يوميات عدوان نيسان 1996

آراء وتحليلات

أميركا لا تحارب.. ولكن تخلط الأوراق وتخلق الأزمات
22/05/2019

أميركا لا تحارب.. ولكن تخلط الأوراق وتخلق الأزمات

بغداد ـ عادل الجبوري
بينما يستبعد مسؤولون ايرانيون واميركيون كبار نشوب حرب عسكرية مسلحة بين طهران وواشنطن، تتحرك ادارة الرئيس الاميركي دونالد ترامب، وكأن الحرب ستندلع بعد بضع ساعات أو بعد أيام قلائل.

ومساحات وميادين التحرك الاميركي بأوجهه المختلفة، اتسعت وامتدت هذه المرة أكثر من أي وقت مضى، واتخذت اشكالا ومظاهر وأساليب وادوات مختلفة، لتجعل المنطقة ـ ومن ضمنها العراق ـ تقف على كف عفريت، وتترقب بحذر شديد وقلق كبير ما يمكن ان يجلبه المستقبل القريب من وقائع وأحداث كارثية.

معادلة ترامب، الذي يفكر بعقلية التاجر، تقوم على أساس تفادي الدخول بالحرب الى أبعد الحدود، في ذات الوقت، العمل على جني اكبر قدر من الارباح والمكاسب المادية من اشباحها. وهذه الارباح والمكاسب، تتمثل في جانب منها بإضعاف ومحاصرة ايران وحلفائها واصدقائها، سواء كانوا دولا او منظمات، ورفع مستوى ونطاق الوجود العسكري الاميركي في المنطقة، وبالتالي زيادة النفوذ والهيمنة، واحتلاب اقصى ما يمكن احتلابه من ثروات وموارد دول المنطقة.

ولأن واشنطن، ترى ان العراق يمثل البوابة الرئيسية، وقطب الرحى، لارباك طهران وتشديد الضغط عليها، من خلال الوجود المباشر فيه بشتى الوسائل والاساليب والادوات، ومن خلال توسيع دائرة الاتباع والمناصرين لسياساتها وتوجهاتها، في مقابل الاستمرار ببذل كل الجهود الممكنة لاضعاف وتهميش اصدقاء وحلفاء ايران في العراق، بل وحتى المتعاطفين معها، فإنه من الطبيعي جدا ان تحرص على ان تتحكم بكل اوراقه وتمسك بكافة خيوطه.

وفي هذا السياق، يمكن الإشارة الى جملة حقائق ومعطيات، تنطوي على قدر غير قليل من الخطورة، لانها قد تفضي الى خلط الاوراق واعادة الامور الى الوراء.

حقائق ومعطيات

ـ إعادة شركة "بلاك ووتر" الامنية السيئة الصيت الى العراق، فهناك تسريبات تتحدث عن وصول عدد من عناصر الشركة الى قاعدة عين الاسد الجوية في محافظة الانبار، تمهيدا لشروع الشركة بأداء مهام معينة على ضوء مقتضيات الظروف والمستجدات، وكذلك تحدثت مصادر اعلامية اميركية في وقت سابق عن قيام الشركة بإنشاء فرع لها في مدينة دبي الاماراتية، أطلق عليه اسم "فرونتير لوجيستكس للاستشارات"، وتم تسجيله كشركة أجنبية مع وزارة التجارة العراقية، وفتحت الشركة الجديدة ـ القديمة مقرا لها في محافظة البصرة جنوب العراق.

حصل ذلك في شهر شباط/ فبراير من عام 2018، وقد كان رد فعل النائبة الديمقراطية في مجلس النواب الاميركي جان شاكوفسكي، قويا، حين وصفت عودة شركة بلاك ووتر الى العراق باسم اخر بأنها "مثيرة للقلق"، مؤكدة انه، "يجب أن يصدر جرس إنذار للحكومة العراقية التي طردت بلاك ووتر من العراق بسبب سلوكها الدموي".

ـ واستكمالا للنقطة الانفة الذكر، بدأت واشنطن تتحرك مجددا على بعض الاوساط العشائرية في محافظة الانبار ومحافظات اخرى، وتقديم العروض والمغريات المادية لهم، وتشجيعهم على تأليف تشكيلات مسلحة، بصورة تشبه الى حد كبير تجربة تشكيل مجالس الصحوات من قبل الجنرال ديفيد بترايوس في عام 2008، بحجة مواجهة تنظيم القاعدة الارهابي في ذلك الوقت.

ونقلت اوساط اعلامية عن مسؤولين محليين في الانبار تأكيدهم حصول لقاءات بين مسؤولين اميركان وشيوخ عشائر مؤثرين في قادة عين الاسد بالمحافظة، بغرض تسليح العشائر.

ويشير المسؤولون المحليين في تصريحات لهم الى "ان أغلب العشائر ترحّب بهذا الأمر، فيما بعضها يخشى من احتمال زجّها في مواجهة مع الفصائل المسلحة الموالية لإيران".

ـ وما ان صادق مجلس الشيوخ قبل ايام قلائل على تعيينه سفيرا في العراق، اطلق ماثيو تيولر، قنبلة اعلامية بقوله "ان العراق على مقربة من ان يصبح حطب الحرب بين اميركا وإيران، وينبغي حمايته من التدخلات الخارجية، ومن تهديدات إيران".
ـ وقبل ذلك اوعزت الولايات المتحدة الاميركية الى موظفيها "غير الاساسيين" بمغادرة السفارة في بغداد وترك العراق، بسبب ما وصفته بـ"تهديد وشيك مصدره فصائل عراقية مسلحة مرتبطة بإيران".

ـ ومن ثم مسارعة شركة "اكسون موبيل" النفطية الاميركية العاملة في حقل القرنة بمحافظة البصرة الى سحب موظفيها واجلائهم الى الامارات، وقد وصف وزير النفط العراقي ثامر الغضبان هذه الخطوة، بأنها تنطوي على أبعاد سياسية، بسبب عدم وجود مبررات كافية ومقنعة لاتخاذها.

ـ الى جانب ما سبق، وحتى تكتمل الصورة بكل ابعادها، من المهم الاشارة الى نبرة التصعيد والتهويل في الاونة الاخيرة، لدى جهات وشخصيات سياسية ووسائل اعلام عراقية، تدور في فلك التبعية للمحور الاميركي، والعداء لايران.

هذا، وربما غيره، على الصعيد العراقي، اما في الدائرة الاقليمية، فإن طبيعة الحراك لا تختلف من حيث المسارات العامة.

فالسعودية ودول خليجية اخرى من بينها الامارات العربية المتحدة، اعلنت موافقتها ـ بل دعوتها ـ الى اعادة انتشار القوات الاميركية في منطقة الخليج، ارتباطا بأجواء التصعيد الاميركي ضد ايران.

ومن ثم دعوة الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز قادة وزعماء الدول العربية والخليجية الى قمتين طارئتين ـ عربية وخليجية ـ نهاية الشهر الجاري، لبحث تداعيات العمليات التي استهدفت منشآت ومواقع حيوية اماراتية وسعودية، ناهيك عن التوتر المتزايد بين واشنطن وطهران.

إلى جانب ذلك، بادرت دول خليجية ـ كالبحرين ـ إلى توجيه تحذيرات مشددة لمواطنيها من مخاطر السفر الى كل من العراق وايران، ناهيك عن معلومات تتحدث عن نية بعض الدول الخليجية، الضغط على الشركات التي تحمل جنسيتها لتقليص اعمالها ووجدها في العراق خلال المرحلة الراهنة تحسبا لاسوأ الاحتمالات.

وأكثر من ذلك كله، هناك خطوط الاتصال الساخنة بين أكثر من عاصمة عربية  من جهة، وتل ابيب من جهة اخرى، وهو ما يعني ان الاخيرة في بؤرة الازمة والتصعيد، لكن من خلف الكواليس وبعيدا عن واجهة المسرح، ومن يدري، ربما تترك الكواليس وتتصدر المسرح في  وقت لاحق، لاسيما انه اذا لم يكن لديها سفارات في بعض العواصم العربية، فإنها تمتلك ما هو اهم وأخطر من السفارات والسفراء والدبلوماسيين فيها.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات