طوفان الأقصى

آراء وتحليلات

خطوة ترامب نتنياهو حول الجولان في ضوء القانون الدولي
27/03/2019

خطوة ترامب نتنياهو حول الجولان في ضوء القانون الدولي

علي ابراهيم مطر

منذ انطلاق الحرب التي شنتها الإدارة الأميركية على سوريا، حيث سعت إلى إسقاط بنية الدولة التي كانت أفضل الدول العربية أمناً واستقراراً والتي تشكل رأس حربة في الصراع العربي الإسرائيلي، بدأت "تل ابيب" تستغل هذه الحرب لتخرق سيادة الدولة السورية، وتنفذ أجندات خاصة بها، وفي مقدمتها مساعيها لضم الجولان المحتل إليها بضوء أخضر أميركي.

تمتاز مرتفعات الجولان المحتلة من قبل "إسرائيل" منذ عام 1967، بأهمية خاصة، على المستويات الأمنية والجيوسياسية والاستراتيجية، إذ إنها المحافظة السورية الوحيدة التي لها حدود مع ثلاث دول هي لبنان وفلسطين المحتلة والأردن. تلك الأهمية دفعت رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، لاستغلال الاضطرابات السياسية التي تشهدها سوريا منذ 2011، ومهّدت الطريق أمامه لمطالبة المجتمع الدولي بـ"الاعتراف بإسرائيلية" المرتفعات السورية.

وقد نزل دونالد ترامب عند رغبة نتنياهو ليعلن ذلك من طرف واحد، بشكل يصب في مصلحة "إسرائيل"، دون أن يقيم أية حسابات للدول العربية والإسلامية، وبشكل صلف سيزيد من تأزيم الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط. وأعلنت الأمم المتحدة صراحةً التزامها بأن احتلال "إسرائيل" للجولان السوري عمل غير مشروع بموجب القانون الدولي، فهذا العمل لا ينشئ حقوقاً أو يرتب التزامات ويعتبر غير ذي حيثية قانونية.  وقالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" إن قرار إدارة ترامب إنكار واقع احتلال إسرائيل لهضبة الجولان يُظهر عدم احترامها للحماية الواجبة للسكان السوريين بموجب القانون الإنساني الدولي.

أولاً: خرق القانون الدولي

 هذا القرار الذي اتخذه دونالد ترامب، لاقى اعتراضات من قبل المجتمع الدولي، لما يمثله من خرق واضح للقانون الدولي، والقرارات الأممية الصادرة التي تحكم هذه القضية، خاصةً أن اتفاقية فك الاشتباك بين سوريا و"اسرائيل" الموقعة في 31 ايار  1974 في جنيف بحضور ممثلين عن الأمم المتحدة والاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، تؤكد على ضرورة تنفيذ قرار مجلس الأمن 338 الداعي إلى الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي العربية المحتلة، وهي تحدد طريقة الفصل بين القوات الإسرائيلية والسورية، وفق خريطة مرفقة ومفصلة يمكن العودة إليها.

وفي قراره هذا ينتهك ترامب كل قواعد القانون الدولي، الذي يقرر ضرورة احترام سيادة سوريا، ويثبت أن الجولاء جزء لا يتجزأ من الأراضي السورية، وبالتالي يمنع ضمه من قبل "اسرائيل" التي تعتبر القوة القائمة بالاحتلال على جزء من هذه الأراضي، وهو يتدخل في الشؤون الداخلية لسوريا بشكل يخالف ميثاق الأمم المتحدة الذي يمنع ذلك في المادة الثانية منه. كما يضرب ترامب بكل الاتفاقات والقرارات الدولية عرض الحائط، خاصةً تلك التي تطالب بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للجولان، وبطلان كافة الإجراءات والممارسات الإسرائيلية في هذه المنطقة.

ثانياً: مخالفة قرارات مجلس الأمن

يمكن الإشارة في سياق إظهار الانتهاكات الأميركية للقانون الدولي ومخالفة الشرعية الدولية، إلى مخالفة عدة قرارات أممية اتخذت في هذا الإطار، منها القرار 242 الذي أصدره مجلس الأمن الدولي بتاريخ 22/11/1967، في أعقاب العدوان الإسرائيلي عام 1967، ونص القرار على انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة.

كذلك، أصدر مجلس الأمن الدولي القرار 338 بتاريخ 22 / 10/ 1973 ونص على وقف إطلاق النار خلال حرب تشرين والتطبيق الكامل والفوري للقرار 242 بكل بنوده، ودعا إلى "مفاوضات بين الأطراف المعنية" بهدف إقامة "سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط". وضع القرار، الذي قبلته كل الأطراف، حداً للأعمال العسكرية في الجولان وسيناء، وتم تنفيذ وقف إطلاق النار في 24 تشرين الأول 1973، إلا أن "إسرائيل" ما زالت حتى اليوم ترفض الانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة.

ونتيجة اتخاذ الكنيست الإسرائيلي قرارا بضم الجولان السوري المحتل بتاريخ 14/12/1981 وتطبيق القوانين الإسرائيلية عليه، أصدر مجلس الأمن الدولي بجلسته 2319 القرار 497 بتاريخ 17/12/1981 استنادًا إلى ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن السابقة ذات الصلة 242 لعام  و338، وأكد أن قرار "إسرائيل" فرض قوانينها وولايتها وإدارتها في الجولان السوري المحتل لاغ وباطل وليس له أي أثر قانوني دوليًا، وطالب "إسرائيل" بوصفها السلطة القائمة بالاحتلال إلغاء قرارها فورًا. كما توجد عدة قرارات أخرى لا يسعنا ذكرها يمكن مراجعتها.

ثالثاً: الضرب بقرارات الجمعية العامة عرض الحائط

لم يلتزم ترامب بقرارات مجلس الأمن الدولي، ولم يعرها اي اهتمام، وكذلك فإنه ضرب بكل ما صدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عرض الحائط، حيث صدرت عدة قرارات عنها، نشير هنا إلى بعضها، منها القرار 2752 حول احترام حقوق الإنسان في الأراضي العربية المحتلة وضرورة ضمان إسرائيل سلامة سكان تلك المناطق وأمنهم، القرار 2443 حول إنشاء لجنة للتحقيق في الممارسات الإسرائيلية التي تمس حقوق الإنسان لسكان المناطق المحتلة، والقرار 2452 الطلب إلى إسرائيل اتخاذ التدابير الفورية اللازمة لإعادة السكان الذين نزحوا من المناطق المحتلة، والقرار الهام 3740 تاريخ 29-11-1974، بخصوص إدانة إسرائيل في أعقاب قيام قوات الاحتلال الإسرائيلي بتدمير مدينة القنيطرة قبيل تحريرها. وقد أكدت القرارات الصادرة عن الجمعية العامة انطباق اتفاقيات جنيف على مواطني الجولان السوري المحتل. كما أن جميع نصوص اتفاقية جنيف المتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب المؤرخة في 12 اب 1949 تستمر في انطباقها على الأراضي السورية المحتلة من قبل إسرائيل في حزيران 1967، وبذلك يحظر القانون الإنساني الدولي على إسرائيل، بصفتها القوة القائمة بالاحتلال، نقل سكانها المدنيين إلى الأراضي المحتلة، أو تدمير الممتلكات الخاصة، أو الاستيلاء على الموارد.

وأمام ذلك، فإن قرار ترامب يعتبر عدواناً صريحاً على الحقوق العربية، وانتهاكا صارخاً للشرعية الدولية وقراراتها. وبالتالي فإن اعتراف ترامب بالسيادة الإسرائيلية على الجولان غير شرعي، ولن يُغير من حقيقة احتلال إسرائيل للجولان والأراضي العربية والفلسطينية، وما تقوم به واشنطن يأتي في سياق انتهاكاتها المستمرة للقانون الدولي الذي تستخدمه وفق مصالحها فقط، فضلاً عن إظهار هيمنتها على النظام الدولي ومحاولة الاستفراد بالدول العربية وفي مقدمتها سوريا التي عانت على مدى سنوات من التأمر الأميركي على شعبها ودولتها وأمنها واستقرارها.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

خبر عاجل