آراء وتحليلات
مناورات ومعابر مشبوهة.. خشية ايرانية من الدور الأميركي جنوب القوقاز
شارل ابي نادر
يبدو أن إيران لن تجد ارتياحًا من محاولات الاستهداف الخارجي التي يرعاها الغرب بقيادة واشنطن. وتتضمن هذه المحاولات الحصار وممارسة الضغوطات وفرض عقوبات جائرة، أو استغلال أطراف ومواقع اقليمية حدودية معها في مساعي الاستهداف الغربي لها عبر مواقع حدودية معها. والخشية الايرانية من ذلك، ترجمتها محادثة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان مع نظيره الأرمني أرارات ميرزويان الذي أكد خلالها عدم جواز وجود قوات أجنبية في جنوب القوقاز، وذلك على خلفية مناورات أرمينية أميركية مشتركة بدأت أول الأسبوع الحالي وتستمر لغاية العشرين من هذا الشهر.
هذه الخطوة المشبوهة (مناورات مشتركة ارمينية - اميركية) التي أثارت حفيظة العديد من الدول وفي مقدمتها روسيا، حول ماهية قرار الحكومة الأرمينية وتوقيته، وما يعطيه من فرصة للإدارة الأمريكية في العبث بمنطقة جنوب القوقاز، قد لا تؤثر على روسيا فقط بل وعلى الجمهورية الإسلامية في إيران أيضًا. وهذا الأمر عبّر عنه صراحة وزير الخارجية الايرانية في اتصاله بالمسؤولين الأرمينيين، والذي أكد فيه الحذر الايراني من هذه المناورات المشبوهة، وشدد على ضرورة الحلّ الجذري للنّزاعات لتحقيق السّلام المستدام في المنطقة، واعتبر أنّ "الحوارات والآليّات الإقليميّة، بما في ذلك آليّة "ثلاثة زائد ثلاثة" (والتي تعني مشاركة أذربيجان وأرمينيا وجورجيا وإيران وروسيا وتركيا)، هي الطريقة الأكثر فعاليّة لتحقيق السّلام الشّامل"، معلقًا على المناورات العسكرية المشتركة بين الولايات المتحدة الأميركية وأرمينيا بأن "وجود القوات الأجنبية هو السبب في تعقيد الوضع في المنطقة".
في جانب آخر مرتبط بطريقة غير مباشرة بخشية ايران من المناورات الاميريكة - الارمينية، نشرت وكالة "تسنيم" أمس مقاطع مصورة عن ارسال تعزيزات عسكرية إيرانية عند الحدود الشمالية الغربية المحاذية لأذربيجان وأرمينيا، ظهر فيها تحرك عدة ارتال من الدبابات والمدفعية بعيدة المدى، وذكرت الوكالة أنه بعد الاتفاق المبرم مع العراق الذي بموجبه تقرر إغلاق مقار الجماعات الإرهابية في كردستان ونزع سلاحها، تم إرسال المعدات العسكرية الموجودة على الحدود العراقية إلى الحدود الشمالية الغربية المحاذية لأذربيجان وأرمينيا. وقال وزير الدفاع الإيراني العميد محمد رضا آشتياني في تصريح للصحفيين على هامش اجتماع الحكومة الإيرانية "مواقفنا واضحة بالكامل ولن نقبل بأي تغيير جيوسياسي في المنطقة وهذا واضح للجميع.
أحد أهم أوجه هذا التغيير الجيوسياسي الذي يُخطط له في منطقة جنوب القوقاز، والذي تخشاه اليوم ايران، جاء بسبب اعلان تركيا مؤخرًا، أنها ستبدأ العمل على ممر يربطها بأذربيجان ويمر بأرمينيا، وفي هذا الإطار، قال وزير المواصلات والبنى التحتية التركي عبد القادر أورال أوغلو إن بلاده ستبدأ العمل على ممر زنغزور الواقع بين تركيا وأذربيجان مرورًا بأرمينيا "في وقت قريب" - موضحًا خلال منتدى النقل واللوجستيات لمنظمة الدول التركية المقام في اسطنبول - أن الجانب الأذربيجاني يواصل العمل بممر زنغزور، وأن أرمينيا أحرزت تقدمًا في هذا الصدد. وأكد أن بلاده ستباشر العمل في الممر خلال الأيام والأشهر المقبلة، مشيرا إلى متابعة سير الأعمال من قبل الدول الثلاث.
في الظاهر، لا يوجد أي ارتباط بين الأمرين: المناورات المشتركة الأرمينية الأميركية ومعبر زنغزور، ولكن عمليًا، ومن ضمن استراتيجية الاستهداف الغربي برعاية أميركية لايران، يمكن ايجاد هذا الرابط الذي يأتي في اتجاهين: الأول يصب في خانة خلق توتر في جنوب القوقاز لاستهداف ايران من خلال توسيع التواجد العسكري الأميركي ونقله جنوبًا من جورجيا إلى أرمينيا، والثاني يصب في خانة محاولة عزل ايران من خلال تفعيل معبر زنغزور، الذي يربط جغرافيًا بشكل مباشر بين تركيا وأذربيجان متجاوزًا الأراضي الايرانية.
لناحية توسيع التواجد العسكري الأميركي في جنوب القوقاز، لن تكون تداعيات أي تطور للعلاقة العسكرية الأرمينية الأميركية عادية على طهران. ومن الطبيعي أن تكون المناورات انطلاقة لهذا التوسع، خاصة أن يريفان هي عضو في منظمة معاهدة الأمن الجماعي مع روسيا وبيلاروسيا وبعض دول آسيا الوسطى، وليس من المفترض أن تدخل في علاقة عسكرية متقدمة مع واشنطن، الأمر الذي يمكن وضعه في خانة الاستغلال الاميركي لهذه العلاقة لامتلاك نقاط ارتكاز عسكرية وتجسسية مباشرة على الحدود الجنوبية لارمينيا مع ايران. حساسية وخطورة هذا الأمر تكمن أيضًا في أن العامل الاسرائيلي المخابراتي أو العملاني لن يكون بعيدًا عن هذه العلاقة العسكرية الارمينية الاميركية، والذي ستكون له فرصة كبيرة للتسلل إلى هذه الحدود واستغلال ذلك ضمن استراتيجية "اسرائيل" الدائمة والمستمرة لاستهداف ايران.
لناحية معبر زنغزور أيضًا، لن يكون سهلًا على ايران عزل أراضيها وحدودها كرابط تاريخي بين تركيا والبحر الأسود من جهة وبين دول آسيا الوسطى من جهة أخرى. سلبيات هذا الأمر لن تقتصر على ايران اقتصاديًا وتجاريًا فقط مع انخفاض مردود النقل والترانزيت، بل سيكون المعبر أيضًا فرصة لإضعاف التأثيرات السياسية والاستراتيجية الايرانية في جنوب القوقاز، أولًا من خلال تخفيض مستوى العلاقة بين طهران ويريفان اقتصاديًا وربما سياسيًا لاحقًا، وثانيًا من خلال اضعاف نفوذ طهران التاريخي كرابط جغرافي طبيعي بين تركيا وامتدادها غربًا نحو أوروبا، وبين مجموعة دول آسيا الوسطى وامتداها شرقًا نحو الصين وشمالًا نحو روسيا.
ومن خلال متابعة إحدى المناورات الأميركية الأخيرة لعزل ايران، والتي كانت محاولة في شرق سوريا وتحديدًا في معبر البوكمال لقطع الطريق بين ايران والعراق وسوريا ولبنان، حيث استطاعت ايران وبطريقة غير مباشرة افشال هذه المحاولة بعد أن تطورت الخلافات بين معارضي دمشق من حلفاء واشنطن في تلك المنطقة إلى معارك وتصفيات، (قسد والعشائر العربية)، وكاد الأمر أن يهدد ويفجّر كل الهيكلية الأميركية المعارضة لدمشق في تلك المنطقة، لا يمكن استبعاد قيادة ايران أي مناورة في جنوب القوقاز دفاعًا عن أمنها القومي ونفوذها ومصالحها في تلك المنطقة، فارضة منع أي تغيير جيوسياسي في منطقة كانت دائمًا حديقتها الخلفية شمالًا وشمال غرب، وكانت دائمًا الرئة الاستثنائية لها باتجاه روسيا والبحر الأسود وأوروبا.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
14/10/2024