طوفان الأقصى

آراء وتحليلات

"إسرائيل" في أذربيجان: ماذا يخطط لإيران ولجنوب القوقاز؟
02/04/2023

"إسرائيل" في أذربيجان: ماذا يخطط لإيران ولجنوب القوقاز؟

شارل أبي نادر

ليست مصادفة أن يطلق الكيان الإسرائيلي المؤقت حملة تدخل واسعة في أذربيجان، سياسيا وديبلوماسيا وعسكريا، في الوقت الذي تسلك فيه عملية إعادة التوازن إلى العلاقات الإيرانية العربية والخليجية تحديدا، فمع تسارع إجراءات الانفتاح المتبادل بين طهران وأغلب الدول العربية المؤثرة، ظهرت واضحة النقلة النوعية في الخطاب وفي الإجراءات بين باكو وبين تل أبيب، بحيث تجاوزت وبسرعة قياسية كل الإجراءات السابقة والتي كانت قد امتدت لعشرات السنوات، مخفية أو خجولة أحيانا وواضحة بحذر أحيانا أخرى.

لا شك أن عدة معطيات إقليمية ودولية ساهمت أو أسست لهذا الانخراط الإسرائيلي المفاجئ في أذربيجان، والتي، بمعزل عن مدى انغماس الأخيرة فيها مقارنة بمستوى انغماس الكيان الإسرائيلي المؤقت، ستشكل لو نجحت تغييرا مفصليا نافرا في إحدى أكثر المناطق حساسية في العالم حاليا.

بداية، وقبل الدخول في الأسباب والدوافع الإسرائيلية من وراء هذه المغامرة "الجريئة" وغير المحسوبة جيدا في إحدى أهم دول جنوب القوقاز، لا بد من الإضاءة على التأثيرات غير المريحة على إيران من الناحيتين الأمنية والعسكرية، من جراء هذا التدخل الإسرائيلي الاستثنائي في أذربيجان حاليا.

الثغرات والتهديدات

الثغرة الأولى والتي يمكن أن تشكل فرصة التأثير الأمني الأكبر على إيران، هي في حدودها الواسعة مع أذربيجان والبالغة حوالي 750 كلم مقسومة إلى قسمين تفصل بينها الحدود بين إيران وأرمينيا بعرض حوالي مئة كلم، لتكون هذه الحدود الواسعة، لوحدها فقط، وبمعزل عن صعوبة ضبطها، ثغرة جغرافية قادرة أن تحمل الكثير من أخطار تسلل المخربين أو الإرهابيين أو عملاء الموساد إلى الداخل الإيراني.

الثغرة الثانية من الناحية العسكرية، وبمعزل أيضا عن حسن أو سوء نية سلطات باكو بالتواطؤ مع تل أبيب ضد طهران، وانطلاقا من المشاريع العسكرية المشتركة مع أذربيجان، والتي هي قائمة حاليا أو المرتقبة، يمكن لتل أبيب وعبر المراقبة المباشرة والرصد القريب من أراضي أذربيجان، أن تمتلك قاعدة معلومات استخبارية واستعلامية ضخمة عن الأراضي الإيرانية، والتي تنتشر فيها وبشكل واسع، مروحة واسعة من القواعد والمنشآت العسكرية التدريبية والتصنيعية والعملياتية.

الدوافع الإسرائيلية

نعود للأسباب والدوافع الإسرائيلية من وراء هذه الهجمة على أذربيجان، والتي تتوزع بين دوافع محض إسرائيلية وأخرى مشتركة مع الغرب والأميركيين تحديدا، والتي يمكن ترتيبها على الشكل التالي:

أولا: من أهم دوافع تل أبيب، يأتي بحثها عن جغرافيا حدودية مع إيران كبديل عن جغرافية الدول العربية والخليجية تحديدا، والتي كانت ستشكل قاعدة انطلاق أساسية لاستهداف إيران، وهذه الحاجة الإسرائيلية الماسة له كذا جغرافيا، طرأت بعد التغيير المفاجئ وغير المنتظر في العلاقة بين إيران وبين تلك الدول الخليجية وبمقدمتها السعودية.

ثانيا: بعد التقارب اللافت مؤخرا بين ثلاثي مواجهة أميركا (روسيا الصين إيران)، وجدت واشنطن ومعها تل أبيب طبعا، أن الحاجة لعرقلة هذا التحالف التقارب أصبحت ضرورية وإجبارية، ولتكون أذربيجان بما تشكله من قدرة تأثير في بعدها الجغرافي والديمغرافي، نقطة ارتكاز جد مؤثرة بين تركيا وإيران وآسيا الوسطى، كمنطقة اهتمام غربي لمواجهة هذا التحالف الاستراتيجي الثلاثي.

ثالثا: التسارع اللافت والصادم لتل ابيب ولواشنطن ايضا في مستوى العلاقات الروسية الايرانية في اكثر من مجال وخاصة في المجال العسكري، وتبادل الخبرات العسكرية سيما على صعيد الطائرات المسيرة والتكنولوجيا والتكتيكات العسكرية، ومن جهة اخرى، لناحية ما رشح من معطيات عن حصول طهران على مروحة واسعة من التجهيزات العسكرية الروسية النوعية، في مجالات الصواريخ فرط صوتية او في مجال القوة الجوية وقاذفات سوخوي 35، وما سيكون لذلك من تاثير حتمي على ميزان التفوق الجوي بين طهران وتل ابيب.

رابعا: الدافع المشترك بين الغرب و "اسرائيل" في التحضير لاستهداف روسيا من خاصرتها الرخوة تاريخيا في جنوب القوقاز، من خلال رفع مستوى التوتر داخل او بين كل من ارمينيا واذربيجان وجورجيا وامتدادا الى ايران، ومصلحة الكيان الاسرائيلي هنا ليست باقل من مصلحة الاميركيين في استهداف الامن والاستقرار في روسيا، انطلاقا من القوقاز كمنطقة ضغط وتاثير بمستوى مرتفع جدا على موسكو.

واخيرا، ليست المرة الاولى التي تناور فيها تل ابيب بمشاركة ودعم اميركي لاستهداف ايران وأمنها ومسار تطور قدراتها التقليدية وغير التقليدية، فاستراتيجية تل ابيب ضد ايران، والتي هي اساسا من ضمن استراتيجية واشنطن الواسعة، كانت دائما ثابتة ومتواصلة ومستمرة، الأمر الذي يطرح عدة تساؤلات اساسية وهي:

هل تنجح "اسرائيل" في جر أذربيجان الى لعب دور خطير عليها بمواجهة ايران في الوقت الذي لا تملك باكو القدرة لعبه، لا عسكريا ولا استراتيجيا؟
ماذا سيكون مصير العلاقات بين طهران وباكو بعد ان تفشل الاخيرة في إثبات عدم انخراطها في هذه المؤامرة القاتلة لها؟

هل تنجح تل ابيب في مناورتها الهادفة لزعزعة امن ايران انطلاقا من اذربيجان، في الوقت الذي فشلت في ذلك انطلاقا من الخليج، حيث الامكانيات هناك (في الخليج) أكبر وأوسع من اذربيجان وأكثر تاثيرا على الصعيد الاقليمي والدولي؟

ويبقى التساؤل الاهم وهو: هل تسكت موسكو على مناورة استهدافها بطريقة مباشرة انطلاقا من جنوب القوقاز؟ أاو هل تقف مكتوفة الأيدي وتتفرج على مناورة استهدافها بطريقة غير مباشرة عبر استهداف تحالفها الاستراتيجي مع ايران، والذي أصبح حاجة قومية لها، بعد أن خسرت أغلب خطوط التواصل الاقتصادية والسياسية مع اوروبا؟

من الواضح بتقديرنا، ان كل من الدول الثلاث (روسيا والصين وايران)، لن تفرط بما وصلت اليه حتى الان، على مستوى التقدم في مواجهة قطبية اميركا الاحادية ونفوذها وتسلطها حول العالم، وبالتالي، لن تسمح لثغرة الدخول الاسرائيلي في أذربيجان ولا لغيرها، ان تعرقل ما حققته هذه الدول (منفردة او مجتمعة) في المعركة الأهم على الصعيد الدولي.  

الجمهورية الاسلامية في إيرانأذربيجانالكيان المؤقتالقوقازجورجيا

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

التغطية الإخبارية



 

مقالات مرتبطة
 قائد الجيش الإيراني: سنردّ على أيّ عدوان بقوة أكبر من ذي قبل
 قائد الجيش الإيراني: سنردّ على أيّ عدوان بقوة أكبر من ذي قبل
الرئيس الإيراني: الكيان الصهيوني هو النظام الأكثر كراهية لدى شعوب العالم
الرئيس الإيراني: الكيان الصهيوني هو النظام الأكثر كراهية لدى شعوب العالم
الوعد الصادق.. البحث عن الحقيقة
الوعد الصادق.. البحث عن الحقيقة
الصحف الإيرانية: حزب الله دخل المعركة ضد العدو الصهيوني بذكاء وحسم
الصحف الإيرانية: حزب الله دخل المعركة ضد العدو الصهيوني بذكاء وحسم
كاريكاتور العهد
كاريكاتور العهد
تطور العلاقات الإيرانية ــ الأذربيجانية.. صفعة جديدة في وجه الغرب الجماعي
تطور العلاقات الإيرانية ــ الأذربيجانية.. صفعة جديدة في وجه الغرب الجماعي
طهران تعلن عن ربط كهربائي بين إيران وروسيا وآذربيجان
طهران تعلن عن ربط كهربائي بين إيران وروسيا وآذربيجان
"ستزول من الوجود".. جمهورية قره باخ تعلن حلّ نفسها
"ستزول من الوجود".. جمهورية قره باخ تعلن حلّ نفسها
أرمينيا: نحو 3 آلاف شخص دخلوا البلاد من ناغورني قره باخ
أرمينيا: نحو 3 آلاف شخص دخلوا البلاد من ناغورني قره باخ
مجلس الأمن يناقش أزمة قره باخ وتحريض أمريكي على أذربيجان
مجلس الأمن يناقش أزمة قره باخ وتحريض أمريكي على أذربيجان
رئيس المجلس الإقليمي للجليل الأعلى مهددًا حكومته: يجب إعادة الردع شمالًا.. لن ننتظر طويلًا
رئيس المجلس الإقليمي للجليل الأعلى مهددًا حكومته: يجب إعادة الردع شمالًا.. لن ننتظر طويلًا
نقاش في الكيان حول خطة اقتحام رفح
نقاش في الكيان حول خطة اقتحام رفح
الكيان يتحضّر لهجمة ديبلوماسية مضادة خشية صدور أوامر اعتقال دولية لنتنياهو
الكيان يتحضّر لهجمة ديبلوماسية مضادة خشية صدور أوامر اعتقال دولية لنتنياهو
ما هو الـ"يورديم" ولماذا يخشى الغرب سقوط "إسرائيل"؟
ما هو الـ"يورديم" ولماذا يخشى الغرب سقوط "إسرائيل"؟
مناورات ومعابر مشبوهة.. خشية ايرانية من الدور الأميركي جنوب القوقاز
مناورات ومعابر مشبوهة.. خشية ايرانية من الدور الأميركي جنوب القوقاز
عبد اللهيان: إيران لن تقبل التغيير الجغرافي في ترانزيت القوقاز
عبد اللهيان: إيران لن تقبل التغيير الجغرافي في ترانزيت القوقاز
السيد رئيسي: تدخل الأجانب يزيد من مشاكل منطقة القوقاز
السيد رئيسي: تدخل الأجانب يزيد من مشاكل منطقة القوقاز
حركة "أجناد القوقاز" تنتقل الى أوكرانيا لقتال الروس
حركة "أجناد القوقاز" تنتقل الى أوكرانيا لقتال الروس
رئيس "الدوما" الروسي: مصير زيلينسكي السجن كمصير ساكاشفيلي
رئيس "الدوما" الروسي: مصير زيلينسكي السجن كمصير ساكاشفيلي