يوميات عدوان نيسان 1996

آراء وتحليلات

ما هي أبعاد التقارب الاماراتي الأخير من ايران؟
01/08/2019

ما هي أبعاد التقارب الاماراتي الأخير من ايران؟

شارل ابي نادر
 
كان لافتًا الاجتماع الذي حصل في طهران بين مسؤولي خفر سواحل كل من دولة الامارات العربية المتحدة والجمهورية الاسلامية في ايران، وذلك بعد تجميد لتلك الاجتماعات الدورية منذ 6 سنوات. هذه الاجتماعات هي معنية أصلاً بتنسيق وتفعيل التعاون الحدودي وبتسهيل الاتصالات البحرية بين الدولتين، وكانت غائبة بالكامل بين الجارتين في المرحلة الأخيرة. وتزامنًا مع ارتفاع مستوى التوتر بشكل غير مسبوق، لدرجة كانت فيها وما زالت احتمالات المواجهة العسكرية في الخليج قائمة وبقوة، جاء التواصل الاخير بين الدولتين ليفتح ثغرة في جدار التشنج والاستنفار الحساس في المحيط، فكيف يمكن تفسير هذا التقارب الاماراتي نحو ايران؟ وماذا يمكن أن يحمل من ابعاد استراتيجية وسياسية وعسكرية؟

بداية، يعتبر وضعًا إستثنائيًا أن تتفرد الامارات بتوجهاتها نحو ايران بمعزل عن حلفائها الاقليميين وعلى رأسهم السعودية، أو الدوليين وعلى رأسهم الولايات المتحدة الاميريكة. وفي الوقت الذي تجهد فيه واشنطن لحشد قوة بحرية دولية - اقليمية، بهدف تأمين أمن الملاحة في الخليج حسب اجندتها الخاصة، مستهدفة ايران ووحداتها العسكرية وتحركاتها البحرية في مضيق هرمز وعلى تخوم مياهها الاقليمية، تقوم دولة الامارات وفي هذا الوقت بالذات، بعقد اجتماع مشترك مع ايران لخفر سواحلهما، والذين من مهامهم الأساسية التنسيق الأمني في المنطقة الحدودية المشتركة من المياه الاقليمية لكل من الدولتين، والتي هي عمليًا تشكل مع المياه الاقليمية لدولة سلطنة عمان، المسار البحري الكامل لمضيق هرمز ومداخله الشرقية والغربية، وهو حاليًا موضوع التصويب الاميركي على ايران.

يعتبر وضعًا إستثنائيًا أن تتفرد الامارات بتوجهاتها نحو ايران بمعزل عن حلفائها الاقليميين

هذا التواصل الأمني بين الامارات وايران، كان قد سبقه مسارٌ اماراتي مُتميِّزٌ عن محيطه، اعتَمَدت فيه ابو ظبي سياسةً غير صدامية تجاه ايران، وخالية من الاتهامات التي ساقتها عدة دول اقليمية وغربية لطهران، عن مسؤوليتها في سلسلة من الحوادث الامنية والعسكرية الحساسة في خليج عمان وعلى المداخل الشرقية لمضيق هرمز، من تفجيرات لبعض السفن التجارية في مياه الامارات الاقليمية قبالة ميناء الفجيرة، الى اتهامها باستهداف عدة ناقلات نفط في المنطقة البحرية الشرقية لمضيق هرمز مباشرة، قبالة السواحل الايرانية.

النقطة المفصلية التي حركت الحذرالاماراتي تجاه تفعيل التواصل مع ايران ، جاءت بعد إسقاط الدفاعات الجوية الايرانية لطائرة مسيرة اميريكية، كانت قد انطلقت من قاعدة الظفرة في الامارات، الأمر الذي نتج عنه استدعاء السلطات الايرانية للقائم بالاعمال الاماراتي في طهران، وتحميله رسالة ديبلوماسية لحكومته، تقضي بالطلب الجدي والحاسم للعمل على تخفيف التوتر ومنع استعمال الاراضي الاماراتية للتعدي على السيادة الايرانية.

هذا التحرك الاماراتي نحو طهران، والمناقض كما ذُكر أعلاه، لأغلب مسار التصويب الاقليمي والغربي على ايران، يمكن تفسيره بفهم المسؤولين الاماراتيين لجدية التحذير الايراني، المُستنِد على قرار ثابت بمواجهة من يستهدف السيادة الايرانية، والمبني على قدرة عسكرية واضحة فرضت نفسها في عدة مناسبات، وآخرها كان احتجاز حرس الثورة الايرانية لناقلة نفط بريطانية في هرمز، بطريقة عنيفة ورغمًا عن مدمرة بريطانية كانت تواكب انتقال ناقلة النفط.

 من جهة أخرى، وحيث ستكون مُعَرَّضة حتمًا عند أية مواجهة واسعة أو محدودة، خاصة أنها تحضن عدة قواعد أميركية من التي ستكون رأس حربة الاعتداء على ايران في أي اشتباك مرتقب، تُعتبر الامارات نقطة الضعف الأكثر هشاشة في جبهة حلفاء الولايات المتحدة الاميركية في المنطقة، عسكريًا حيث قدراتها جد متواضعة مقارنة مع قدرات الدول الأخرى وخاصة ايران، واجتماعيًا واقتصاديًا حيث استقراراها يقوم على قطاع الاعمال والتجارة الذي تديره أغلبية أجنبية، لن تكون معنية بالبقاء في دائرة الخطر عند أي حرب في المنطقة، وجغرافيا حيث العمق الضعيف والذي لا يحمل أية امكانية للمناورة العسكرية والميدانية عند أية معركة جوية أو صاروخية.

هذا لناحية موقف الامارات في الصراع الاستراتيجي في الخليج، والذي تقوده واشنطن ضد ايران، أما لناحية الموقف الاماراتي من تحالف العدوان على اليمن، والتي ساهمت فيها ابو ظبي بداية كعضو اساسي في هذا التحالف، يبدو أن الأخيرة فهمت ايضًا، ومن خلال ما يمكن استنتاجه من مسار تطور معركة الجيش واللجان الشعبية اليمنية، البرية والصاروخية والجوية، وما يحصل من استهداف فعال للمواقع والمطارات السعودية، أن مصلحتها تقضي بإبعاد نفسها عن اتون هذا الصراع، والذي تعتبره ايضاً، بطريقة أو بأخرى، مرتبطاً بالمواجهة ضد ايران.

مع كل هذه الاسباب والمعطيات العسكرية والاستراتيجية، والتي تدفع الامارات الى أن تتميز عن حلفائها التقليديين في موقفها تجاه ايران، يبقى السؤال الذي يفرض نفسه: هل تستطيع الامارات أن تثبت على توجهاتها وتمضي فيها حتى النهاية لناحية توسيع وتفعيل التنسيق الأمني الحدودي مع ايران، فتكون بذلك قد اعترفت للاخيرة - وبشكل مناقض لنظرة الاميركيين وحلفائهم - بسلطة وبصلاحية طهران، بالاشتراك طبعا مع دول الخليج وخاصة المحيطة بمضيق هرمز ، بتأمين وادارة امن مضيق هرمز، وتكون ايضا قد ساهمت بدفن مشروع تشكيل القوة الغربية البحرية لحماية المضيق ؟؟ ام انها تناور حاليا وبتوجيه اميركي، لاضاعة الوقت وتشتيت جهود وتركيز الجمهورية الاسلامية الايرانية، تحضيرًا لاعتداء اميركي - اسرائيلي مرتقب على الاخيرة ؟؟

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات