طوفان الأقصى

آراء وتحليلات

بين نموذجي لبنان والضفة الغربية.. هل تنجو "اسرائيل"؟
21/06/2023

بين نموذجي لبنان والضفة الغربية.. هل تنجو "اسرائيل"؟

شارل ابي نادر

لا يمكن لأي متابع اليوم للوضع داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وخاصة في الضفة الغربية، إلا أن يعتبر أن الكيان المحتل يعيش أيامًا صعبة قد تكون من الأسوأ خلال كامل فترة احتلاله.

فصعوبة هذه المرحلة على الكيان، والتي يعيشها قادته ومسؤولوه السياسيون أو العسكريون أو مستوطنوه أو التي يلمسها بوضوح اعلاميوه ومتابعوه وباحثوه، لا تكمن بعدد ما يسقط له من قتلى أو من مصابين رغم ضخامة العدد مقارنة بمراحل سابقة، وخلال فترات متقاربة جدًا، ولا تكمن هذه الصعوبة أيضًا في توسع مناطق المواجهة وتمددها، وخاصة الى مدن وبلدات ومخيمات الضفة الغربية التي كان اعتبر العدو يومًا أنها (الضفة الغربية) قد خرجت عن خط أو جبهة المقاومة الفعلية، لتنحصر مقاومتها بتحركات أو بمطالب خجولة وفقط تحت عباءة السلطة الفلسطينية المقيّدة بقدراتها وبموقعها وبامكانياتها، والتي لا ارادة ولا قرار ولا موقف لها تجاه الاحتلال.

في الواقع، هذه الصعوبة الاستثنائية بالنسبة للكيان تكمن في حساسية وخطورة مسار المواجهة الذي بدأ يتميز بمستوى غير مألوف ولا متوقع، استنادًا لما وصلت اليه قدرات وامكانيات المقاومة الفلسطينية بكافة فصائلها وفي كافة المناطق المحتلة.

الواقعة الأولى بمواجهة العدو مؤخرًا، لخّصها بيان سرايا القدس- كتيبة جنين عند سرد مجريات المواجهة الصادمة للعدو مع المقاومين في مخيم جنين عبر تعرض مجموعة عدوة مؤللة أثناء محاولتها تنفيذ عمل (امني – ارهابي) داخل المخيم ووقوعها في كمين محكم نفذه أبطالها في كتيبة جنين، حيث تمكّنوا من إيقاع عدد من آليات الاحتلال المتوغلة بحقل من النيران واستهدافها بعبوات ناسفة كانت لافتة بقدرتها وبنوعها، وبصليات كثيفة من الرصاص من مسافات قريبة من قوات الاحتلال، مما أدى الى وقوع إصابات محقّقة اعترف العدو نفسه بإصابة 7 من جنوده بعضهم جراحه خطرة.

الواقعة الثانية والتي أتت مباشرة تقريبًا بعد المواجهة الأولى في جنين، كانت في عملية فدائية نوعية في مستوطنة عيلي الواقعة بين نابلس ورام الله في الضفة الغربية، حيث قُتل 4 مستوطنين صهاينة وأصيب 4 آخرون، في عملية إطلاق نار بطولية نُفّذت بواسطة شخصين، أحدهما انسحب من المكان (قبل أن تغتاله وحدة خاصة من جيش العدو)، في حين جرى إطلاق نار صوب الآخر ما أدّى لاستشهاده؛ وأظهرت صورة متداولة من موقع العملية، شابًّا ملقى على الأرض وإلى جواره بندقية من طراز "ام 16".
 
لافتًا كان تعليق وسائل إعلام إسرائيلية أمس الثلاثاء على عملية إطلاق النار الفدائية قرب مستوطنة "عيلي" في الضفة الغربية، واصفة إياها بأنها قاسية جدًا، وبأن الاصابات بحسب "القناة الـ13" الإسرائيلية، كانت نتيجة عدد كبير من الرصاصات في أجساد القتلى والمصابين، وبأن العملية "نُفّذت على الرغم من تعزيز التأهب والاستنفار، وخصوصًا بعد العملية في جنين".

وأيضًا، كان لافتًا ما صدر عن وزير الأمن القومي للاحتلال إيتمار بن غفير، بقوله من ساحة عملية "عيلي" إنّ "المستوطنين تحوَّلوا إلى بطّ في ميدان الرماية"، مشيراً إلى أنه "حان الوقت لتنفيذ عملية عسكرية في الضفة الغربية".
 
اللافت الأهم من بين التعليقات، جاء على خلفية كمين جنين حيث اجمعت أغلب وسائل اعلام العدو على أن "تطور العبوات في جنين يمر بعملية لبننة (اي وفق النموذج اللبناني)، حيث ذكرتنا العبوات في جنين بعبوات جنوب لبنان".

عمليًا، من الضروري الاضاءة على هذه المقاربة التي وضعها العدو في توصيف نموذج عملية جنين بأنه أشبه بنموذج لبنان أو بنموذج طريقة عمل المقاومة اللبنانية (حزب الله) في عملياتها ضد الاحتلال الاسرائيلي لجنوب لبنان قبل التحرير عام 2000. في الواقع لا يمكن أن نتكلم عن نموذج لبنان أو نموذج مقاومة لبنان ضد الاحتلال بمعزل عن المسار المستجد لما وصلت اليه المقاومة بكافة فصائلها وساحاتها ضد العدو، فهذا النموذج ليس نموذج لبنان أو نموذج حزب الله، بل إنه النموذج الأنسب والأفضل لمواجهة الاحتلال حيث الأخير يفترض أو يستدعي هذا الأسلوب وهذا المسار في طريقة تنفيذ عمليات المقاومة.
 
فالقدرات المتواضعة تفترض هكذا أسلوب "بدائي" بداية وبامكانيات متواضعة، يتطور مع الوقت ومع تقدم الخبرات والتجارب ليصبح مُحترفًا ومتمكّنًا، شديد التأثير على العدو، عملانيًا، عسكريًا، ميدانيًا ومعنويًا، وحيث المقاومة باللحم الحي لا بد بالنهاية وأن تخلق وتفرض هذه الصور وهذه المشاهد المشتركة، بين لبنان وبين الضفة الغربية ومخيماتها.

واذا كان كمين جنين وتفجير العبوات الناسفة بآليات العدو هو نموذج لبنان أو نموذج حزب الله، فعملية "عيلي" الفدائية، حيث الجرأة والحرفية والاصرار والالتزام لأي نموذج تتبع؟

إنها كلها عمليات مقاومة حقيقية، حيث الوجدان نفسه والالتزام نفسه والنَفس نفسه والايمان نفسه، والمختلف أو المتغير فقط هو الظروف والامكانات والتوقيت.

الأهم في الموضوع أن هذا النموذج (المختلف بالشكل أو بالأسلوب) والمشترك في الثبات والإصرار والالتزام، حتمًا سوف ينتهي كما انتهى نموذج لبنان، بالتحرير من الاحتلال وبفرض معادلة ردع لا تتزعزع وبتثبيت قواعد اشتباك صارمة وحاسمة.

ويبقى الأهم في الموضوع، هو أنه صحيح قد يكون العدو قد أصاب في تشبيه نموذج عملية جنين بنموذج عمليات المقاومة في لبنان، ولكن ما لا يدركه أو ربما على الأرجح لا يريد أن يدركه هو أن نموذج لبنان، والذي شكل مسارًا كاملًا، بدأ بعمليات وبعبوات وبمواجهات، وانتهى بالتحرير وبإنهاء الاحتلال، سوف يتحقق حتمًا في فلسطين المحتلة كاملًا دون نقصان.

الضفة الغربيةالمقاومة

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

التغطية الإخبارية



 

مقالات مرتبطة

خبر عاجل