيان العدوّ 
الأسد للسيد رئيسي: نؤكد ضرورة إسناد المقاومة ومحاسبة كيان العدوّ 
الرئيس الأسد: المشاريع الاستعمارية خلقت أزمة الهوية وأخذت مجتمعاتنا نحو التطرف
الرئيس الأسد: المشاريع الاستعمارية خلقت أزمة الهوية وأخذت مجتمعاتنا نحو التطرف
الأسد: ذهب أهل غزة إلى الحرب لعلمهم بأنّ لا دولة عربية تدافع عنهم
الأسد: ذهب أهل غزة إلى الحرب لعلمهم بأنّ لا دولة عربية تدافع عنهم
الرئيس السوري: سلوك واشنطن حيال العدوان على غزة يُنذر بتوسيع رقعة الصراع
الرئيس السوري: سلوك واشنطن حيال العدوان على غزة يُنذر بتوسيع رقعة الصراع
انتفاضة في الجامعات الأميركية لأجل غزّة.. وإدارة بايدن تسعى لشيطنتها
انتفاضة في الجامعات الأميركية لأجل غزّة.. وإدارة بايدن تسعى لشيطنتها
استقالة مسؤولة بالخارجية الأميركية احتجاجًا على دعم "إسرائيل"
استقالة مسؤولة بالخارجية الأميركية احتجاجًا على دعم "إسرائيل"
الهندي: قرار مجلس الأمن يعكس العزلة التي تعيشها "إسرائيل" في كل العالم
الهندي: قرار مجلس الأمن يعكس العزلة التي تعيشها "إسرائيل" في كل العالم
في عاشر أعوام الصمود.. السيد القائد الحوثي يضع شروطًا خمسة للسلام مع السعودية
في عاشر أعوام الصمود.. السيد القائد الحوثي يضع شروطًا خمسة للسلام مع السعودية
أميركا لم تقدم لروسيا معلومات لمنع حدوث هجوم موسكو الإرهابي
أميركا لم تقدم لروسيا معلومات لمنع حدوث هجوم موسكو الإرهابي