يوميات عدوان نيسان 1996

آراء وتحليلات

تساؤلات حول الباخرة الكارثة.. هل كانت متجهة للإرهابيين؟
06/08/2020

تساؤلات حول الباخرة الكارثة.. هل كانت متجهة للإرهابيين؟

يوسف موسى

لا تنظر السعودية للإرهاب على أنه قضية جيوسياسية، بل باعتباره تهديدًا أمنيًا داخليًا لدولة ما تنفَّذ هجمات محلية في داخلها، لا على أنه سيعود بالتهديد عليها لأنها تسيطر عليها، بل يمكن أن تخدم أهدافها من خلاله كما فعلت في سوريا. لقد كانت السعودية المحرك الأساسي للجماعات الإرهابية لتغيير النظام في سوريا. بدأت السعودية بدعم الإرهابيين منذ بداية الأزمة في سوريا، تكفلت بإدخال المؤون والسلاح والمتفجرات إليهم، فضلاً عن دعمهم بالأموال والرجل. كانت شحنات السلاح السعودية تنقل أحياناً عبر تركيا وأخرى عبر لبنان من خلال سفن بحرية. ولطالما تمكن الجيش السوري من كشف أسلحة ومتفجرات سعودية وصلت إلى المسلحين، ومنها على سبيل المثال ما وجده في زملكا بالغوطة الشرقية لدمشق من مخلفات المجموعات المسلحة من مواد متفجرة بينها مواد سعودية المنشأ ومستودعات لتخزين قذائف الهاون والصواريخ والعبوات الناسفة، وهناك الكثير من هذه النماذج الموجودة لأسلحة أرسلتها السعودية إلى الإرهابيين في سوريا.

لطف الله 2

الكثير من الأسلحة تم تهريبها من لبنان إلى الداخل السوري، ومنها ما كان يحضر لتهريبه في الباخرة المصادرة لطف الله 2، والتي ضبطها الجيش اللبناني في نيسان 2012 عندما كانت متجهة إلى مرفأ طرابلس وهي قادمة من ليبيا لتدخل محتوياتها إلى سوريا. وبحسب ما نشرته صحيفة "الأخبار" حينها، فقد بدأت القصة عندما اتّصل السوري حسين ش. الذي يعمل في مؤسسة اتصالات وبرمجة كومبيوتر في السعودية بالمخلّص الجمركي السوري في مرفأ طرابلس مطاوع ر. طالباً إليه القدوم إلى السعودية للتباحث في بعض الأعمال. وافق الأخير، فالتقيا في جدة. وخلال اللقاء، تحدث حسين عن أقارب له سوريين يرغبون في شحن مواد غذائية إلى لبنان بغية توزيعها على النازحين السوريين. أخبره أن العائق الذي يحول دون تمكنهم من شحنها عن طريق البر، يدفعهم إلى شحنها في مستوعبات عبر البحر. واتّفق معه على أن يتولى مهمة إجراء المعاملات وإخراجها من مرفأ طرابلس. في ليل ذلك اليوم، جمع حسين المخلّص الجمركي برجلين سوريين، أحدهما يُدعى أبو حسن الحموي والآخر أبو جندل مجهول باقي الهوية. قدّمهما حسين إلى مطاوع على أنهما مسؤولان عن جمع التبرّعات لدعم "الثورة السورية"، ولم يلبث أن انسحب من الاجتماع. تبادل الثلاثة أطراف الحديث، فتطرّق أبو جندل إلى الحديث عن الثورة السورية وكيفية دعمها، ثم كشف له أن الشحنة التي ينويان إرسالها تتألف من ثمانية مستوعبات، لكنها تحتوي على أسلحة وذخائر، لا على مواد غذائية. يومها، طلب مطاوع إمهاله للتفكير في الأمر. غاب مدة أسبوع، لكنه لم يلبث أن عاد موافقاً بعد الاتفاق على المبالغ المالية التي سيتقاضاها. وفوراً، اتصل بوسيط نقل بحري يعمل في مرفأ طرابلس يدعى فؤاد ع. طالباً إليه الإسراع في تأمين باخرة لنقل ثمانية مستوعبات تحتوي على زيوت محركات. وبالفعل، وقع الخيار على "لطف الله 2"، واتفق فؤاد مع مالكها محمد خ. على نقل الشحنة، مقابل 65000 دولار أميركي. وهكذا بدأت الخطوة الأولى.

كارثة الأمونيوم

مع الانفجار الكارثي الذي ضرب مرفأ بيروت، بدأت الروايات تتوالى عن السفينة Rhosus وحمولة الأمونيوم على متنها التي تم تفريغها في مرفأ بيروت، والاحتفاظ بها منذ العام 2014. منهم من تحدث عن الرواية المتداولة حول أن سجلات الشحن تظهر أن السفينة بدأت رحلتها من مرفأ باتومي في البحر الأسود في 23 أيلول 2013 الى بييرا في موزمبيق. ولدى بلوغها مرفأ اسطنبول، توقفت ليومين، قبل أن تبحر مجدداً في 3 تشرين الأول. صعوبات تقنية حالت دون إكمالها مسارها، فوصلت الى مرفأ بيروت في 21 تشرين الثاني. لكن جهاز أمن المرفأ منعها من إعادة الإبحار بسبب ما سمّته نشرة arrest news، مستندات خاطئة أدّت الى تكوين شكوك حول وجهة إفراغ الشحنة التي على متنها. وثمة من يضع علامات استفهام على المسار اللامنطقي الذي سلكته السفينة في طريقها الى أفريقيا الجنوبية، إذ كان يمكنها أن ترسو في مرافئ كبيرة (في مصر على سبيل المثال) تؤمن لها تسهيلات وصيانة أفضل ممّا تؤمنه لها بيروت، أو ربما قبرص الأقرب مسافة.

وبالرغم من هذه الرواية، إلا أن هناك تساؤلات تثار حول مسارها، إذا ما كانت موزمبيق هي فعلاً الوجهة الأخيرة أو أنها مجرد ستار لضمان إيصال شحنة من المواد الصالحة لصناعة متفجرات الى لبنان أو سوريا، خصوصاً أن الحرب السورية كانت في أوجها آنذاك، وجرت محاولات لإيصال أسلحة وذخائر اليها عبر لبنان، مثل ما حدث مع باخر لطف الله 2، خاصةً أن الشركة المستأجرة للسفينة تخلّت عن حمولتها، أي الـ2750 طناً من نترات الأمونيوم، كذلك فعل مالك السفينة إيغور غريشوشكين الروسي المقيم اليوم في قبرص، وتحوم شبهات كثيرة حول سبب إبقاء هذه المادة الخطيرة في المرفأ بدل بيعها والاستفادة من عائداتها.

الكثير من الشبهات تحوم حول هذه الباخرة، حيث تم تسجيلها تحت راية مولدوفيا، التي يدرجها تفاهم باريس للملاحة الدولية، ضمن لائحته السوداء، كونها تقوم بتغطية عمليات ملاحية "مشبوهة" في البحار المحيطة بها، أضف إلى أن سعة حمولتها (Gross Tonnage) هي 1900 طن، فيما كانت محملة بحسب كل المستندات بنحو 2750 طناً من تلك المواد، فضلاً عن الكلام السابق عن حمولة إضافية كانت معدة للشحن في بيروت.

وفق ما تقدم، طرح الكثيرون شبهات كبيرة حول ملف هذه الباخرة، وأنها كانت متجهة إلى مجموعات إرهابية مدعومة من دولة كانت تدعم الإرهابيين ومنهم السعودية، خاصةً أن الإرهابيين في سوريا لهم سوابق في استخدام اسلحة كيميائية وبيولوجية، ما يجعل فرضية أن هذه الشحنة كانت ذاهبة إلى الإرهابيين في سوريا، وهناك من يقول إنها كانت ستتوجه إلى تنظيم "داعش"، خاصةً أن فرضيات القنبلة الإرهابية القذرة قائمة ومحكيّ عنها في قرارات مجلس الأمن الدولي، كل ذلك يبقى فرضيات إلى أن تتكشف الحقائق من خلال تحقيق شفاف ونزيه.

 

الارهاب

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات