يوميات عدوان نيسان 1996

آراء وتحليلات

صلاحيات تصريف الأعمال في الظروف الإستثنائية
26/03/2021

صلاحيات تصريف الأعمال في الظروف الإستثنائية

د. علي مطر

يشهد لبنان نقاشاً دستورياً حاداً حول صلاحيات حكومة تصريف الأعمال، وكما في كل مرة تكون فيها الحكومة مستقيلة يدور النقاش حول مدى ومساحة صلاحياتها. فالدستور اللبناني لم يحدد بشكلٍ صريح وواضح ما هي حدود وأطر صلاحيات الحكومة المستقيلة كما وأنه لم يتضمن تفسيراً لعبارة تصريف الأعمال، إلا أن البلاد تعيش اليوم أزمة إقتصادية وصحية حادة، لا تحتمل هذا النقاش والتمييع في أهمية أن تبادر حكومة تصريف الأعمال إلى العمل بشكل واسع لمنع الإنحدار الحاصل نحو الهاوية.

رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب المتوجس خيفةً من الهجومات المضادة في حال مارس دوره الوطني، شدد على "أولوية تشكيل الحكومة" لكي لا يقع في حراجة طائفية، علماً أنه مدرك لمدى المعاناة التي يعيشها اللبنانيون وهو الذي أشار إلى أن "تشكيل الحكومة تحول إلى أزمة وطنية، مما أدى إلى تفاقم معاناة اللبنانيين"، واضعاً الكرة في ملعب مجلس النواب بطلب "تفسير دستوري يحدد سقف تصريف الأعمال ودور الحكومة المستقيلة"، بعد إشارته إلى تصاعد وتيرة المطالبة بتفعيل الحكومة المستقيلة من جهة، مقابل تحذيرات من خرق الدستور من جهة أخرى.

يصر الرئيس دياب على عدم الدعوة إلى اجتماع للحكومة، متغاضياً عن كل الآراء الدستورية والقانونية، التي أبدتها مرجعيات عديدة، ومفادها أن تصريف الأعمال بالمعنى الضيق يتم عبر مجلس الوزراء لا عبر قرارات استثنائية مخالفة للدستور، حيث تنص الفقرة الثانية من المادة 64 من الدستور صراحة على التالي: "لا تمارس الحكومة صلاحياتها قبل نيلها الثقة ولا بعد استقالتها أو اعتبارها مستقيلة إلا بالمعنى الضيّق لتصريف الأعمال"، لكن مع ذلك، اشترط دياب لانعقاد الحكومة أن يطلب مجلس النواب منه تفعيل عملها، ويحدد له سقف تصريف أعمالها، علماً أنه أثناء الأزمات يجب أن لا تقيد الأعمال بسقوف محددة ريثما يتم تخطي المنحدرات.

يتمسك دياب بأن النظام البرلماني اللبناني يقوم على ركيزة أساسية مفادها مسؤولية السلطة التنفيذية أمام مجلس النواب، أي ربط ممارسة الحكومة لصلاحياتها بحصولها على ثقة السلطة التشريعية، لذلك إنّ استقالة الحكومة، أو اعتبارها بحكم المستقيلة، يؤدي إلى زوال هذه المسؤولية مما يجعلها خارج الرقابة السياسية للسلطة التشريعية التي تفقد بالتالي قدرتها على سحب الثقة من الحكومة. ولمّا كانت السلطة لا تُمنح إلّا لجهةٍ تخضع للمحاسبة، لذلك كان الحد من صلاحيات الحكومة المستقيلة هو نتيجة منطقية تفرضها الطبيعة البرلمانية للنظام، لكن من المفيد أن ينظر الرئيس دياب أيضاً إلى نصوص تشريعية ودستورية واجتهادات صادرة عن مجلس شورى الدولة والمجلس الدستوري تشير إلى أن الأزمات تتطلب أن تتحرك حكومة تصريف الأعمال بشكل سريع وهو ما لا يخالف النصوص القانونية والدستورية.

أولاً: تصريف الأعمال ضرورة لحفظ الدولة

يشكل تصريف الأعمال ضرورةً، إذ لا يجب أن يؤدي تقليص صلاحيات الحكومة وحصرها في نطاقٍ ضيّق إلى الإضرار بمصلحة الدولة عبر تعطيل عمل المؤسسات وتهديد إستمرارية المرفق العام. لذلك، تعتبر ممارسة الحكومة لصلاحياتٍ ما، رغم الحدّ منها بعد استقالتها، شرطاً ضرورياً. إذ لا يعقل القبول بالفراغ المطلق في السلطة إلى حين تشكيل حكومة جديدة.

وقد ذهب مجلس شورى الدولة في قراره المعروف براشد/الدولة رقم ٦١٤ تاريخ 17 / 12 / 1969 إلى "أن تطبيق مفاعيل الإستقالة أو الإقالة على إطلاقه يؤدي إلى قيام فراغ في الحكم في الفترة التي تسبق تشكيل وزارة جديدة مع ما يترتب على هذا الفراغ من تعطيل لأعمال السلطة التنفيذية ووقف ادارة مصالح الدولة المنوطة بالوزراء، وحيث أنه تجنّباً للأخطار والمحاذير التي تنشأ عن الفراغ في الحكم، جرى العرف الدستوريّ على أن يكلّف رئيس الجمهورية الوزارة المستقيلة بالبقاء في الحكم إلى أن تتألف الوزارة الجديدة، ويحدّد نطاق أعمالها بما يسمى "تصريف الأعمال العادية".

أما المجلس الدستوري اللبناني فقد اعتبر من جهته أن مفهوم تصريف الأعمال أساسي لتأمين استمرارية السلطات الدستورية تجنباً لأي فراغ، من دون القيام بأعمال انشائية جديدة وذلك في القرار رقم ١/ ٢٠٠٥.

ثانياً: تصريف الأعمال في الظروف الإستثنائيّة

من المعروف أن تصريف الأعمال هو كل عمل ضروري لتسيير المرفق العام بالحد الأدنى الذي لا ينتج عنه مشاريع جديدة أو قرارات ترتّب على الدولة مسؤوليات مالية، أو إدارية أو سياسية جديدة للمستقبل. وعليه فإن الأعمال التصرفيّة في الظروف الإستثنائيّة هي التي تتعلّق بالنظام العام وأمن الدولة الداخليّ والخارجيّ والتي تسمح للحكومة المستقيلة باتخاذ تدابير ضرورية تخرج عن تصريف الأعمال. وقد تبنى مجلس الشورى هذا الإجتهاد في أكثر من قرارٍ له حيث أنه "وفي هذه الحالات، تخضع تدابير الوزارة المستقيلة وتقدير ظروف اتخاذها إياها إلى رقابة القضاء الإداريّ بسبب فقدان الرقابة البرلمانيّة وانتفاء المسؤولية الوزارية".

وتأتي الأعمال الضرورية في مقابل الأعمال الإدارية العادية حيث تظهر الأعمال التصرفية بخاصة تلك التي تطرأ خلال أوضاع استثنائية. هذه الأعمال رغم خطورتها تكون في بعض الأحيان طارئة ﻭﻣﻠﺣﺔ لارتباطها مثلاً بالسلامة العامة، هذا ما أكد عليه المجلس الدستوري اللبناني في قراره رقم ٧/٢٠١٤ تاريخ ٢٨/ ١١/٢٠١٤: " وبما أن الظروف الاستثنائية هي ظروف شاذة خارقة تهدد السلامة العامة والأمن والنظام العام في البلاد، ومن شأنها ربما أن تعرض كيان الأمة للزوال، وتقتضي اتخاذ إجراءات استثنائية بغية الحفاظ على الانتظام العام الذي له قيمة دستورية".

إذاً، كما يظهر معنا فإن السند القانوني الأهم لصلاحيات حكومة تصريف الأعمال يكمن في مبدأ ديمومة الدولة واستمرارها، وهذا المبدأ موجود في كل دول العالم ولا يحتاج معه إلى تفسيرات دستورية واجتهادات قانونية وقضائية، وهذا ما يعطيها السند القانوني للتصرّف في كلا الأحوال العادية والاستثنائية أو الضرورية.

وينطلق هذا المبدأ الدستوري من ضرورة إستمرار الإدارة والمرافق العامة في الدولة، والذي يعدّ مبدأ أساسياً لنظرية تصريف الأعمال حيث لا فراغ في السلطة، مما يسمح في هذه الحالة لمجلس الوزراء الاجتماع لاتخاذ قرارات تكتسب صفة الضرورة لتسيير المرفق العام، كحالات الحروب أو الكوارث الطبيعية أو ما يشابهها من الظروف الاستثنائية، كحالة الوباء الصحي أو الأزمة الاقتصادية الحادة كالتي يمر بها البلد اليوم

 

مجلس صيانة الدستور

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات