ادعاءات القاضية عون مستمرة.. هكذا بدّدت "المصارف السبعة" أموال المودعين

فاطمة سلامة

يكاد لا يُشبه لبنان بلدًا حول العالم تتدخّل فيه السياسة بعمل القضاء. المادة 20 من الدستور اللبناني تكرّس "استقلال السلطة القضائية اللازمة لإحقاق الحق"، إلا أنّ مبدأ الاستقلال المذكور غير مطبّق. كُثر في هذا الوطن يُتهمون بالفساد وتبييض الأموال وسرقة المال العام و..و.. وهم معروفون بالأسماء والعناوين لكنّهم ممنوعون عن المحاسبة أو كما يُقال بالدارج فوق رأسهم "ريشة" وخيمة زرقاء. اتصالات أعلى الهرم السياسية كفيلة بمنع أي محاسبة. المفارقة أنّ المسألة لا تقف عند حدود المنع عن المحاكمة بل أبعد من ذلك، تذهب حد تخوين القضاء وتصويره كـ"ظالم" ومفتر. 

نموذج حاكم مصرف لبنان رياض سلامة شاهد في هذا الإطار. الرجل ورغم أنّه متورط ومدعى عليه داخليًا وخارجيًا وبدعاوى شتى، إلا أنّه يتحدّث بلغة من تعرّض للمظلومية. لا يُقيم سلامة وزنًا لكل الدعاوى. يمارس مهامه في سدة الحاكمية وكأنّ شيئًا لم يكن. "تمرُّد" رياض سلامة شكّل قدوة للمصارف، فسلامة الأب الروحي لهم. وعليه، يعتبر هؤلاء أنفسهم فوق القانون وفوق المحاسبة، كيف لا وكبيرهم والرأس المدبّر يسير على هذا المنوال؟!. وعليه، ترفض المصارف الامتثال للقانون رغم كل التجاوزات التي مارستها على مدى أكثر من ثلاث سنوات. لا بل وبكل ثقة تصدر بيانات تهدّد فيها وتتوعّد للادعاءات التي تساق بحقها، ولا تكف عن الابتزاز.  

وفي الوقت الذي تصوّر فيه المصارف نفسها على أنها "الضحية" وليست الجلاد، تمارس النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون مهامها لكشف وفضح تجاوزات المصارف الواسعة. لا تبدو عون مهتمة للكتاب الذي وجهه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الى وزير الداخلية والبلديات بسام المولوي والذي طلب فيه عدم تأمين المؤازرة أو تنفيذ أي إشارة او قرار يصدر عن القاضية عون في أي ملف، ما يعني بكل بساطة "كف يدها". وفق قناعات عون، فإنّ هذا القرار غير قانوني وهو تدخل سافر من السياسة باتجاه القضاء. 

سبعة مصارف متورطة بدعوى القروض 

مصادر على اطّلاع واسع على قصّة المصارف والدعاوى التي تُساق في حقها تؤكّد في حديث لموقع "العهد" الإخباري أنّ القاضية عون ورغم كل الضجة المثارة حول عملها لن تكل أو تمل وستتابع المسيرة. تتحدّث المصادر عن ارتكابات المصارف. ثمّة تواطؤ واضح وظاهر بين المصارف وحاكم مصرف لبنان سُلبت بموجبه أموال المودعين. الأخير وفي عز الأزمة المالية أي أواخر عام 2019 وبداية عام 2020 أقرض المصارف من أموال المودعين 9 مليارات دولار "فريش"، وكل تلك المليارات لم يُسترجع منها دولار واحد، جُل ما أرجعته المصارف قيود أي حبرًا على ورق. قسم كبير من هذه الأموال حوّلت الى الخارج، والقسم الآخر عمدت المصارف فيه الى تحسين أوضاعها، وفي ذلك مخاطرة كبيرة بأموال الناس. كل ذلك في الوقت الذي لم يستطع فيه مواطن تحويل مئة دولار من وديعته الى الخارج رغم الأسباب الوجيهة سواء للطبابة أو العلم. 

توضح المصادر أنّ سبعة مصارف متورطة بدعوى القروض هي: "الاعتماد اللبناني"، "البحر المتوسط"، "بيروت"، "الاعتماد المصرفي"، "سرادار"، "سوسيتيه جنرال" وبنك "عودة". المصرفان الأخيران جرى الادعاء عليهما مؤخرًا فبنك "سوسيتيه جنرال" -على سبيل المثال- ثبت أنه حول مليار دولار "فريش" من مصرف لبنان أي من أموال المودعين الى الخارج. وتشدّد المصادر على أنّ المصارف المتبقية سيتم الادعاء عليها أولًا بأول، مع الإشارة الى أنّ ثمّة معلومات -تقول المصادر- تُبيّن أن هناك نوايا لدى بعض هذه المصارف بالتعاون برفع السرية المصرفية كمصرفَي "سرادار" و"الاعتماد اللبناني". 

بعض مديري المصارف أقروا أنهم حولوا أموالًا الى الخارج

تلفت المصادر الى أنّ القاضية عون حاولت استجوب مديري المصارف السبعة قبل الادعاء عليهم، وقد جاء الادعاء بناء على اعترافات من بعض المديرين الذين أقروا أنهم حولوا أموالًا الى الخارج ورغم ذلك لا يريدون أن يتعاونوا برفع السرية لأنهم بكل بساطة يريدون سلب أموال المودعين. تمامًا كما أنّ الادعاء جاء بناء على إخبار وثمة شكوى مع اتخاذ صفة الادعاء الشخصي في هذا الخصوص. 

وتلفت المصادر الى أنّ المصارف لا تريد التعاون برفع السرية لأنها تريد تحميل المودع الخسارة بعد تبديد أمواله بالاتفاق مع الحاكم. يريدون تحميل "الفجوة المالية" للمواطن والدولة وهذا إجرام. الدلائل والمعطيات تكشف أنّ من أهم أسباب الفجوة المالية ما قام به رياض سلامة من هندسات مالية جفّفت أموال الاحتياطي من "الفريش دولار". وهنا تشدّد المصادر على أنّ قانون رفع السرية المصرفية -الذي أقر منذ فترة- يسهّل مهمة القضاء بكشف المتورطين، والقانون ينص على أن السرية مرفوعة حكمًا عن رؤساء وأعضاء مجالس إدارة المصارف والمؤسسات المالية كافة ومديريها التنفيذيين ومدققي حساباتها، الحاليين والسابقين، والموظف العمومي اذ يلزم القانون كل موظف بتقديم تصريح عن الذمة المالية بمن فيهم -على سبيل المثال- رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، الرئيس السابق سعد الحريري، رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل، وغيرهم الكثير ممّن لديهم مركزًا في الدولة من وزراء ونواب ومديرين والخ..

الادعاءات تعرّض مصالح مصارف معدودة للخطر بينما يعمل 50 مصرفًا على الأراضي اللبنانية 

وحول الحجة "الواهية" التي ساقتها المصارف للتخويف والتي قالت فيها أنّ الادعاء عليها سيعزل لبنان ماليًا، تقول المصادر: "كل هذا الكلام كذب بكذب، الادعاءات تعرّض مصالح مصارف معدودة للخطر، بينما يعمل 50 مصرفًا على الأراضي اللبنانية". وفي هذا السياق، تشير المصادر الى أنّ مصرف لبنان متواطئ مع المصارف وفي نهاية الادعاءات سيتم الادعاء عليه كونه هو من أقرض المصارف من أموال المودعين. 

لا تنكر المصادر أنّ حجم الحملة على القاضية عون كبير اذ لم يعد هناك دولة قانون، لكنها تراهن على إيمان القاضية عون بالقضية التي تحارب لأجلها والتي لن تتعب أو تتراجع في سبيلها. الى أي مدى تعطي الادعاءات أملًا للمودعين باسترجاع أموالهم؟ تجيب المصادر على هذا السؤال بالقول: " عندما تنتهي دعوى القروض سيحوّل الملف الى قاضي التحقيق لتلزم المحكمة المصارف بردّ ما سرقوه من جنى عمر الناس، اذا ما سارت الأمور كما يجب"، تختم المصادر حديثها.
 

لبنانرياض سلامةغادة عونجمعية المصارفأموال المودعين

إقرأ المزيد في: خاص العهد