الدبابير الآسيوية تهدد بريطانيا من جديد

د.علي دربج - باحث وأستاذ جامعي

تتعرض بريطانيا هذه الايام الى غزو مختلف وخطير لا يرتبط بالانسان هذه المرة، بل بنوع معين من الحشرات التي سيهدد تكاثرها عمليات التلقيح للزراعات (النباتية والشجرية) على اختلاف أنواعها ومحاصيلها.

أما مصدر هذا الخطر، فهو الدبابير الآسيوية القاتلة التي أثارت الزيادات الكبيرة في مشاهدات المواطنين والخبراء لها في المملكة المتحدة قلقًا متناميًا، بسبب المخاوف من أن تقضي على مجموعات النحل المحلية. وتبعًا لذلك أبلغ المسؤولون البريطانيون هذا العام عما لا يقل عن 22 مشاهدة مؤكدة للدبابير الآسيوية، معظمها في جنوب إنكلترا.

وتعقيبًا على ذلك، وصفت ديان درينكووتر رئيسة جمعية مربي النحل البريطانيين الوضع بأنه "الأسوأ على الإطلاق هنا في المملكة المتحدة". من جهته أكد جون ستوسكوبف آشر، الأستاذ المساعد في قسم العلوم البيولوجية بجامعة سنغافورة الوطنية، أن هذا "مثير للقلق للغاية". وأضاف: "إذا تم رصد هذا العدد الكبير من الدبابير وأعشاشها، فلا بد أن يكون هناك عدد أكبر بكثير منها" معتبرًا أنه سيكون من الصعب في أحسن الأحوال تعقبها جميعًا.

ما هو موطن هذه الدبابير؟ وكيف وصلت الى بريطانيا؟

في الواقع، تعتبر منطقة جنوب آسيا الموطن الأصلي لهذه الدبابير، لكن مع ذلك استعمرت، أيضًا، شرق آسيا وأجزاء من أوروبا بما في ذلك فرنسا، حيث تم العثور عليها في عام 2004. ومن فرنسا، غزت الدبابير الآسيوية الدول المجاورة، بما في ذلك إسبانيا والبرتغال وبلجيكا وإيطاليا وألمانيا وهولندا ولوكسمبورغ وسويسرا، بحسب ما أفاد باحثون فرنسيون في دراسة أجريت عام 2022.

تتغذى الدبابير الآسيوية على النحل، مما يعطل تلقيح النباتات والمحاصيل. وهي تختلف عن الدبابير الآسيوية العملاقة، التي تدعى "فيسبا ماندرينيا" التي أثارت ضجة كبيرة عندما تم الإبلاغ عنها في الولايات المتحدة عام 2020.

ولهذا، أوضح الأستاذ آشر في رسالة نشرتها الصحافة الأمريكية أن النحل الأصلي في بريطانيا قد يواجه صعوبة في صدّ الدبابير الآسيوية أكثر من النحل في آسيا، لأن نحل العسل الآسيوي Apis cerana أبيس سيرانا "لديه دفاعات يفتقر إليها نحل العسل في المملكة المتحدة (وجميع نحل العسل الغربي Apis mellifera)، وهذا سببه المناخات المختلفة للمنطقة".
 
ما هو التهديد الذي تشكله الدبابير الآسيوية على مربي النحل في بريطانيا؟

عمليًا، أحدث الارتفاع في أعداد الدبابير الآسيوية في بريطانيا، توترًا بين مربي النحل المحليين. وانطلاقًا من ذلك، أشارت رئيسة جمعية مربي النحل البريطانيين إلى أن وجود الدبور الآسيوي في المملكة المتحدة، سيؤثر سلبًا على جدوى تربية النحل وصناعة العسل. وقالت إن ما يفاقم القلق المباشر هو أن الدبور الآسيوي يفترس بشكل انتهازي مجموعة من الحشرات البرية، وقد يكون الضرر الذي يلحق بمجتمعات الملقِّحات وخدمات التلقيح، واسع النطاق.

الأكثر أهمية هنا، أن الدبور الآسيوي، الذي تم إدخاله عن طريق الخطأ إلى فرنسا في عام 2004 أو قبل ذلك، أدى إلى قتل ما يصل إلى 80% من مستعمرات نحل العسل، وبمعدل 30% بشكل عام، في المناطق التي استقر فيها هذا النوع، وفقًا لباحثين فرنسيين وجمعية مربي النحل البريطانيين.
 علاوة على ذلك، شهد نحل العسل وغيره من الملقِّحات انخفاضًا بالفعل نتيجة مجموعة من الأحداث التي يسببها الإنسان، مثل تدمير الموائل والاستخدام الواسع النطاق للمبيدات الحشرية وتغير المناخ.

ماذا عن أرقام الخسائر التي تسببها الدبابير الآسيوية؟

أكد الباحثون أن "التكلفة الوطنية" للدبابير الآسيوية قد تصل إلى 30.8 مليون يورو، أو حوالي 34 مليون دولار، وهذا يعود إلى فقدان مستعمرات النحل. ويمثل هذا المبلغ حوالي 26.6 بالمائة من عائدات العسل.

وتبعًا لذلك، يحذر العلماء والباحثون من أن الآفات الغازية تتسبب في خسائر فادحة في المجتمع، إضافة الى أن التكلفة المالية للدبابير الآسيوية على البيئة وفقدان خدمات التلقيح الحيوية للنحل ستكون أعلى من حيث الحجم.

فنحل العسل يعمل - إلى جانب الفراشات والطيور والخفافيش - كملقِّحات للمحاصيل الأساسية للاستهلاك البشري مثل التفاح والموز والتوت والفراولة والبطيخ والخوخ والبطاطس والفانيليا واللوز والقهوة والشوكولاتة.

ليس هذا فحسب، إذ تعتمد حوالي 35% من المحاصيل الغذائية في العالم على الملقِّحات الحيوانية للتكاثر، وفقًا لوزارة الزراعة الأمريكية.

وبينما يمكن للدبابير الآسيوية أيضًا تلقيح الزهور، فقد وُجد أنها أقل جودة من الملقحات المحلية في إسبانيا، وهي دولة أخرى توطنت فيها هذه الأنواع، بحسب جولييت أوزبورن الأستاذة في جامعة إكستر في بريطانيا.

وبناء على تلك المخاطر، من المقرر أن تستضيف جمعية النحالين البريطانيين، بحسب رئيستها، هذا الأسبوع جلسات إحاطة خاصة حول الدبابير الآسيوية لمربي النحل المحليين، نظرًا  للأهمية الشديدة التي توليها الرابطة لمكافحة هذه الظاهرة، من خلال محاولتها بكافة الطرق منع هذه الدبابير من الدخول الى بريطانيا.

بريطانياالمجتمعالبيئة

إقرأ المزيد في: منوعات ومجتمع