طوفان الأقصى

خاص العهد

سجناء البحرين: الدولة تأبى إنصافهم
30/08/2023

سجناء البحرين: الدولة تأبى إنصافهم

لطيفة الحسيني

يدًا واحدة يقود سجناء البحرين السياسيون احتجاجهم بوجه التعسّف والتضييق المفروض عليهم في زنازينهم. قد يكون الإضراب عن الطعام الذي بدؤوه في 7 آب/أغسطس الجاري التعبير الأكبر عن سخطهم من الظروف التي يمرّون بها والتي يرفضون التعايش معها. مطالب بسيطة يرفعون صوتهم من أجلها بوجه إدارة السجن، لكنّ أداء الأخيرة لا يشي بأنّ الأمور ستنقلب لصالح المُعتقلين. التسلّط هوَ هوَ، والتعجرف على حاله. اعترافٌ خجول بتحرّكات هذه الفئة المغبونة، دون تفاعل حقيقي يرتقي لمستوى معاناتهم.

يرتبط ملفّ السجناء السياسيين في البحرين بالأزمة المستمرة منذ 12 عامًا، يوم قرّرت السلطة إهمال الصوت الآخر وتقييده. نحو 1300 مُعتقل بتهم سياسية بحتة يقبعون في سجن جو. بعضهم محكوم بالإعدام، وبعضهم يقضي عمر الشباب وراء القبضان. حال رموز المعارضة وقيادييها نفسه، يعيشون في السجن بحكم سياسي جائر.

استخفاف السلطة بمعاناة السجناء

تعاطي السلطة من أعلى الهرم الى أدناه مع الإضراب الحالي يُشير بوضوح الى حجم الاستخفاف بهذه القضية الإنسانية. المحسوم أن الملفّ برمّته ليس على جدول أولويات السلطة. في  البداية، غيّبت السلطة ووسائل إعلامها التحرّك في سجن جو، الى أن انتشرت على نحو واسع في الصحافة الأجنبية، فاضطرّت لاحقًا الى الإقرار بحصول الإضراب. توسّع احتجاج السجناء من 400 مضرب حتى تجاوز الـ800. راسلت 79 شخصية وطنية ولي العهد رئيس الوزراء سلمان بن حمد وشكت إليه المسألة علّه يُصدر ما يُنصف هؤلاء، فالتقى وزير الداخلية راشد بن عبد الله الوصيّ على السجون، الذي بدوره اجتمع برئيس المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان ومفوضية حقوق السجناء والأمانة العامة للتظلّمات، فماذا حصل؟

بيان "ورديّ" لوزير الداخلية يبدو في ظاهره أنه مستجيب لمطالب السجناء، إذ يتحدّث عن مناقشة الخدمات الصحية المقدمة للنزلاء من قبل المستشفيات الحكومية، ومراجعة نظام الزيارات للنزلاء وتطويره ليشمل زيادة التوقيت المخصّص، والنظر في تعديل الشروط الخاصة بقائمة الزوار، إضافة إلى زيادة وقت الاستراحة اليومية (التشمّس)، والتنسيق مع مجلس التعليم العالي لتسجيل 180 نزيلًا في برامج الدراسات العليا. إدارة السجن صرّحت لوكالة الصحافة الفرنسية كذلك مدّعية أنه تمّ توفير الرعاية والمشورة لهم.

 

سجناء البحرين: الدولة تأبى إنصافهم

الكذب معدن الداخلية

على الأرض، الحقيقة تدحض ما تقدّم من جانب السلطة. مصادر بحرينية مواكبة لملفّ إضراب السجناء تؤكد لموقع "العهد" الإخباري أن كلّ ما صدر عن اجتماعات السلطة لا ينطبق مع واقع الزنازين. لا شيء تغيّر حتى الآن. لا تبديل في أيّ إجراء لإدارة سجن جو يمكن فهمه على أنه تجاوب مع مطالب السجناء.

بحسب المصادر، لن تخرج الأمور عن حدود ما تضمّنه اجتماع وليّ العهد بوزير الداخلية والتعظيم لدور رجال الأمن، ولذلك ستواصل الداخلية كذبها ولن تحقّق مطالب عريضة للسجناء باستثناء موضوع زيادة وقت التشمّس ساعتين بدلًا من ساعة، وقد تعتمد على أسلوبها الثابت في تصوير جولات لضباط داخل سجن جو في أحد المباني الذي يظهر نظيفًا وخاليًا من أية مواصفات سيّئة لتأكيد مزاعمها.

ما سُرب عن تقييد أيدي السجناء من الخلف أثناء نقلهم للعيادة يكفي للقول إن الداخلية تكذب. من هنا يمكن فهم بيان المعتقلين المضربين أمس والذي جاء فيه أنهم سيواصلون تحرّكهم، وأن بيان وزارة الداخلية لم يرق لتطلعاتهم البسيطة جدًا وهي لا تحتاج إلى التجزئة أو التدرُّج.

وعليه، لا تستبعد المصادر التشدّد بوجه السجناء اذا ما قرروا وقف الإضراب، وذلك عن طريق الضباط المشرفين عليهم بحجج تافهة واختراع مخالفات بحقّهم تعيد الوضع الى ما كان عليه قبل هذا الاحتجاج.


الحلّ السياسي الشامل نجاةٌ من الأزمة المستمرة

من زاوية إنسانية، يُقارب المسؤول الإعلامي لجمعية "الوفاق" البحرينية السيد طاهر الموسوي الملفّ المرتبط بأرواح المئات من أبناء المملكة، فيصف في حديث لموقع "العهد" الإخباري تعاطي الحكومة مع إضراب السجناء بـ"غير المسؤول الذي يفتقد للحسّ المهني"، ويقول "طريقة تعاطي الحكومة مع الإضراب هي امتدادٌ وانعكاسٌ لكلّ مسار الأزمات السياسية والحقوقية والأمنية التي لم تخفت منذ 12 عامًا وما قبلها، وهو تعبير عن اللامبالاة تجاه قضايا وهموم ومطالب شعب البحرين في كلّ متطلّباتهم الأساسية".

يرى الموسوي أن "ملفّ السجناء مُرتبط بالأزمة السياسية التي اتّسع حجم الإيمان بمطالبها بعد مرور سنوات على تفجّرها وذلك بعد تردّي واقع الحريات والأوضاع المعيشية والاقتصادية".

الموسوي يأسف لمنطق "التفاوض داخل السجن مع المعتقلين من أجل توفير ظروف إنسانية واحتياجات ضرورية كالطبابة والدواء والتعرض لأشعة الشمس وإقامة الشعائر والتعليم"، ويضيف "هي احتياجات لا تحتاج الى حوار، فالسجناء يتفاوضون من أجل أن يبقوا أحياء وأصحّاء وهذا يعكس عمق المشكلة"، ويتابع "من خلال المتابعة لمسار اللقاءات بين إدارة السجن والسجناء السياسيين كان واضحًا حجم الجدية والمهنية لدى السجناء السياسيين في التفاوض مع تحلّيهم بالصبر والعنفوان والروح العالية التي يتمتّعون بها وهم يخوضون هذه المعركة الراقية"، ويعتبر بناءً على التجربة وفهم عقلية الطرف الرسمي، أن "مراعاة الرأي الدولي تتقدّم على الاهتمام بالوضع المحلي، ولا يمكن اختبار جدية الحكومة في التفاوض مع السجناء إلّا بعد تحقّق مطالبهم بشكل دقيق ومستمرّ".

وفق الموسوي، حتى الآن لا زال واقع السجناء يُراوح مكانه، وهناك انتظار لموقف رسمي يتّسم بالمسؤولية الوطنية والانسانية تجاه السجناء، مع وجود خشية من التلاعب بالوقت في ظل أوضاع ضاغطة وصعبة على المُضربين عن الطعام بعد أن تجاوز الإضراب الـ23 يومًا.

من وجهة نظر الموسوي، نداءُ الـ79 شخصية وطنية بحرينية جاء كاسرًا لحاجز الخوف كوْن الموقعين عليه هم من النخب المهنية والأكاديمية والقوى المجتمعية والسياسية والحقوقية والقانونية داخل المملكة وذلك بعد أن قدّروا خطورة الموقف، إلّا أن التعاطي الحكومي مع هذا النداء لم يكن إيجابيًا حتى اللحظة.

ويرى الموسوي أن "مطالب السجناء واضحة ودقيقة ومتعلّقة باحتياجات تفصيلية وهي ليست كمالية، إنما تشكّل حاجة إنسانية ملحّة وضرورية وغير قابلة للتقسيم أو التجزئة أو أنصاف الحلول"، ويلفت الى أن "التلكؤ والتأخير في الاستجابة لها قد يُنتج عواقب وخيمة وخطرة تتحمّلها كلّ تلك المؤسسات الرسمية مجتمعة"، ويُلاحظ هنا أن "المؤسسات الحكومية المعنية متّفقة على ما يبدو على رواية واحدة موحّدة وهذا دليل على أنها مؤسسات تتكامل في الهروب من الاستحقاقات الأساسية للسجناء".

ويتحدّث عن أن "المواقف المُعلنة من قبل المؤسسة الوطنية لحقوق الانسان ومفوضية السجناء وأمانة التظلمات تتماشى مع بيانات ومواقف إدارة الاصلاح والتأهيل ووزارة الداخلية كون كل هذه المؤسسات تتبع المرجعية نفسها ولها الأهداف والغايات نفسها مع اختلاف الأسلوب والدور فيما يتعلق بملفات حقوق الانسان والحريات وملف السجون في البحرين".

وإذ يجزم بأن "سجون البحرين تفتقد لقواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 2015 والتي تُعرف باسم قواعد نيلسون مانديلا لمعاملة السجناء"، يُشدّد على أن "التجاوب مع المطالب الدقيقة للسجناء يحتاج الى برنامج واضح وخطة منتظمة واتفاق مع السجناء".

ويوضح الموسوي أن "السجناء عندما أعلنوا عن خطوة الإضراب عن الطعام وضعوا تاريخ التوقف عنها عندما تتمّ الاستجابة لهذه المطالب"، ويخلص الى أن "ما يجري على المعتقلين يمثل مشهدًا واحدًا من مشاهد الأزمة التي يُعاني منها أبناء شعب البحرين، وأزمة العام 2011 تركت وراءها معاناة كبيرة في السجون قوامها اكثر من 21000 معتقل دخلوا وخرجوا"، ويتحدّث عن أن "حركة السجون لم تتوقف حتى الآن، إذ إن أكثر من 340 معتقلة دخلن السجن في أوقات سابقة، فيما لا زالت أزمة صغار المحكومين مستمرة دون توقف وكذلك بالنسبة لأكثر من 110 سجناء من الأطفال وصغار المحكومين".

ويختم بأن "كلّ الأزمات الوليدة لانتفاضة 2011 ومن بينها أزمة السجون لن تنتهي، إلّا عبر الحل السياسي الشامل في الوصول الى توافق دستوري سياسي من خلال عملية سياسية ديمقراطية تستجيب لمطالب البحرينيين في المشاركة السياسية والعدالة الاجتماعية وبناء الدولة الحاضنة للجميع".

البحرينجمعية الوفاق البحرينية

إقرأ المزيد في: خاص العهد

التغطية الإخبارية



 

مقالات مرتبطة