طوفان الأقصى

آراء وتحليلات

مستقبل المقاومة في "عصر القوّة"
19/01/2024

مستقبل المقاومة في "عصر القوّة"

إيهاب شوقي

من ثنايا تصريحات وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن على هامش منتدى دافوس الاقتصادي، تتضح الرؤية الأميركية للمنطقة. وربما لخصها تصريح للوزير بلينكن يقول: "أنتم الآن في وضع تُبدي فيه دول عربية مجددًا الاستعداد للقيام بأمور فيما يتعلق بعلاقتها مع "إسرائيل"، لم تكن مستعدة للقيام بها من قبل. وهذا يفتح باب مستقبل أكثر أمنًا".

وملخص هذا الموقف هو أن الرؤية الأميركية لا تستطيع مغادرة مشروع الشرق الأوسط الجديد والذي أوضحه شيمون بيريز جيّدًا بخلاصة تقول إن الرخاء والسلام مرتبطان بالتطبيع الاقليمي ودمج الكيان الصهيوني بالمنطقة على أنقاض أي نوع من المقاومة.

والمفارقة أن أميركا لا تزال تتحدث عن طموحها بإقامة دولة فلسطينية، بينما رفع بنيامين نتنياهو خريطة للشرق الأوسط الجديد في خطابه بالجمعية العامة للأمم المتحدة العام الماضي، وكانت مكسوة باللون الأخضر لتوضيح الدول العربية التي تطبّع مع "اسرائيل" وخالية من أي دولة فلسطينية.

باختصار شديد، فإن "السلام" الأميركي هو دمج "اسرائيل" بالمنطقة والقضاء على من يهدّد هذا "السلام" المزعوم عبر المقاومة، أو تعكير صفو الرخاء بمطالبات بأي حقوق فلسطينية، وخلق أمر واقع جديد تقود به "اسرائيل" المنطقة بالتعاون مع السعودية والامارات ومصر والسودان والبحرين وغيرها. أي تحقيق أمن "إسرائيل"، وهو أحد شرطين أساسيين للشرعية الأميركية لأنظمة المنطقة وفقًا لما تم تواتره وهما اقتصاد السوق الحر وأمن "اسرائيل".

وبالتالي، نحن أمام معادلة صفرية بين قوى المقاومة التي لا تعترف بالكيان وتسعى لتحرير فلسطين وأي أرض عربية محتلة وترفض الانصياع للهيمنة، وبين أميركا والكيان والغرب الاستعماري وذيولهم بالمنطقة من القوى والأنظمة التي ترى "اسرائيل" أمرًا واقعًا وقدرًا فرضته الآلة الأميركية ولا مفر من التعاطي معه سواء بالخضوع أو المداراة والنفاق خوفًا من غضب الأميركي.

ورغم أن المقاومة ومحورها أثبتا طيلة السنوات الماضية أن الكيان أوهن من بيت العنكبوت وأن المقاومة والوقوف في وجه الأميركي يجبرانه على الانسحاب وأن طوفان الأقصى شكل مصداقًا لاهتراء العدوّ وغياب الشرعية الدولية التي يراهن عليها المنبطحون، إلا أنه لا تزال هناك محاولات للكذب والرهان على "السلام" و"حل الدولتين"، ولا تزال هناك يد مرفوعة للتطبيع، وكل ما تطلبه فقط رفع الحرج عنها بوقف العدوان أو تخفيفه ورفع لافتة "الدولتين" ولو بشكل مخادع لاستئناف هذا التطبيع!

هذه المعادلة الصفرية يجب أن توضع في سياق الحقبة الراهنة وقوانينها، لأن التاريخ مجموعة من الحقب تتميّز كلّ منها بسمات وقوانين.

فبينما هناك حقب فيها توازنات دولية تفرض التسويات ويمكنها احتواء المواجهات الكبرى والوصول لهدن طويلة الأمد، فإن هناك حقبًا أخرى تتميّز بالوصول لعقدة استراتيجية ويحكمها قانون القوّة وحتمية فرض الإرادة عبر المواجهة، وهو ما نراه حاليًا على المستوى الدولي منذ الحرب في أوكرانيا ومنذ طوفان الأقصى وتداعياته والطريقة التي تعاطى المجتمع الدولي ومؤسساته بها مع القضية والتي كان ولا يزال مفادها ترك الفرصة للكيان الصهيوني لتثبيت وجوده بالقوّة الغاشمة دون قيود.

ومع فطنة المقاومة لهذه القوانين فإنها تحركت منذ اليوم الأول وأعلنت جهوزيتها للمواجهة وتدخلت فعليًّا بمستويات متناسبة مع الجبهة الرئيسية في غزّة ومسارها ومتناسبة مع كلّ جبهة وظروفها لتقول كلمة حازمة وهي: لا عودة للوراء بالمعادلات ولا فرض للأمر الواقع بالقوّة.

وتأكد هذا الحزم عبر الإصرار على خيار المقاومة وعدم الخضوع للتهديدات ومقابلة كلّ رسالة أميركية بالتهديد بردود عملية في الميدان.

واليوم فإن الوضع الراهن على الجبهات يقول الآتي:

1 - الجبهة اللبنانية تشهد صمودًا من حزب الله واصرارًا على وقف العدوان في غزّة وتصعيدًا نوعيًا وناريًا يعلن جهوزية للوصول لأقصى المراحل دون ضوابط وحدود.
2 - الجبهة اليمنية تعلن تحديًا لأميركا وارتياحًا لمواجهتها المباشرة مع الأصيل بدلًا من الوكلاء وجهوزية تامة للوصول لأقصى المراحل ومع جميع من يعتدي على اليمن.
3 - الجبهة العراقية تعلن استنفارًا ومواجهة حتّى طرد المحتلّ الأميركي واسنادًا لغزّة باستهداف الكيان وعمقه.
4 - ومؤخرًا دخل الحرس الثوري الإيراني ليرد الاعتداءات ويثأر لشهداء كرمان ويعلن أن إيران دولة وثورة وان كانت تعمل بالسياسة ولها ضوابطها وتحرص على التهدئة والاحتواء ولملمة الأمور، إلا أن وجهها الثوري لا يسمح بالتجاوز ولا بانتهاك الخطوط الحمر.

والخلاصة أن مشهد المواجهة الكبرى ارتسمت ملامحه واستعد لاعبوه في كامل محور المقاومة، وأعلنوا جهوزية تامة للتعاطي مع حقبة تتميّز بأنها عصر القوّة وفرض المعادلات ميدانيًا، والكرة في الملعب الأميركي، فإن أراد للمواجهة الكبرى أن تكون حكمًا لملامح هذه الحقبة فقد استعدت المقاومة وأوصلت رسائل جهوزيتها بعد أن أقامت الحجة وأوضحت أن المقاومين طلاب حقوق وليسوا طلاب حرب وأننا وإن كنا لا نريد حربًا فإننا لا نخشاها.
 

فلسطين المحتلةالكيان الصهيونيمحور المقاومةالمقاومة

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

التغطية الإخبارية



 

مقالات مرتبطة
في يومه الـ206.. العدوان على غزة يحصد مزيدًا من الشهداء والجرحى
في يومه الـ206.. العدوان على غزة يحصد مزيدًا من الشهداء والجرحى
شاهد.. من أنفاق اليمن تحت الجبال إلى أهل فلسطين: لستم وحدكم
شاهد.. من أنفاق اليمن تحت الجبال إلى أهل فلسطين: لستم وحدكم
حاخام قيادة المنطقة الشمالية: منذ 1948 لم يمر علينا عيد فصح كهذا
حاخام قيادة المنطقة الشمالية: منذ 1948 لم يمر علينا عيد فصح كهذا
"إذلال البحرية الأميركية".. "الفتح الموعود" ترسّخ تحوّلات جيواستراتيجية وفق معادلات يمنية
"إذلال البحرية الأميركية".. "الفتح الموعود" ترسّخ تحوّلات جيواستراتيجية وفق معادلات يمنية
بيرم مترأسًا جلسات مؤتمر العمل في بغداد: نصرنا غزة بالدماء والأرواح
بيرم مترأسًا جلسات مؤتمر العمل في بغداد: نصرنا غزة بالدماء والأرواح
طهران: ما يحدث في جامعات أميركا يعكس صحوة المجتمع الدولي حيال القضية الفلسطينية
طهران: ما يحدث في جامعات أميركا يعكس صحوة المجتمع الدولي حيال القضية الفلسطينية
موقع "كالكاليست": على المنظّمات اليهودية في أميركا بدء القتال
موقع "كالكاليست": على المنظّمات اليهودية في أميركا بدء القتال
مستشار سابق لنتنياهو: لاستكمال المهمّة في غزّة والتوصل إلى حلّ مؤقت في الشمال
مستشار سابق لنتنياهو: لاستكمال المهمّة في غزّة والتوصل إلى حلّ مؤقت في الشمال
صحيفة فرنسية: باريس تخفّض إلى أدنى حد صادرات أسلحتها إلى "إسرائيل"
صحيفة فرنسية: باريس تخفّض إلى أدنى حد صادرات أسلحتها إلى "إسرائيل"
نيسان 1985.. اندحار العدوّ عن صور
نيسان 1985.. اندحار العدوّ عن صور
الموسوي: العدو فشل استراتيجيًا وجلّ ما يفعله المزيد من الفشل والتخبط والضياع والخسران
الموسوي: العدو فشل استراتيجيًا وجلّ ما يفعله المزيد من الفشل والتخبط والضياع والخسران
عز الدين: ما كان يشكل حلمًا بات اليوم واقعًا لناحية تحرير فلسطين
عز الدين: ما كان يشكل حلمًا بات اليوم واقعًا لناحية تحرير فلسطين
عملية الوعد الصادق وآفاق المواجهة
عملية الوعد الصادق وآفاق المواجهة
أردوغان والمهمّة الأميركية الجديدة
أردوغان والمهمّة الأميركية الجديدة
نتنياهو وخيارات الانتحار الصعبة
نتنياهو وخيارات الانتحار الصعبة
من الحلم بـ "جبهة" عريضة إلى بيان ضدّ المقاومة: "لقاء معراب" بحثًا عن تعظيم الحضور
من الحلم بـ "جبهة" عريضة إلى بيان ضدّ المقاومة: "لقاء معراب" بحثًا عن تعظيم الحضور
الشيخ ملص عن لقاء معراب: لن ينتقصَ كيدهم من عظمة الإنتصار
الشيخ ملص عن لقاء معراب: لن ينتقصَ كيدهم من عظمة الإنتصار
الشيخ الخطيب: نحن أبناء هذه الأرض وسندافع عنها بأظافرنا وأسناننا
الشيخ الخطيب: نحن أبناء هذه الأرض وسندافع عنها بأظافرنا وأسناننا

خبر عاجل