طوفان الأقصى

آراء وتحليلات

ما هي خلفيات الهجوم السايبراني على منشآت اسرائيلية؟
11/05/2020

ما هي خلفيات الهجوم السايبراني على منشآت اسرائيلية؟

 شارل ابي نادر

عادة، عندما يجتمع المجلس المصغر الصهيوني (الكابينت) لمناقشة ملف معين، فهذا يعني أن للأخير أهمية غير عادية داخل الكيان، وأن له تداعيات وتأثيرات استثنائية توجب مناقشتها على مستوى أعلى هيئة قرار لدى العدو، والمعنية باجراء التقييمات الأكثر دقة وباتخاذ القرارات الاكثر حساسية.

ملف الساعة الأخير داخل الكيان الصهيوني، والذي اجتمع بشأنه الكابينت الخميس الماضي، يتعلق بمناقشة هجوم سيبراني غير معهود، أصاب بشكل جزئي أو كامل (وهذا غير واضح)، منظومة تشغيل منشأة مياه، وايضًا غير واضح موقعها ودورها وقدرتها وقطاع خدمتها، وعدم الوضوح هذا، لناحية مستوى الاستهداف، إذا كان جزئيًا او كاملًا، أو لناحية مكان وقدرة وأهمية المنشأة المستهدفة، لا يُعتبر مهمًا في تقدير حجم الاستهداف، لأن أساس التقدير هو في حصول العمل السيبراني، بمعزل عن مستواه وحجمه والخسائر الناتجة عنه.

وفقاً لتقرير صادر عن شبكة "فوكس"، فإن إيران هي من تقف وراء هذا الهجوم السيبراني، وحيث إن الأخيرة لم تعلق على الموضوع، لا نفيًا ولا اعترافًا، فإنه من المنطقي أن تكون مسؤولة عنه، اولا، لانها تملك القدرة والامكانية التقنية للاعمال السيبرانية، وقد نفذت نموذجًا منها عند التشويش وخلق حالة من التعمية الالكترونية على وسائل الدفاع الاميركية في قاعدة عين الاسد، عند استهدافها بصورايخ باليستية، ردا على اغتيال الشهيد قاسم سليماني ورفاقه، وثانيًا لأنها تملك الجرأة على تنفيذ هذه العمليات الحساسة، والأهم من كل ذلك والذي يذهب بنا نحو اعتبار ان ايران قد نفذت العملية، هو أن "اسرائيل" لو لم تكن متأكدة من مسؤولية ايران، لكانت استبعدت الموضوع، خاصة أنه لا يناسبها أن يكون العمل من صنع ايران، لأن في ذلك ما يشبه الصفعة المعنوية أكثر منه المادية.

وفي حال التسليم بمسؤولية ايران عن العمل السيبراني المذكور، ما هي الرسائل التي تسعى طهران لتمريرها لـ"اسرائيل" ولغيرها؟ وربما تكون الرسالة "لغيرها" بأهمية الرسالة لـ"اسرائيل" إذا لم تكن أقوى، فمن هم هؤلاء غير "اسرائيل"؟

عمليًا، يقوم الهجوم السيبراني على عدة نماذج من العمليات الرقمية او الالكترونية التي تصيب الحاسوب وشبكة الانترنت المرتبطة معه، والذي يقوم بتشغيل وادارة منشأة او منظومة، مدنية (مياه أو طاقة أو وسيلة نقل أو ما شابه)، أو منظومة عسكرية (سلاح أو جهاز اتصال أو غرفة عمليات أو ما شابه ايضا)، وذلك بهدف تعطيله أو بهدف الدخول الى البيانات التي يحفظها، لسرقتها بعد نسخها، أو لتضييع منظومة عملها.

 انطلاقًا من مروحة الأهداف التي ممكن أن يحققها الهجوم السيبراني، يمكن أن نستنتج بعض الرسائل من هذا الهجوم الذي تعرضت له "اسرائيل" من قبل ايران، والتي يمكن تحديدها بالتالي:

لناحية "اسرائيل"

أن يكون الهدف هو منشأة مياه، فهذا يعني أن كل الأهداف داخل الكيان معرضة للاستهداف السيبراني، المدنية منها والعسكرية، وهنا الرسالة الأولى بأنه مع تمادي العدو في اعتداءاته على الوحدات الايرانية في سوريا، أو على وحدات محور المقاومة بشكل عام، فإن هذا النوع من الاستهدافات سيكون واردا بقوة، وربما يتواكب مع عمليات عسكرية أو يكون منفردا، في أية مواجهة محتملة بين الطرفين، خاصة وأن امكانية حدوث هذه المواجهة بدأت تصبح أكبر وأقرب، بعد تزايد الاعتداءات الاسرائيلية المذكورة، والتي تحدث بشكل مخالف للقوانين الدولية ودون أي مبرر لحدوثها.

 الرسالة الثانية لـ"اسرائيل"، تكمن في قدرة ايران السهلة على القيام بهذه الهجومات الخاصة أو الاستثنائية، ومع هذه الامكانية، والتي من غير الواضح ما هو مستوى القدرة الايرانية فيها، فإن كل التفوق في القدرات العسكرية لدى العدو، سيكون محيدًا وغير ذي قيمة، أو على الأقل غير مؤثر، في أية مواجهة محتملة.

الرسالة الثالثة، والتي تعتبر الأكثر ايلامًا للعدو، تكمن في أن هذه القدرة السيبرانية على استهداف مروحة واسعة من الأهداف والقطاعات الحيوية داخل الكيان، المدنية والعسكرية، هي عنصر أساسي ورئيسي من عناصر معادلة ردع جديدة، مختلفة عن معادلة الردع التي خلقتها الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة الايرانية، والموجودة مع الوحدات الايرانية مباشرة أو مع أحد أطراف محور المقاومة، كحزب الله اللبناني مثلا، وقيمة هذه المعادلة الجديدة للردع، أنها قادرة على أن تتواكب مع المعادلة التقليدية المذكورة والمتعلقة بالصورايخ والطائرات المسيرة.

لناحية غير "اسرائيل"

بالنسبة للاميركيين ، فانهم حتى الآن، قد اختبروا أكثر من هجوم سيبراني ايراني، غير ما ذُكر اعلاه في قاعدة عين الاسد، وأهمها ما ارتبط بعملية التشويش على أكثر من طائرة مسيرة أميريكية من الأكثر تطورًا، حيث تم اسقاط بعضها، أو تم اصطياد بعضها الآخر وسحبها الى الداخل الايراني وكشف قدراتها، وذلك بعد توجيهها الكترونيًا من ضمن هجوم سيبراني عطل نظام التوجيه الخاص بها.

بالنسبة للآخرين من الاطراف الاقليمية، والتي تضع نفسها، بتوجيه أميركي - اسرائيلي أو بمجهود ذاتي، في خانة الخصوم لايران، فعليها أن تقرأ جيدًا مضمون هذه الرسالة السيبرانية، لناحية ما يمكن أن يقع لها من خسائر غير محسوبة في أغلب منشآت النفط والغاز والاتصالات والنقل، بالاضافة طبعا للمنشآت العسكرية أو الاسلحة النوعية، وذلك فيما لو تعرضت لهجوم سيبراني ايراني، سيكون حتمًا ناجحًا وفاعلًا ومؤثرًا، مقارنة بين قدرتهم المتواضعة في الدفاع ضده وقدرة "اسرائيل" الأقوى طبعًا، والتي نجحت ايران في استهدافها من خلاله.

ويبقى اخيرًا من ضمن الرسائل التي يمكن استنتاجها، رسالة تشبه الى حد بعيد، رسالة حزب الله لـ"اسرائيل" من خلال فتحات الشريط الحدودي مع فلسطين المحتلة، التي أحدثها منذ فترة غير بعيدة، وفحواها يقوم على الغاء أو تذويب أي مفعول للتفوق العسكري الاسرائيلي الحاصل حاليًا، فيما لو دخل عناصر النخبة الى الجليل، أو فيما لو تعطلت وعبر هجوم سيبراني ايراني، منظومة القيادة والسيطرة الاسرائيلية بشكل جزئي أو واسع، لأسلحتهم المتطورة أو لقاذفاتهم المتميزة.
 

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات