يوميات عدوان نيسان 1996

خاص العهد

فوضى الأسعار.. والرقابة شبه المعدومة
23/09/2021

فوضى الأسعار.. والرقابة شبه المعدومة

يشكو المواطنون من "فوضى" تسود قطاع المواد والسلع الغذائية والاستهلاكية. الأسعار تبدو فالتة من عقالها في الكثير من الأماكن. واللافت يكمن في المسارعة الى رفع الأسعار بضعة آلاف كلما تحرّك سعر الصرف صعودًا، دون أن تنسحب هذه القاعدة ـ إلا ما ندرـ عندما ينخفض سعر صرف الدولار. أما وفي حال انخفضت الأسعار فيكون الانخفاض "طفيفًا" في أماكن عدّة ولحفظ ماء الوجه كما يقال. الواقع الذي تدهورت بموازاته القدرة الشرائية للمواطنين وتآكلت وسط "موجة" احتكار واسعة لم يسلم منها أحد. وفي هذا الإطار، ثمّة اتهامات واسعة توجّه لوزارة الاقتصاد بالتقصير وعدم تحمل المسؤولية الملقاة على عاتقها. كثيرًا ما تتهم هذه الوزارة بأنها غائبة عن السمع، الأمر الذي ترد عليه بأنها تفعل ما بوسعها على قاعدة "العين بصيرة واليد قصيرة". 

نعمة: حالة من الفوضى تسود الأسعار مقابل عدم وجود رقابة

نائبة رئيس جمعية المُستهلك الدكتورة ندى نعمة توضح في حديث لموقع "العهد" الإخباري أنّ التدقيق في أسعار السلع يبيّن أنّ ثمة انخفاضات لكنها "طفيفة" وليست بحجم انخفاض سعر صرف الدولار الذي هبط ما يقارب الخمسة آلاف ليرة دفعة واحدة. تستغرب نعمة كيف يسارع أصحاب المحال التجارية وفي كل مرة يرتفع فيها الدولار الى إقفال محالهم بغية تغيير الأسعار صعودًا، بينما لا يفعلون ذلك عندما ينخفض الدولار بل يتذرعون بضرورة وجود آلية مسبقة ومراجعة الأوراق المالية. وهنا تعتبر نعمة أنّ المستهلك يتعرّض للغبن أكثر من مرة من قبل التجار، أولًا عندما ينخفض سعر صرف الدولار، وثانيًا عندما يرتفع حيث يرفعون هامش ربحهم أضعافًا مضاعفة. أما المحلات الصغيرة فلا حسيب ولا رقيب عليها ـ تقول نعمة ـ التي تشدّد  على دور المستهلك في مقاطعة المحال التي تبيع بأسعار مرتفعة فلا حل آخر طالما لا يوجد قوانين رادعة أو خطة اقتصادية. 

وتشدّد نعمة على أنّ ثمة شكاوى بالجملة وردت من المواطنين وبحق محال كبيرة ونحن بدورنا أرسلنا أرقام الارتفاعات الى وزارة الاقتصاد، لكن لا تغير ملوسا في هذا الإطار. وفق نعمة، ثمة حالة من الفوضى تسود الأسعار مقابل عدم وجود رقابة، فالمستورد لا يكتب لائحة يُبلغ فيها عن هامش الربح، وهذا أمر بإمكان الدولة أن تفرضه حتى لو كنا نعيش اقتصادًا حرًا لكننا في المقابل نعيش حالة طوارئ اقتصادية.

يجول وزير الاقتصاد على الأرض يهدّد ويتوعّد ولا شيء يتغيّر

وتؤكّد نعمة أنّ وزارة الاقتصاد لا تزال تسير على النهج ذاته حيث يجول الوزير على الأرض ويهدّد ويتوعّد، وفعليًا لا شيء يتغيّر. تلفت نعمة الى أنّ هذا الأسلوب ليس حلًا ويجب أن يتم العثور على صيغة لمعالجة هذا الوضع طالما أنّ ثمة احتكارات سائدة وسط غياب قانون المنافسة وتمدد الوكالات الحصرية ما يجعل الانخفاض في الأسعار محدود ولحفظ ماء الوجه فقط. وهنا تشدد نعمة على أنّ جميع البلديات يجب أن تلعب دورها بشكل فعال فهي بحسب القانون تملك صلاحيات واسعة لإقفال أي محال شأنها شأن الوزارات. وعليه يجب أن لا تنتظر لا القضاء ولا وزارة الاقتصاد التي تتذرع دائمًا بقلة العدد بموازاة التقاعس عن تجديد نظام المراقبة، ذلك النظام الذي جرى تجديده في كل دول العالم لمراقبة المحال التجارية من المكاتب الا في لبنان، تختم نعمة.   

مارديني: التقلبات الواسعة بسعر الصرف تولّد مخاطر تطال جميع الناس

بدوره، رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق الدكتور باتريك مارديني يقرأ اقتصاديًا في قضية انخفاض الدولار دون وجود انخفاض ملحوظ في الأسعار، فيشير الى ضرورة التفرقة بين سعر الصرف والتقلبات الحادة بسعر الصرف. برأيه، عندما تكون العملة غير مستقرة والتقلبات واسعة صعودا ونزولا تولد مخاطر تطال جميع الناس. وفق قناعاته، فإنّ الفرد ووسط بيئة التقلبات لا يعد قادرًا على معرفة ما اذا كان سيدفع فواتيره وفقًا للسعر المرتفع أو المنخفض خصوصا أن مسألة دفع الفواتير ليست آنية بل قد تأتي بعد شهر أو حتى ثلاثة أشهر من الشراء، وبالتالي فإنّ عدم استقرار سعر الصرف يؤدي الى وجود مخاطر ـ من وجهة نظر مارديني ـ يفضّل بموجبها البائع التسعير وفقًا للسعر العالي لتغطية نفسه من المخاطر التي قد يتعرض لها. 

وفي معرض حديثه، لا يخفي مارديني أنّ انخفاض سعر الصرف مهم جدًا لكن الأهم أن يكون هناك استدامة لهذا الانخفاض. وهنا يرى مارديني أنّ أفضل طريقة للحفاظ على سعر الصرف وتقوية القدرة الشرائية تكمن في تنفيذ إصلاح "يقوّي" الليرة ويثبتها وتأتي في هذا السياق مسألة إنشاء "مجلس النقد". اذا أنشأت الحكومة الحالية "مجلس نقد" وعملت على تغطية الليرة اللبنانية بعملة أجنبية قد تكون دولارا أو "يورو" بحيث تصبح كمية الليرة موازية لكمية العملة الأجنبية يقوى سعر صرف الليرة تلقائيًا ويثبت بشكل مستدام ما ينعكس على أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية.  

الزبائن تتحدّث دائمًا عما تشعر به لا عن الواقع الفعلي!

من جهته، يلفت مدير إحدى التعاونيات الكبرى في بيروت في حديث لموقعنا الى أنّ أسعار السلع لا تتبع سعر صرف الدولار مئة بالمئة. وفق قوله، ثمة أصناف كثيرة يتم شراؤها بالدولار انخفضت منذ اليوم الأول لانخفاض سعر الصرف، أما الأصناف الأخرى التي يتم شراؤها بالليرة اللبنانية والتي يتم تسعيرها من قبل الشركات التي تضع التسعير لها فبعضها انخفض وبعضها لم ينخفض اذ ثمة شركات لا تزال "متحفظة" على هذا الموضوع. 

وردًا على سؤال حول هامش الارتفاع الكبير بالأسعار الذي تشهده السلع عندما يرتفع سعر الصرف مقابل الانخفاض المحدود عندما ينخفض، يلفت المتحدّث الى أن "الزبائن تتحدث دائمًا عما تشعر به لا عن الواقع الفعلي"، على حد تعبيره.

بين الخوف من السوق، ورفع الدعم التدريجي عن المحروقات لا تزال الأسعار على حالها ولا يزال اللبناني ينتظر الترياق الذي قد يخفف أوجاعه كما حصل في موضوع المازوت الايراني.
 

الدولارغلاء الأسعار

إقرأ المزيد في: خاص العهد

التغطية الإخبارية



 

مقالات مرتبطة