ramadan2024

آراء وتحليلات

المصارف بين الإضراب والإفلاس.. دفع باتجاه مزيد من الانهيار
10/03/2023

المصارف بين الإضراب والإفلاس.. دفع باتجاه مزيد من الانهيار

علي رسلان - صحفي اقتصادي

لم تكن معزوفة "القطاع المصرفي اللبناني القوي" تفارق أسماع اللبنانيين لسنوات طوال. المصارف التي نشأ أغلبها بعد العام 1943، نمت بسرعة قياسية. عددها ارتفع من 9 في عام 1945 إلى 85 مصرفاً عام 1962 مستفيدة من سياسة التأميم التي اعتمدت في كل من مصر والعراق وسوريا، وهروب الرساميل منها، بالإضافة إلى لجوء كبار المتمولين في فلسطين بعد العام 1948 إلى بيروت، وتدفقات أموال النفط الخليجية.

لبنان كان البلد الجاذب لهذه الرساميل، متسلحاً بالسرية المصرفية، ونشوء طبقة اجتماعية سياسية، مكونة من المصرفيين والتجار والصيارفة ورجال الأعمال شكّلت الدولة العميقة التي أحكمت الطوق على الدولة السطحية. كما سيطرت على مكامن صنع القرار في المؤسسات الدستورية، فبُنيت دولة مفصلة على قياس هذه الطبقة الآمرة الناهية بيد شخصيات وزعماء سياسيين تبوأوا أعلى المناصب في الدولة.

ولأنها كانت صاحبة اليد الطولى في صنع القرار السياسي والاقتصادي، لم تكن المصارف عُرضة للمساءلة والمحاسبة القانونية والقضائية. وعليه، عاثت بأموال المودعين استثماراً وإقراضاً ورشىً لسياسيين وإعلاميين، تحت إشراف مصرف مركزي موّل الدولة لسنوات طوال ضمن نهج اقتصادي ريعي قائم على الاستدانة والاستدانة إلى أن وصلت الأمور إلى حافة الانهيار في العام 2015. ولإنعاش الوضع النقدي أقدم المصرف المركزي على تنفيذ هندسات مالية جنت منها المصارف ما يفوق 5 مليارات دولار أرباحاً أُضيفت إلى أرباح فاحشة حصّلتها طوال سنوات ما بعد العام 1992.

ومع بروز طلائع الأزمة في العام 2019، أضرب الموظفون في مصرف لبنان بذريعة عدم التزام القضاء بالأصول القانونية بعد التحقيق مع مدير العمليات في المصرف. وبالتزامن بدأ سعر صرف الليرة بالتدهور، وبدأت المصارف باتخاذ قرارات عشوائية واستنسابية، رفعت من منسوب عدم اليقين لدى المودعين، فكان قرارها بتحديد سقف السحوبات، ووقف التحويلات إلى الخارج، وتجميد العمليات التجارية، وتحديد سقف أو إلغاء العمل بالبطاقات الائتمانية، وقيامها ببيع جزء من سنداتها من "اليوروبوندز" إلى دائنين أجانب، قبل أشهر من قرار الحكومة التوقف عن الدفع، ليحوز الدائنون الأجانب على نحو 15 مليار دولار من السندات، والمصارف المحلية على أقل من 11 مليار دولار ما أفقد الحكومة القدرة على تنظيم عملية إعادة هيكلة منظمة للدين العام.

هذه الإجراءات أدت إلى فقدان ثقة المودعين وعزّزت قلقهم على أموالهم المودعة، ما ولّد فوضى كثُرت معها الإشكالات في فروع المصارف. تلك الفوضى أعطت لهذه المصارف ذريعة لإقفال أبوابها لفترات طويلة، تارةً بسبب تفشي وباء كورونا، وطوراً نتيجة إضراب الموظفين، وصولاً إلى إعلان جمعية المصارف الإضراب أكثر من مرة بحجة عدم قدرتها على حماية موظفيها، قبل أن تعلنها جهاراً أن إقفالها هو لرفض القرارات القضائية ومنها رفع السرية المصرفية عن أصحاب ومديري عدد من المصارف، والتي صدرت بناءً على دعاوى مودعين. ومؤخراً، أعلنت جمعية المصارف أن لا سيولة لدى المصارف، وأن رصيدها لدى المصارف المراسلة سلبي وقدره 204 ملايين دولار، في حين أن ودائعها لدى مصرف لبنان بلغت 86.6 مليار دولار منتصف شهر شباط الفائت بحسب ميزانية المصرف المركزي.

الإضرابات المتتالية والإعلان عن عدم وجود سيولة لديها عوامل تؤكد أن المصارف تدفع باتجاه قعر الهاوية. الإضرابات منذ البداية زادت من عمق الأزمة وتجذرها أكثر. ومع كل إضراب أو إقفال تشهد الليرة انهياراً إضافياً. يُضاف إلى ذلك، المزاجية والاستنسابية في تطبيق التعاميم المتعلّقة بمنصة "صيرفة" اذ توقِفها متى تشاء وتعود إليها متى تشاء، في حين تقف هيئة الرقابة على المصارف موقف المتفرّج على ممارسات المصارف التي أتى إعلانها عن عدم وجود سيولة لديها كمقدّمة ربما لإعلان إفلاسها، أو كتهديد بالإفلاس، مع ما يعني ذلك من انهيار كامل المنظومة النقدية في البلاد.

تريد المصارف العودة إلى سابق عهدها كلاعب مسيطر لا يُسأل ولا يُحاسب، وتريد من الدولة إخضاع القضاء لسلطتها لا إخضاعها لسلطة القانون. وأيضاً لا تريد تحمل جزء من الخسائر من تلك الأرباح التي حققتها على مدار أكثر من 30 عاماً، ولا تريد إعادة مليارات الدولارات التي حولتها إلى الخارج، وهي قد تنجح في ذلك، طالما أنها ما زالت فاعلة وناشطة في منظومة الإفساد في الدولة العميقة.

لذلك، إنّ هيكلة القطاع المصرفي وتحميله حصته المنطقية من الخسائر لن تكون عملية سهلة، والمصارف تلعب على قاعدة "عليَّ وعلى أعدائي"، فإما كف يد القضاء وعدم إقرار أي قانون يُلزمها بإعادة الأموال لأصحابها، وإما الاستمرار في الدفع باتجاه الانهيار الكامل، ونجاحها في تحقيق أهدافها ليس مستحيلاً في ظل سلطة سياسية "غاطسة" حتى أخمص قدميها بوحول المصرفيين من خلال تأمينها الحماية الأمنية والقانونية والسياسية للقطاع المصرفي القوي.

وليس مستبعداً أن المصارف التي كانت ملكاً أكثر من الملك نفسه في الانصياع للعقوبات الأميركية، هي في تصرفاتها المذكورة آنفاً تنفّذ إملاءات خارجية لتحييدها من دائرة العقوبات، ولتمكين أصحابها من الحفاظ على أموالهم المهرّبة، وتنفيذ أحد بنود أجندة الانهيار الاقتصادي، المنضبط حتى الآن، والذي تسعى إليه الولايات المتحدة ومن خلفها دول غربية وإقليمية لكسر لبنان.

لبنانالاقتصادالدولارالمصارفجمعية المصارف

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

التغطية الإخبارية



 

مقالات مرتبطة
المكاتب التربوية في الأحزاب اللبنانية تدين القرارات التعسفية للأونروا بحق المعلمين 
المكاتب التربوية في الأحزاب اللبنانية تدين القرارات التعسفية للأونروا بحق المعلمين 
العمليات "الإعلامية" ضدّ المقاومة مستمرة..
العمليات "الإعلامية" ضدّ المقاومة مستمرة..
الشيخ دعموش: مهما تمادى العدو في مجازره لن تتراجع المقاومة عن مساندة غزة
الشيخ دعموش: مهما تمادى العدو في مجازره لن تتراجع المقاومة عن مساندة غزة
حزب الله نظّم أنشطة دينية وثقافية في بلدات بقاعية 
حزب الله نظّم أنشطة دينية وثقافية في بلدات بقاعية 
سلسلة ضربات نوعية للمقاومة الإسلامية على مواقع وثكنات العدو
سلسلة ضربات نوعية للمقاومة الإسلامية على مواقع وثكنات العدو
سلام: الغرامات في قانون حماية المستهلك سترتفع حتّى 5 آلاف دولار
سلام: الغرامات في قانون حماية المستهلك سترتفع حتّى 5 آلاف دولار
وزير الاقتصاد الإيراني: اجتذاب 5.5 مليار دولار استثمارات أجنبية
وزير الاقتصاد الإيراني: اجتذاب 5.5 مليار دولار استثمارات أجنبية
وزير الاقتصاد في جولة لمراقبة الأسعار: سنكون بالمرصاد في وجه من سيضرّ بالمستهلك
وزير الاقتصاد في جولة لمراقبة الأسعار: سنكون بالمرصاد في وجه من سيضرّ بالمستهلك
اليوم التالي للجريمة
اليوم التالي للجريمة
منطقة حرّة ثلاثية بين سورية وإيران والعراق.. دعم مثمر للاقتصاد
منطقة حرّة ثلاثية بين سورية وإيران والعراق.. دعم مثمر للاقتصاد
غرب آسيا والحيثية الدولية للولايات المتحدة الأميركية
غرب آسيا والحيثية الدولية للولايات المتحدة الأميركية
خسائر غير مسبوقة بمليارات الدولارات نتيجة استدعاء الاحتياط منذ بدء العدوان على غزة
خسائر غير مسبوقة بمليارات الدولارات نتيجة استدعاء الاحتياط منذ بدء العدوان على غزة
برلمانيون وخبراء اقتصاد: واشنطن وراء اضطراب السوق العراقي
برلمانيون وخبراء اقتصاد: واشنطن وراء اضطراب السوق العراقي
منصة بلومبرغ.. ترقيع جديد في الاقتصاد اللبناني
منصة بلومبرغ.. ترقيع جديد في الاقتصاد اللبناني
روسيا والصين تخلتا عن التعامل بالدولار
روسيا والصين تخلتا عن التعامل بالدولار
هل تُنصف تعاميم مصرف لبنان الجديدة المودعين؟ 
هل تُنصف تعاميم مصرف لبنان الجديدة المودعين؟ 
ما مستقبل الدولار؟
ما مستقبل الدولار؟
قروض "الإسكان" عائدة.. وهذه الآلية للحصول عليها
قروض "الإسكان" عائدة.. وهذه الآلية للحصول عليها
اعتصام أمام فرع فرنسبنك في بعلبك رفضًا لقرار إقفاله
اعتصام أمام فرع فرنسبنك في بعلبك رفضًا لقرار إقفاله
اميركا تسقط في وصفاتها الاقتصادية.. الكارثة قادمة‎‎
اميركا تسقط في وصفاتها الاقتصادية.. الكارثة قادمة‎‎
سياسة إقفال الحسابات.."سوط" المصارف على المودعين 
سياسة إقفال الحسابات.."سوط" المصارف على المودعين 
جمعية المصارف تضلّل المجلس النيابي!
جمعية المصارف تضلّل المجلس النيابي!
المصارف مددت تعليق إضرابها.. وبرّي: من لا يكمل النصاب يتحمّل المسؤولية
المصارف مددت تعليق إضرابها.. وبرّي: من لا يكمل النصاب يتحمّل المسؤولية
جمعية مصارف لبنان مددت تعليق إضرابها حتى 10 آذار
جمعية مصارف لبنان مددت تعليق إضرابها حتى 10 آذار
جمعية المصارف تعلّق إضرابها مؤقتًا
جمعية المصارف تعلّق إضرابها مؤقتًا

خبر عاجل