طوفان الأقصى

آراء وتحليلات

مواجهة
15/04/2020

مواجهة "فيروس كورونا": إنجازٌ لبناني وشعوبٌ غربية "مُستضعفة"

د. محمد علي جعفر*

لا شك أن دولًا عدة تهتم بتمويل عملية الأبحاث والدراسات التي تجريها مراكز البحث المختبري أو مراكز البحث الطبي المرتبطة بالنظام الصحي. وهي مسألة طبيعية لا سيما في الدول التي تعتمد فيها عملية صُنع القرار على عدد من الخيارات السياساتية التي تنبثق عن مجموعة من الأبحاث والدراسات العلمية التخصصية وهو الأمر الغائب عن دولنا النامية. وهنا فإن تبني البعض لنظرية المؤامرة فيما يخص "فيروس كورونا" قد يكون منطقياً مع ضرورة عدم الوقوع في فخ المبالغة. فمن المعروف أن الدوائر العلمية في الجيوش التابعة للدول التي تمتلك مشاريع سياسية وعسكرية وأمنية تتخطى حدودها الجيوسياسية، تدخل في برامج بحثية تطال كافة المجالات ومنها الطبية. لكن أسئلة كثيرة بات من الضروري طرحها حول هذا الموضوع، لا سيما بعد أزمة فيروس كورونا العالمية والتي يمكن استخلاص عددٍ من الحقائق منها والتي تصلح للاعتماد عليها في التحليل. فما هي الأساليب التي تعتمدها الدول في استغلال أزمة كورونا؟ وكيف تستفيد من ذلك علمياً وسياسياً ومالياً؟ ولماذا نجحت دول نامية مثل لبنان وأخفقت دول غربية متقدمة في استيعاب الوباء؟

عدة حقائق يمكن الانطلاق منها والبناء عليها في التحليل، وهي كما يلي:

أولاً: أثبتت الأبحاث المختبرية أن فايروس "كوفيد - 19" يتشارك مع فيروسات أخرى بنسبة مرتفعة من التسلسل الجيني المتجانس خصوصاً مع "سارس" والذي يتشابه مع كورونا بما يزيد عن 80% من تسلسل الحوامض النووية. وهنا تُشير دراسات الى أن العلماء الأمريكيين توصلوا عام 2015 الى وجود فايروس كورونا ورغم ذلك لم تعمل مختبرات انتاج اللقاحات على إيجاد العلاج المناسب له لأسباب ترتبط بغياب الربح والعائد المالي المطلوب والذي يعود للشركات العالمية الكبرى في مجالات الصيدلة واللقاحات.

ثانياً: تُعلن يومياً دول عدة إنتاجها لقاحا للفايروس، وهو ما يعود لإكتشاف المختبرات العلمية للخريطة الجينية للفيروس خلال الأسابيع الماضية بالإضافة الى معرفة البروتين الأساسي الذي يُكون الفايروس. لكن ذلك لا يعني الوصول الى لقاح خصوصاً أن جميع هذه المختبرات تعود لتؤكد أن الواضح حالياً هو إمكانية معالجة العوارض من جهة، وأن أي تطوير لأي لقاح لن ينتهي قبل نهاية العام المنصرم ولو تم اتباع المنهجيات العلمية السريعة في تطوير اللقاحات من جهة أخرى.

وهنا فإن هذه الحقائق تطرح علامات استفهام حول المغزى من ترويج بعض الأطراف لنفسها على أنها أوجدت اللقاح المناسب، وهو ما يمكن تفسيره بعدة أمور في التالي:

أولاً: تستغل بعض مراكز الأبحاث الطبية الظرف الراهن لحصولها على تمويل وميزانيات مناسبة من دولها أو منظمات دولية تحت حجة تطوير اللقاح في ظل غياب المعايير والرقابة للمنظمات الصحية والطبية والسيطرة عليها من حيتان المال والسياسة في الدول والتكتلات الحاكمة للسياسة الدولة.

ثانياً: تسعى بعض مراكز الأبحاث الى حجز مكان لنفسها في الوسط العلمي من جهة ولعب دور أساسي في صُنع مستقبل النظام السياسي وهو ما يدفع البعض للترويج للحرب البيولوجية مع ضرورة لحاظ أن هذه الفرضية ما تزال قائمة لكن التساؤلات تُطرح حول كيفية الاستفادة منها، وهل باتت سياسة وتكتيكا راهنا لفرض معادلات في الصراع الدولي المُستجد؟

وهنا فإن هذه الحقائق والتحليلات تقودنا الى التساؤل حول الأسباب خلف نجاح دول في الشرق وهي دول ما تزال صاعدة، مقارنة بدول غربية تُعتبر مثالا للتطور والحداثة. وهو ما يدفعنا الى طرح النقاش حول القيم الإنسانية الحاكمة للعمل السياسي، لا سيما مدى مطابقة هذه القيم مع احتياجات الشعوب، الأمر الذي كشفته طريقة تعاطي الدول مع الوباء أمام شعوبها. ففي حين نجحت دول عديدة في فرض خطط واجرءات استيعابية، فشلت دول أخرى، فيما كان السبب، استخفاف الطبقة السياسية الحاكمة بالمرض من جهة، وعدم مبالاتها بحياة شعوبها من جهة أخرى. وهو ما أبرز الفجوة الكبيرة بين قيم وتوجهات النخبة الحاكمة للدول في الغرب وقيم وتوجهات شعوبها التي باتت اليوم مُستضعفة!

في لبنان نجحت الحكومة اللبنانية في خطتها الاستيعابية للوباء. ولعل حكومة الرئيس حسان دياب - والتي هي بحسب رأيي الحكومة اللبنانية النموذجية الأولى في تاريخ لبنان وذلك لأسباب عديدة لا يمكن حصرها في هذا المقال - نجحت وتغلبت حتى الآن على الأزمة رغم الإمكانات الضئيلة والواقع السياسي الذي ما تزال تطغى عليه التجاذبات التقليدية الحاكمة للحياة السياسية في لبنان. وهنا قراءة في أسباب النجاح:

1. تمكنت الحكومة من اصدار قرارات وطنية وبشكل تدريجي يستوعب ويُؤمن شراكة المواطن مع التوجهات الرسمية لا سيما شراكة القطاعات الأساسية.

2. رغم غياب الثقة بالنظام السياسي نجحت الحكومة في تفعيل دورها وأعادت بعض الثقة بين المواطن والجهاز الحكومي.

3. نجحت وزارة الصحة في وضع خطة صحية متميزة ومتكاملة فيما نجح الفريق الطبي واللوجستي في أداء الدور المطلوب بالتعاون مع الإدارات المحلية والأحزاب في المناطق.

4. عدَّلت مواقف الوزراء المسؤولين بالإضافة الى مواقف رئيس الوزراء من الخطاب السياسي التقليدي المليء بالشعارات حيث اقترن الكلام الرسمي للحكومة الحالية والمرتبط بمعالجة الأزمة بالأداء الواقعي والعملي الملموس والخلفية الإنسانية والأخلاقية وهو ما لم يعتده اللبنانيون في ظل الحكومات السابقة.

إذاً نجح لبنان في إدارة أزمة فيروس كورونا حتى اليوم. وهو ما يُعتبر إنجازاً لحكومة ورثت من أسلافها دولة منهوبة الموارد وأجهزة مترهلة إدارياً. نجحت الحكومة اللبنانية في القيام بدورها رغم بعض الطبقة السياسية التي لم تقتنع حتى اليوم أن الزمن تغيَّر وأن أدوار المستقبل لن تكون كالماضي. ولعلنا نحن اللبنانيين نُخباً وشعبا مضطرون لإدراك وتحديد مصالحنا أكثر من أي وقتٍ مضى. فمتى سنُقرر نحن اللبنانيين تحديد مصالحنا الجامعة وهو الأمر الممكن؟ وهل يعتبر البعض في لبنان من سقوط دولٍ عظمى وبالتالي تتغير رهاناتهم؟ وهل يعود البعض للغة الشعوب وآمالها في الخطاب والقرار السياسي؟ وهل يُدرك اللبنانيون أن أزمة كورونا هي مسار قد تنتهي خلاله مشكلة الوباء لكن نتائج الأزمة ستفرض واقعا سياسيا محليا وإقليميا ودوليا جديدا يحتاج لمقاربة مختلفة؟ وهل يُعيد البعض النظر في الدور المستقبلي المطلوب لا سيما الأحزاب وعلى صعيدها الخاص والوطني؟ ومتى يقتنع اللبنانيون بأن أحداً لن يأتي لإنقاذهم ويؤمنون بضرورة المبادرة لتقرير مصير وطنهم ورسم مستقبلهم؟

*باحث متخصص في نُظم السياسات والحوكمة

فيروس كورونا

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات