يوميات عدوان نيسان 1996

آراء وتحليلات

01/04/2019

"مسيرات العودة": سياق وانجازات

جهاد حيدر

مرت سنة كاملة منذ بدء مسيرات العودة المدنية السلمية عند السياج الفاصل بين قطاع غزة وباقي الأراضي الفلسطينية المحتلة. ومن أبرز ما ميّز هذه المسيرات استمرارها بوتيرة حولتها الى عبء اضافي على مؤسسة القرار الاسرائيلي، رغم عمليات القمع الدموية، وأظهر الشعب الفلسطيني خلالها مرة أخرى صموداً واستعداداً للتضحية كاشفاً لأعداء "اسرائيل" وأصدقائها وحلفائها، أن في فلسطين شعباً يملك ارادة التحرير بكل ما تتطلبه من تضحيات، ولا ينقصه سوى امتلاك القدرات التي تُمكنه من تفعيل هذه الارادة.

منذ سنة لم يكد يمر أسبوع من دون مواجهات مع قوات الاحتلال، ضمن اطار مسيرات العودة، وكان يأمل الاسرائيلي من خلال التنكيل أن يؤدي ذلك الى ثني الشعب الفلسطيني في القطاع عن مواصلة خياره. وهكذا كانت تتحول كل مسيرة الى محطة اضافية في اختبار الارادات، ويحطم فيها الشعب الفلسطيني رهانات العدو وتقديراته، ازاء فعالية السياسة القمعية التي ينتهجها.

بدأت مسيرات العودة ترجمة لقرار استراتيجي اتخذته قيادة المقاومة في القطاع في مواجهة مخطط تصفية القضية الفلسطينية، ومحاولات اخضاع القطاع.. وكبديل عن خيار المواجهة العسكرية المفتوحة، وايضا كبديل عن الاكتفاء بالصمود السلبي (في مقابل الصمود الفاعل) أي الاكتفاء برفض الاملاءات والخضوع من دون المبادرة العملانية.

ضمن هذا الاطار، شكلت "مسيرات العودة" ابداعا فلسطينيا في تكتيكات النضال الشعبي، وبالمقارنة مع النضال الشعبي الفلسطيني في الضفة الغربية، الذي يكون فيه الاحتكاك بين الجيش الإسرائيلي والجمهور الفلسطيني واسعاً نسبياً، يمكن التقدير أنه من حيث المبدأ جرى نسخه إلى جبهة القطاع، لكن مع ملاءمته لظروف القطاع. ونجحت هذه المسيرات في أن تفرض على قوات الاحتلال البقاء في حالة تأهب، وحشد قوات كبيرة من الجيش، وايجاد حالة من التوتر في مستوطنات غلاف غزة، انعكس على صانع القرار السياسي والامني.

في هذا السياق، يلاحظ أن مسيرات العودة تتميز عن التكتيكات النضالية السابقة، من حيث خصائصها ومدتها، حتى بات يصح أنها تشكل "خيارا جديداً"، له استقلاليته ومزاياه الخاصة. وبدأ هذا المسار عبر "تعزيز النضال الشعبي بحجم وقوة لم يسبق لهما مثيل في قطاع غزة".  

ثم ارتقى هذا النمط الى مستوى هو أعلى من رمي الحجر (سلاح الانتفاضة الاولى) ودون الرصاصة والصاروخ. وتمثل ذلك باستخدام "الطائرات الورقية والبالونات". وفي مقابل ذلك حاولت "اسرائيل" أن تتعامل معه كما لو أنه سلاح عسكري، يبرر لها الرد العسكري المضاد، بهدف ردع المسيرات. وهو ما حالت دونه المقاومة من خلال ردودها الصاروخية التي استهدفت المستوطنات. وبذلك عززت المقاومة مظلة الردع التي حمت استمرار مسيرات العودة. وهكذا شكلت كل منها محطة اختبار لمعادلة الردع بين الطرفين. وهكذا يظهر بوضوح أنه لم يكن استمرار هذا التكتيك النضالي أمراً مسلماً بل مر بمحطات ومنعطفات، الى أن رسا الى ما هو عليه الان. وبالنتيجة، استطاعت مسيرات العودة أن تفرض القضية الفلسطينية وقطاع غزة، على رأس جدول اهتمامات المؤسسة السياسية والأمنية.

بالاجمال، يمكن عرض بعض النتائج التي حققتها مسيرات العودة، الى جانب أشكال النضال والمقاومة الأخرى، في سياق حركة الصراع المتواصل مع كيان العدو:

الضغط على صانع القرار الاسرائيلي.

قبل سنة ربما كان بالامكان النقاش حول مدى نجاح مسيرات العودة في اثبات قدرتها على الاستمرار وأن تتحول الى عامل ضغط على مؤسسة القرار الاسرائيلي. أما الان فلم يعد الامر موضع تساؤل. ومن دون التورط في فخ المبالغة حول ما يمكن أن يحققه هذا المستوى من النضال الشعبي وفي ظروفه وامكاناته، فقد أثبتت التطورات السياسية والميدانية طوال الفترة الماضية أن مسيرات العودة تحولت الى عبء اضافي يفرض على مؤسسة القرار البحث عن حل. واستطاعت هذه المسيرات أن تحقق هذه النتيجة من خلال ما شكلته من عامل ضغط على مستوطنات غلاف غزة الذين تحركوا بدورهم للضغط على قياداتهم. ومن أبرز تجليات هذا المفهوم، السعي الحثيث للتوصل الى صيغة تهدئة التي يقوم بها الوفد المصري بين الطرفين.

اجهاض مخطط طمس القضية الفلسطينية

احد أهم التحديات التي تواجه القضية الفلسطينية مساعي طمسها وتحويلها الى قضية ثانوية. ولهذه الغاية، تبذل الجهود السياسية والاعلامية والامنية. وخصوصية هذا التحدي أن طمس القضية الفلسطينية وتحويلها الى قضية هامشية، يشكل مدخلاً الزامياً لتصفيتها. في المقابل، أتت مسيرات العودة المتواصلة، الى جانب عمليات المقاومة في الضفة الغربية والمواجهات مع قوات الاحتلال...، اضافة الى عوامل اقليمية اخرى، في مواجهة هذا المخطط، ونجحت في ابقاء القضية الفلسطينية بنسب معينة، في صدارة اهتمامات الرأي العام. والأهم في هذا السياق ابقاء جذوة المقاومة والانتفاضة حية في الواقع الفلسطيني، واسقاط مخططات بث روح اليأس والاحباط في صفوف الشعب الفلسطيني.

الشعب الفلسطيني يقول كلمته

بفعل السيطرة الأمنية المباشرة للاحتلال في الضفة الغربية، والتنسيق الأمني مع أجهزة السلطة، ومجموعة من العوامل السياسية والاقتصادية... استطاع الاحتلال ومعه السلطة الحد من الحراك الشعبي الفلسطيني والحؤول دون بلوغه المستويات المنشودة والتي يمكن أن تغير المعادلة. ولا يقدح ذلك بالحراك الشعبي الذي تشهده الضفة بالرغم من كل الضغوط والعقبات، إلا أنه ما زال مضبوطا بشكل من الاشكال. وينجح المقاومون في الضفة في التعبير عن موقف الضفة بلغة الدم والرصاص، من فترة الى أخرى.

 في المقابل، أتى تحرك القطاع الشعبي النضالي في قطاع غزة، ليوجه رسائل متعددة في كافة الاتجاهات وتحديدا في هذه المحطة التاريخية التي تمر بها القضية الفلسطينية. بعبارة أخرى، أتت مسيرات العودة لتؤكد لكل من يعنيه الامر أن الشعب الفلسطيني سيواجه كل مخططات تصفية القضية الفلسطينية، وأنه مستعد لبذل أغلى التضحيات. وما يضفي على هذا الموقف أهمية اضافية كونه يأتي في الوقت الذي تم تطويق فلسطين بحروب تهدف الى تدمير البيئة العربية، وباتفاقيات سلام لها دوران، اقامة حزام أمني اقليمي لحماية اسرائيل، واقامة طوق يهدف الى اخضاع الشعب الفلسطيني. وفي ظل الهجوم العدواني الذي تشنه الادارة الاميركية ضد فلسطين والمنطقة العربية بدأ بالقدس، وانتقل الى الجولان، فيما الضفة الغربية ما زالت على المهداف الاميركي.

توجيه بوصلة الصراع نحو كيان العدو

دائما ما كانت تواجه المقاومة وفي كل الساحات بمخططات تهدف الى حرف وجهتها، واشغالها واستنزافها بمعارك خارج اطار الصراع المباشر مع العدو. ومع أن أي جهد يبذل للحفاظ على وجود المقاومة وعناصر قوتها، ودعمها، هو في الواقع محطة في سياق مواجهة حركة الصراع مع العدو. في المقابل، فإن احدى أدوات الرد على هذه المخططات تتمثل بتفعيل وتعزيز المواجهة مع هذا العدو. وأكثر من يحتاج الى التمسك بهذا المبدأ هو الشعب الفلسطيني الذي هو على مهداف المخططات الاقليمية والدولية. وكان واضحاً أن مسيرات العودة، الى جانب عمليات المقاومة، والرد على اعتداءات العدو، شكلت وتشكل ردا ناجعاً على كل هذه المخططات، بما يخدم في توجيه بوصلة الصراع في الاتجاه الصحيح.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات