آراء وتحليلات
"إسرائيل" في أذربيجان: ماذا يخطط لإيران ولجنوب القوقاز؟
شارل أبي نادر
ليست مصادفة أن يطلق الكيان الإسرائيلي المؤقت حملة تدخل واسعة في أذربيجان، سياسيا وديبلوماسيا وعسكريا، في الوقت الذي تسلك فيه عملية إعادة التوازن إلى العلاقات الإيرانية العربية والخليجية تحديدا، فمع تسارع إجراءات الانفتاح المتبادل بين طهران وأغلب الدول العربية المؤثرة، ظهرت واضحة النقلة النوعية في الخطاب وفي الإجراءات بين باكو وبين تل أبيب، بحيث تجاوزت وبسرعة قياسية كل الإجراءات السابقة والتي كانت قد امتدت لعشرات السنوات، مخفية أو خجولة أحيانا وواضحة بحذر أحيانا أخرى.
لا شك أن عدة معطيات إقليمية ودولية ساهمت أو أسست لهذا الانخراط الإسرائيلي المفاجئ في أذربيجان، والتي، بمعزل عن مدى انغماس الأخيرة فيها مقارنة بمستوى انغماس الكيان الإسرائيلي المؤقت، ستشكل لو نجحت تغييرا مفصليا نافرا في إحدى أكثر المناطق حساسية في العالم حاليا.
بداية، وقبل الدخول في الأسباب والدوافع الإسرائيلية من وراء هذه المغامرة "الجريئة" وغير المحسوبة جيدا في إحدى أهم دول جنوب القوقاز، لا بد من الإضاءة على التأثيرات غير المريحة على إيران من الناحيتين الأمنية والعسكرية، من جراء هذا التدخل الإسرائيلي الاستثنائي في أذربيجان حاليا.
الثغرات والتهديدات
الثغرة الأولى والتي يمكن أن تشكل فرصة التأثير الأمني الأكبر على إيران، هي في حدودها الواسعة مع أذربيجان والبالغة حوالي 750 كلم مقسومة إلى قسمين تفصل بينها الحدود بين إيران وأرمينيا بعرض حوالي مئة كلم، لتكون هذه الحدود الواسعة، لوحدها فقط، وبمعزل عن صعوبة ضبطها، ثغرة جغرافية قادرة أن تحمل الكثير من أخطار تسلل المخربين أو الإرهابيين أو عملاء الموساد إلى الداخل الإيراني.
الثغرة الثانية من الناحية العسكرية، وبمعزل أيضا عن حسن أو سوء نية سلطات باكو بالتواطؤ مع تل أبيب ضد طهران، وانطلاقا من المشاريع العسكرية المشتركة مع أذربيجان، والتي هي قائمة حاليا أو المرتقبة، يمكن لتل أبيب وعبر المراقبة المباشرة والرصد القريب من أراضي أذربيجان، أن تمتلك قاعدة معلومات استخبارية واستعلامية ضخمة عن الأراضي الإيرانية، والتي تنتشر فيها وبشكل واسع، مروحة واسعة من القواعد والمنشآت العسكرية التدريبية والتصنيعية والعملياتية.
الدوافع الإسرائيلية
نعود للأسباب والدوافع الإسرائيلية من وراء هذه الهجمة على أذربيجان، والتي تتوزع بين دوافع محض إسرائيلية وأخرى مشتركة مع الغرب والأميركيين تحديدا، والتي يمكن ترتيبها على الشكل التالي:
أولا: من أهم دوافع تل أبيب، يأتي بحثها عن جغرافيا حدودية مع إيران كبديل عن جغرافية الدول العربية والخليجية تحديدا، والتي كانت ستشكل قاعدة انطلاق أساسية لاستهداف إيران، وهذه الحاجة الإسرائيلية الماسة له كذا جغرافيا، طرأت بعد التغيير المفاجئ وغير المنتظر في العلاقة بين إيران وبين تلك الدول الخليجية وبمقدمتها السعودية.
ثانيا: بعد التقارب اللافت مؤخرا بين ثلاثي مواجهة أميركا (روسيا الصين إيران)، وجدت واشنطن ومعها تل أبيب طبعا، أن الحاجة لعرقلة هذا التحالف التقارب أصبحت ضرورية وإجبارية، ولتكون أذربيجان بما تشكله من قدرة تأثير في بعدها الجغرافي والديمغرافي، نقطة ارتكاز جد مؤثرة بين تركيا وإيران وآسيا الوسطى، كمنطقة اهتمام غربي لمواجهة هذا التحالف الاستراتيجي الثلاثي.
ثالثا: التسارع اللافت والصادم لتل ابيب ولواشنطن ايضا في مستوى العلاقات الروسية الايرانية في اكثر من مجال وخاصة في المجال العسكري، وتبادل الخبرات العسكرية سيما على صعيد الطائرات المسيرة والتكنولوجيا والتكتيكات العسكرية، ومن جهة اخرى، لناحية ما رشح من معطيات عن حصول طهران على مروحة واسعة من التجهيزات العسكرية الروسية النوعية، في مجالات الصواريخ فرط صوتية او في مجال القوة الجوية وقاذفات سوخوي 35، وما سيكون لذلك من تاثير حتمي على ميزان التفوق الجوي بين طهران وتل ابيب.
رابعا: الدافع المشترك بين الغرب و "اسرائيل" في التحضير لاستهداف روسيا من خاصرتها الرخوة تاريخيا في جنوب القوقاز، من خلال رفع مستوى التوتر داخل او بين كل من ارمينيا واذربيجان وجورجيا وامتدادا الى ايران، ومصلحة الكيان الاسرائيلي هنا ليست باقل من مصلحة الاميركيين في استهداف الامن والاستقرار في روسيا، انطلاقا من القوقاز كمنطقة ضغط وتاثير بمستوى مرتفع جدا على موسكو.
واخيرا، ليست المرة الاولى التي تناور فيها تل ابيب بمشاركة ودعم اميركي لاستهداف ايران وأمنها ومسار تطور قدراتها التقليدية وغير التقليدية، فاستراتيجية تل ابيب ضد ايران، والتي هي اساسا من ضمن استراتيجية واشنطن الواسعة، كانت دائما ثابتة ومتواصلة ومستمرة، الأمر الذي يطرح عدة تساؤلات اساسية وهي:
هل تنجح "اسرائيل" في جر أذربيجان الى لعب دور خطير عليها بمواجهة ايران في الوقت الذي لا تملك باكو القدرة لعبه، لا عسكريا ولا استراتيجيا؟
ماذا سيكون مصير العلاقات بين طهران وباكو بعد ان تفشل الاخيرة في إثبات عدم انخراطها في هذه المؤامرة القاتلة لها؟
هل تنجح تل ابيب في مناورتها الهادفة لزعزعة امن ايران انطلاقا من اذربيجان، في الوقت الذي فشلت في ذلك انطلاقا من الخليج، حيث الامكانيات هناك (في الخليج) أكبر وأوسع من اذربيجان وأكثر تاثيرا على الصعيد الاقليمي والدولي؟
ويبقى التساؤل الاهم وهو: هل تسكت موسكو على مناورة استهدافها بطريقة مباشرة انطلاقا من جنوب القوقاز؟ أاو هل تقف مكتوفة الأيدي وتتفرج على مناورة استهدافها بطريقة غير مباشرة عبر استهداف تحالفها الاستراتيجي مع ايران، والذي أصبح حاجة قومية لها، بعد أن خسرت أغلب خطوط التواصل الاقتصادية والسياسية مع اوروبا؟
من الواضح بتقديرنا، ان كل من الدول الثلاث (روسيا والصين وايران)، لن تفرط بما وصلت اليه حتى الان، على مستوى التقدم في مواجهة قطبية اميركا الاحادية ونفوذها وتسلطها حول العالم، وبالتالي، لن تسمح لثغرة الدخول الاسرائيلي في أذربيجان ولا لغيرها، ان تعرقل ما حققته هذه الدول (منفردة او مجتمعة) في المعركة الأهم على الصعيد الدولي.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
14/10/2024