طوفان الأقصى

آراء وتحليلات

11 أيلول الليبي.. عن السدود المهترئة وسياسات القذافي وحروب الناتو
23/09/2023

11 أيلول الليبي.. عن السدود المهترئة وسياسات القذافي وحروب الناتو

د. علي دربج ــ أستاذ وباحث جامعي

حتى اللحظة، لا تزال شعوب العالم تعيش تحت هول صدمة ما حلّ بليبيا، بعدما أدت الأمطار الغزيرة الناجمة عن عاصفة كبيرة في البحر الأبيض المتوسط (دانيال)، إلى انهيار سلسلة من السدود بالقرب من مدينة درنة الساحلية، فيما جرفت الفيضانات المفاجئة والساحقة التي أعقبت ذلك، أحياء بأكملها حيث ابتلعها البحر، ما أدى إلى مقتل وفقدان وتشريد ونزوح عشرات الالاف من السكان، الى الحدّ ان الليبيين يشبهون هذه الكارثة بأحداث 11 أيلول/ سبتمبر في بلادهم التي مزقتها الحرب.

وللوهلة الاولى، يظن البعض، ان هذه النكبة سببها الطبيعة الغاضبة وتغيرات المناخ الناجمة عبث الإنسان به وارتكباته الجائرة، لكن بالنسبة الى المواطنين الليبين المفجوعين، هناك الكثير من الكلام الذي يجب ان يقال، خصوصا، وان حجم الخسارة في ليبيا سياسي بطبيعته، ويرتبط بفشل الحكومة الحالية المنقسمة والفاسدة ــــ المدعومة اطلسيا وتركيًا وعربيًا ـــ والمسؤولة جزئيا عما حصل، فضلا عن المرحلة الاستبدادية في العقد الماضي خلال مرحلة حكم القذافي، وما تلاها من بناء دولة اللامركزية الفاشلة.

ما مسؤولية الحكومة الحالية عن انهيار السدود؟ وهل كان بالامكان تفادي هذه الكارثة؟ 

في الحقيقة، على عكس الزلزال الذي ضرب المغرب مؤخرا، يمكن التنبؤ بالعواصف. كانت هناك ثلاثة أيام من الإشعار المسبق الذي كان بإمكان القادة الليبيين خلاله إصدار أوامر بإخلاء المدن والاستعداد لطواقم الإنقاذ.. لكن احدا لم يتحرك لتدارك الفاجعة.

ويؤكد الليبيون أن غضب السماء كان يقابله عدم كفاءة أولئك الذين يتخذون القرار على الأرض. فليبيا الغنية بالنفط ــ التي تعاني من أزمات منذ أكثر من عقد من الزمان منذ الإطاحة بالديكتاتور وقتله ــ مقسّمة بين حكومتين متوازيتين وضعيفتين، في غرب البلاد والثانية في شرقها.
 
وبالتالي فإن التقلبات التي شهدتها السنوات الأخيرة، تعني أن الأنظمة المنفصلة في البلاد ومسؤوليها الضعفاء الفاسدون خصوصا حكومة خليفة حفتر ــــ  الرجل العسكري القوي الذي يدير شرق ليبيا ـــ قد تركت البنية التحتية الحيوية في حالة من الإهمال، بما في ذلك سدّين كبيرين بنتهما قبل نصف قرن شركة يوغوسلافية، وهما يقعان في وادي النهر الضيق فوق درنة. 

الطامة الكبرى ان هياكل هذين السدّين، كانت في حالة متردية ومزرية وحالتهما متدهورة جدا، لدرجة أن الخبراء حذروا العام الماضي من أن السدود قد تنهار، إذا واجهت فيضانات هائلة.

والاكثر اهمية، ان الخبراء يشيرون إلى أن أول السدين المنهارين، والذي تم الانتهاء منه في عام 1977، لم تتم صيانته في السنوات الأخيرة.

علاوة على ذلك، قد يكون أحد أسباب انهيار جزء كبير من قلب درنة هو أيضًا نهب الجيش الوطني الليبي للبنية التحتية العامة للخردة المعدنية وغيرها من مصادر الإيرادات المحتملة، كما هو مفصل في تقرير "المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية" الصادر العام 2019، وقد يساعد ذلك في تفسير حجم الانهيار الذي لا يصدق.

وتعقيبا على ذلك قالت "ماري فيتزجيرالد"، خبيرة ليبيا في معهد الشرق الأوسط: "بين عامي 2011 و2014، كانت هناك بالفعل مخاوف بشأن حالة البنية التحتية الليبية. ثم مرت ليبيا بحرب أهلية استمرت ست سنوات من عام 2014 إلى عام 2020 وتضررت الكثير من البنية التحتية خلال ذلك الصراع. وفي السنوات الثلاث التي تلت ذلك، أصبح لدينا موقف حكومة متنافسة، الأمر الذي أدى مرة أخرى إلى تعقيد الديناميكيات السياسية". واوضحت ان النخب السياسية، سواء في طرابلس أو شرق ليبيا، لم تعطي الأولوية لتحديات البنية التحتية الضخمة التي تواجهها ليبيا". وتعبا لذلك، مهدت الفصائل المتناحرة ونظام الحكم المنقسم في ليبيا الأساس للدمار الذي أعقب ذلك. 

وما حقيقة مأساة درنة ومسؤولية القذافي؟

في الواقع، إن مشاكل البنية التحتية الليبية ترجع إلى ما قبل عام 2011. فقد عمد الديكتاتور القذافي، الذي حكم من عام 1969 حتى موته، إلى تطبيق اللامركزية في الدولة الليبية لمنع الانقلابات، ووزع الوزارات على مختلف زعماء القبائل دون تنسيق أوسع. من هنا، لم تكن ليبيا قبل الإطاحة به، تشبه أي شيء يمكن أن يعترف به معظم المحللين كدولة، وكان ذلك عن قصد. لذا، فإن قسماً كبيراً من المأساة الحالية ينبع من نموذج القذافي.

اكثر من ذلك، لاحظت "ليزا أندرسون"، أستاذة العلوم السياسية في جامعة كولومبيا، أن القذافي، وخلال العقود الأربعة التي قضاها في السلطة، أكد على مشاريع البنية التحتية الضخمة في حين منع الخبرة التكنوقراطية في البلاد. وتابعت إن عدد الوفيات الناجمة عن الكوارث الطبيعية مثل العواصف يعتمد على قوتها، ولكن الأمر الأكثر أهمية هو مدى استعداد الدولة عند وقوع أحداث متطرفة. وليبيا لم تكن مستعدة. وإذ رأت اندرسون أن "الكثير من الكوارث ليست طبيعية". اشارت الى ان "هذه العاصفة في شرق البحر الأبيض المتوسط، ضربت اليونان أيضًا، ولقي ستة أشخاص حتفهم".

ووفقاً لأندرسون، فإن كل عائدات النفط (1.2 مليون برميل يوميا) تذهب إلى حد كبير إلى حسابات البنوك السويسرية ومشتريات الأسلحة، وليس لضمان حكم البلاد. لذا كان انهيار السلطة المركزية أمرًا لا مفر منه في بلد وصفته أندرسون بأنه "صومال النفط".

ماذا عن الدور الأطلسي والخليجي والتركي؟  

عمليا، لم يكن الخارج بمنأى عن الكارثة الليبية. فالوضع الراهن غير المستقر في ليبيا، هو أيضاً نتيجة لتدخل الجهات الفاعلة الخارجية خصوصا حلف الناتو وحلفائهم الأتراك الإماراتيين والقطريين، إضافة الى الدعم الامريكي الخفي لرجالاتها السابقون كحفتر.

وانطلاقا من هذه النقطة، ساهم إرث "الخريف العربي" عام 2011 ، وقصف الناتو للبلاد الذي أعقب ذلك، والحرب الأهلية المستمرة في تفاقهم وتردي الاوضاع وتحويل ليبيا الى دولة جهمورية موز. إذ قُتل ما يصل إلى 3400 مدني في تدخل الناتو، وفقًا لمنظمة Airwars الرقابية، وفي العقد الذي تلا ذلك، شنت الولايات المتحدة أكثر من 550 غارة بطائرات بدون طيار. 

ليس هذا فحسب، مكّن شركاء الولايات المتحدة الإقليميون المقربون، كمصر والإمارات العربية المتحدة، حفتر (على الرغم من أن روسيا تدعمه أيضاً). 

بالمقابل يقوم حلفاء الولايات المتحدة الإقليميون الآخرون،( تركيا وقطر) بدعم حكومة الوفاق الوطني في النصف الغربي لليبيا.

من هنا، بالنسبة لكل من هذه البلدان، فإن المصير الفعلي لليبيين يبدو ثانويًا امام مصالحهم الخاصة. ولذلك، أدت كل هذه التدخلات إلى زيادة تعميق الصراع، و نزوح حوالي 1.4 مليون ليبي منذ اندلاعه. فضلا عن ذلك، فإن الوفيات الناجمة عن الحرب الأهلية التي تلت ذلك، وفقاً لمسؤول كبير في الأمم المتحدة، "لا تعد ولا تحصى".

وحتى اليوم لا يزال هناك مئات الآلاف من النازحين داخلياً. اما الحكومات الأوروبية، ومع تصاعد أزمة المهاجرين عام 2015، ركزت على أي حوافز يمكن ترتيبها لمنع قوارب المهاجرين من مغادرة ساحل ليبيا الطويل على البحر الأبيض المتوسط.

ما علاقة واشنطن بحفتر؟

إضافة الى الدول اعلاه، يقع جزء من المسؤولية في المأساة الليبية المتسمرة، على عاتق الولايات المتحدة التي تُعدّ طرفا خفيا في تأجيج الأوضاع في ليبيا، من خلال دعم قادة الحرب الفاسدين هناك، بذريعة التصدي للنفوذ الروسي. وفي هذا السياق، كان لافتا الحراكة الأمريكي في هذا البلد.

فهذا العام، التقى مدير وكالة المخابرات المركزية بيل بيرنز مع الحكومة التي تتخذ من طرابلس مقراً لها، إضافة الى اجتماعه بحفتر في بنغازي. كذلك زارت باربرا ليف، كبيرة دبلوماسيي وزارة الخارجية لشؤون الشرق الأوسط، كلا المنطقتين، وقد غردت السفارة الأمريكية (بعد جولة ليف هناك) باللغة العربية بأنها أعربت عن قلقها بشأن تخريب مجموعة فاغنر لليبيا وجيرانها. زد على ذلك ان واشنطن تقول إنها تدعم مبادرة الأمم المتحدة الرامية إلى إقناع جميع الأطراف بالموافقة على إجراء انتخابات بحلول نهاية العام.

لكن الفضيحة الكبرى ان الادارة الامريكية تتجاهل وتتغاضى عن سلوك حفتر السيئ؟ وهذا يعود الى كونه كان يعمل سابقًا لدى وكالة المخابرات المركزية. والمفارقة ان محكمة امريكية في فرجينيا، وجدته في العام الماضي، مسؤولاً عن جرائم حرب، بما في ذلك التعذيب والقتل خارج نطاق القضاء.

في المحصّلة، الجميع ارسل مساعداتهم الإنسانية إلى الميليشيات والحكومة التي يعرفونها، وإلى الرجل القوي الذي يدعمونه بالفعل. لذا فإن ذلك سيؤدي إلى تفاقم المشاكل الأساسية بدلاً من تخفيفها، وهذا يبدو مرجحا في المستقبل لا سيما وان واشنطن عازفة عن إنهاء الصراع في هذا البلد، بالرغم من  هناك الكثير من الطرق التي يمكن للولايات المتحدة من خلالها وضع إبهامها على الميزان في السياسة الليبية، انطلاقا من دورها المؤثر على حلفائها العرب والأتراك العابثين في المسرح الليبي.

ليبيااميركادرنة

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

التغطية الإخبارية



 

مقالات مرتبطة