طوفان الأقصى

نقاط على الحروف

العقوبات الإقتصادية: إرهاب تبعاته على الشعوب 
11/12/2022

العقوبات الإقتصادية: إرهاب تبعاته على الشعوب 

عبير بسّام 
الإرهاب، كلمة باتت تستخدمها الدول القوية في العالم الغربي كلما أرادت فرض رغباتها المتنمرة على كل من يخالفها. وبات الإرهاب تهمة جاهزة، وبخاصة ضد الحكومات والدول، التي تدير شؤونها خارج ما تفرضه الولايات المتحدة، وبما يتعارض وسياساتها المارقة في العالم. وبحسب تعريف الموسوعة البريطانية فإن الإرهاب هو: "الاستخدام المحسوب للعنف لخلق مناخ عام من الخوف بين السكان وبالتالي لتحقيق هدف سياسي معين". وهذا الإستخدام المحسوب للعنف يمكن أن يتخذ شكلاً اقتصادياً من أجل الضغط على الدول والسكان من أجل خلق مناخ من القلق والخوف من أجل تحقيق هدف سياسي معين أيضاً. ويمارس هذا النوع من الإرهاب في العصر الحديث، وفي ظل العولمة، عبر تسخير التقنيات الحديثة في إحكام الحصار الإقتصادي على الدول والمجموعات من أجل فرض إرادتها عليهم عبر تطبيق القوة الناعمة دون الحاجة للجوء إلى استخدام العنف. 

تحدد الموسوعة البريطانية أن الإرهاب يمكن أن يمارس من قبل المنظمات السياسية ذات الأهداف اليمينية واليسارية، ومن قبل الجماعات القومية والدينية، ومن قبل الثوار، وحتى من قبل مؤسسات الدولة مثل الجيوش وأجهزة المخابرات والشرطة. وأول مثال تطرحه على العنف هي الممارسات التي قامت بها الثورة الفرنسية ضد الملكية وحتى ضد عناصر من الثورة في مراحل مختلفة من تسلمها السلطة. فما الذي يمنع من تصنيف ما تقوم به الولايات المتحدة الأميركية من ممارسات حول العالم من احتلالات وقتل للشعوب ونشر الخوف فيها من أجل تحقيق أهدافها السياسية، وخاصة عبر فرض الحصار الإقتصادي على الشعوب وعلى الحكومات من أجل فرض إرادتها السياسية. خاصة وأن الحصار الإقتصادي يدفع نحو إفقار الدولة، التي تصب عاجزة عن تقديم الخدمات بشكل كامل للشعوب، وقد يدفع الفقر بالناس إلى السرقة وممارسة العنف ضد بعضهم البعض.

وهنا تحضر ممارسات متعددة للحكومة الأميركية في محاولات الضغط على الحكومات وتعطيل قدرتها في منطقتنا في تأمين الحاجات الأساسية من الماء والكهرباء والطعام والمواصلات والتدفئة وتعطيل الصناعة والزراعة، خاصة عبر تعطيل وصول المحروقات والتهديد بتعطيل عمل البنوك في ظل عولمة نظام التبادل المالي. وما شهدناه مؤخراً في تعطيل تصدير الغاز والمحروقات الروسية إلى أوروبا، وتهديد الشركات الأوروبية وبخاصة شركات التأمين عبر إعاقة تعاملاتها المالية في حال تم استيراد الغاز الروسي من أجل التدفئة وتشغيل المعامل، إلا دليلاً على ذلك. فحتى أوروبا لم تسلم من السياسات الإقتصادية الأميركية الجائرة والتي تدفع بها نحو البرد والتضخم المالي وبالتالي البطالة وغلاء أسعار المواد الغذائية والمحروقات، وثبت أن الولايات المتحدة باتت تمارس الإرهاب الإقتصادي على الحكومات الموالية لها وبالتالي على شعوبها من أجل فرض القرارات الأميركية في مقاطعة روسيا اقتصادياً.

وإذا تمعنا بالقانون الأميركي رقم 22، والذي يعرف الإرهاب في الولايات المتحدة: "باعتباره عنفاً بدوافع سياسية يُرتكب بطريقة سرية ضد غير المقاتلين"، فسنجد أن الولايات المتحدة وعبر محاصرة الدول ترتكب الجريمة ذاتها التي تعرفها بقانونها. ويشتمل هذا القانون التعريف بأن الإرهاب هو: "فعل يُرتكب من أجل خلق حالة ذهنية مخيفة في جمهور مختلف عن الضحايا. ويعتبر الفعل إرهاباً حتى لو تم استخدامه عبر منظور قانوني أو أخلاقي أو سلوكي". يشرح ذلك الإستاذ المسساعد في جامعة فلوريدا تشارلز ل. روبي، في بحث بعنوان: "تعريف الإرهاب". وإذا قمنا بإسقاط هذا التعريف على كل ما قامت به الولايات المتحدة في لبنان وسوريا وإيران وغيرهم، خلال السنوات الماضية، ففي كل جزئية من الحصار الإقتصادي المطبق ترتكب الولايات المتحدة الجريمة المعرفة في القانون 22 من خلال حصار الدولة أو مجموعات محددة من الدولة، لأنها تتسبب بخلق حالة ذهنية مخيفة لدى الجمهور الغير مستهدف، أي الشعب في الدولة، بسبب القلق الذي يعيش فيه عندما يمس الأمر أمنه الغذائي والصحي والمعيشي.

في مقاله: "الإرهاب الاقتصادي العالمي وأشكاله وتأثيراته"، يشرح مايرسون اليزار سالي، الأستاذ في الجامعة النيجيرية الإسلامية: " إن الإرهاب ليس مسألة أمن وخوف فقط، بل هو مرتبط بالإقتصادات الوطنية والعالمية، والتي لها آثار اقتصادية واجتماعية. إذ أن هناك علاقة تفاعلية بين الإقتصاد والإرهاب، بسبب الدور، الذي يلعبه كبار مالكي رؤوس الأموال المكون من شركات عالمية منتشرة في جميع أنحاء العالم، والتي تحمل المصالح السياسية للدول التي ترعاها".  ولذا يرى سالي أن تأثير الإرهاب الإقتصادي هدام على الدول النامية، والتي لن تستطيع النهوض بإقتصادها لمجاراة الإقتصاد العالمي إلا بعد فترة طويلة. لأن الإقتصاد العالمي مكون من شركات عملاقة قادرة على إجراء أي بحث عن الفوائد، التي يمكن استجرارها من خلال مساعدة البنوك ووسائل الإعلام المطبوعة والإلكترونية والتجسس والسوق السوداء وغيرها، وفي بعض الأحيان يمكن أن تستجرها قوى اقتصادية خفية. صحيح أن رأس المال يعتبر محايداً ولكن أصحاب الإستثمار وأصحاب رأس المال ليسوا محايدين. فعبر الشركات الكبرى، والكلام يمكن أن ينطبق على الدول الكبرى التي جاءت منها، يتم التحكم في حركة الأموال والذهب ويمكن لذلك أن يدمر اقتصاد بلد متماسك اقتصادياً، فماذا عن اقتصاد دولة نامية منهكة؟ وحتى أنه لا يمكن تحليل التداعيات لانهيار المنظومة الإقتصادية للدول المحاصرة  من خلال النظم الإقتصادية التقليدية. 

تعتبر العقوبات الإقتصادية على الدول "السلاح السري" الذي يمكن من خلاله إخضاع هذه الدول لقرارات وشروط مجحفة لا تتفق مع سياسات هذه الدول وعقائدها الراسخة تاريخياً، وبالتالي يتم اخضاع هذه الدول لنوع جديد من الاحتلال الذي يمارس ضدها والذي يخضعها للإستغلال من خلال انهيار منظومتها الاقتصادية. ولكن هذه العقوبات في غالب الأمر تطال الشعب بمختلف طبقاتها، وتتسبب في توسيع الفجوة ما بين الفقراء والأغنياء وعادة ما تتسبب بتقليص حجم الطبقة المتوسطة، أو انهائها، بسبب التضخم المالي الذي يمكن أن يصيب البلد المحاصر او الخاضع للعقوبات الإقتصادية بسبب استغلال تجار الحرب وتجار السوق السوداء حاجات البلد في تأمين الغذاء والدواء وما غير ذلك. فالعقوبات الإقتصادية هي شكل من أشكال الحصار الحديث الذي تمارسه الدول القوية ضد الدول الضعيفة، أو الدول التي لا تتوافق وأهدافها وسياساتها العامة، لإخضاعها.

لا شك بأن العقوبات تكثف المصاعب الإقتصادية على الفقراء وتزيد من مستوى التظلم لديهم. ويرى كل من "سيونغ- وان تشوي" و"شالي لو" أن العقوبات تفتح المجال أمام الإرهاب الدولي، وإن استهدفت القادة "المارقين" وتفتح المجال أمام التلاعب بالفقراء المظلومين. ومن خلال التحليل، الذي يقدمانه عبر بحثهما " العقوبات الاقتصادية والفقر والإرهاب الدولي: تحليل تجريبي"، يصلان إلى نتيجة معتمدة على بيانات مقطعية ومتسلسلة زمنية لـ 152 دولة وعلى مدى ثلاثة عقود مضت، "أن العقوبات الإقتصادية مرتبطة بشكل إيجابي بالإرهاب الدولي". كما تشير هذه النتيجة إلى أنه على الرغم من أن الغرض الرئيسي من العقوبات الإقتصادية هو إجبار الدول"المارقة" على الامتثال للمعايير والقوانين الدولية، إلا أنه يمكنها أن تستجر التداعيات السلبية وتغدو سبباً في "الإرهاب الدولي". للعنف يمكن أن يتخذ شكلاً اقتصادياً من أجل الضغط على الدول والسكان من أجل خلق مناخ من القلق والخوف من أجل تحقيق هدف سياسي معين أيضاً. ويمارس هذا النوع من الإرهاب في العصر الحديث، وفي ظل العولمة، عبر تسخير التقنيات الحديثة في إحكام الحصار الإقتصادي على الدول والمجموعات من أجل فرض إرادتها عليهم عبر تطبيق القوة الناعمة دون الحاجة للجوء إلى استخدام العنف. 

لبنانالارهابالاقتصادالدولاراميركا

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف

التغطية الإخبارية



 

مقالات مرتبطة
الشيخ قاسم استقبل وفدًا من ندوة العمل الوطني 
الشيخ قاسم استقبل وفدًا من ندوة العمل الوطني 
حزب الله كرّم عددًا من حفظة القرآن الكريم في البقاع
حزب الله كرّم عددًا من حفظة القرآن الكريم في البقاع
المؤتمر الـ 21 لاتحاد المعلّمين العرب: نثمّن دور اليمن ولبنان والعراق في دعم المقاومة الفلسطينيّة
المؤتمر الـ 21 لاتحاد المعلّمين العرب: نثمّن دور اليمن ولبنان والعراق في دعم المقاومة الفلسطينيّة
حمادة: "إسرائيل" تجر أذيال الخيبة في كل استحقاق
حمادة: "إسرائيل" تجر أذيال الخيبة في كل استحقاق
الحاج حسن: العدو أخفق في تحقيق أهدافه
الحاج حسن: العدو أخفق في تحقيق أهدافه
من هو "جيش العدل" البلوشي؟ 
من هو "جيش العدل" البلوشي؟ 
إيران: اعتقال 11 عنصرًا من شبكة الاعتداء الإرهابي المزدوج في كرمان
إيران: اعتقال 11 عنصرًا من شبكة الاعتداء الإرهابي المزدوج في كرمان
وزير الداخلية الإيراني يعلن اعتقال عدد من المشتبه بهم بتفجير كرمان الإرهابي
وزير الداخلية الإيراني يعلن اعتقال عدد من المشتبه بهم بتفجير كرمان الإرهابي
الجيش السوري يسقط ويدمر عددًا من المُسيَّرات للتنظيمات الإرهابية بريفي حلب وإدلب
الجيش السوري يسقط ويدمر عددًا من المُسيَّرات للتنظيمات الإرهابية بريفي حلب وإدلب
سورية تُشيّع شهداء العدوان الإرهابي في حمص
سورية تُشيّع شهداء العدوان الإرهابي في حمص
تراجع هستيري في السوق العقارية شمال الكيان بسبب الحرب
تراجع هستيري في السوق العقارية شمال الكيان بسبب الحرب
طوفان الأقصى.. أضخم الحروب تأثيرًا على الاقتصاد الإسرائيلي
طوفان الأقصى.. أضخم الحروب تأثيرًا على الاقتصاد الإسرائيلي
اقتصاد كيان العدو ينكمش بسبب الحرب على غزة
اقتصاد كيان العدو ينكمش بسبب الحرب على غزة
العملات الرقمية وأمن المعلومات.. فهم المخاطر وسبل الحماية
العملات الرقمية وأمن المعلومات.. فهم المخاطر وسبل الحماية
كيف استعد السوريون لعيد الفطر في ظل الحصار الاقتصادي؟
كيف استعد السوريون لعيد الفطر في ظل الحصار الاقتصادي؟
لافروف: موسكو وبكين توقفتا بشكل شبه كامل عن استخدام الدولار في تجارتهما المتبادلة
لافروف: موسكو وبكين توقفتا بشكل شبه كامل عن استخدام الدولار في تجارتهما المتبادلة
غرب آسيا والحيثية الدولية للولايات المتحدة الأميركية
غرب آسيا والحيثية الدولية للولايات المتحدة الأميركية
خسائر غير مسبوقة بمليارات الدولارات نتيجة استدعاء الاحتياط منذ بدء العدوان على غزة
خسائر غير مسبوقة بمليارات الدولارات نتيجة استدعاء الاحتياط منذ بدء العدوان على غزة
برلمانيون وخبراء اقتصاد: واشنطن وراء اضطراب السوق العراقي
برلمانيون وخبراء اقتصاد: واشنطن وراء اضطراب السوق العراقي
منصة بلومبرغ.. ترقيع جديد في الاقتصاد اللبناني
منصة بلومبرغ.. ترقيع جديد في الاقتصاد اللبناني
انتفاضة في الجامعات الأميركية لأجل غزّة.. وإدارة بايدن تسعى لشيطنتها
انتفاضة في الجامعات الأميركية لأجل غزّة.. وإدارة بايدن تسعى لشيطنتها
استقالة مسؤولة بالخارجية الأميركية احتجاجًا على دعم "إسرائيل"
استقالة مسؤولة بالخارجية الأميركية احتجاجًا على دعم "إسرائيل"
الهندي: قرار مجلس الأمن يعكس العزلة التي تعيشها "إسرائيل" في كل العالم
الهندي: قرار مجلس الأمن يعكس العزلة التي تعيشها "إسرائيل" في كل العالم
في عاشر أعوام الصمود.. السيد القائد الحوثي يضع شروطًا خمسة للسلام مع السعودية
في عاشر أعوام الصمود.. السيد القائد الحوثي يضع شروطًا خمسة للسلام مع السعودية
أميركا لم تقدم لروسيا معلومات لمنع حدوث هجوم موسكو الإرهابي
أميركا لم تقدم لروسيا معلومات لمنع حدوث هجوم موسكو الإرهابي