طوفان الأقصى

آراء وتحليلات

النزاع التركي ـ اليوناني والنفط والغاز في شرق المتوسط
24/02/2020

النزاع التركي ـ اليوناني والنفط والغاز في شرق المتوسط

جورج حداد

في الأيام القليلة الماضية، قام وزير الخارجية اليوناني نيكوس ديندياس بزيارة رسمية الى لبنان اجتمع خلالها بالرؤساء الثلاثة وأجرى محادثات مع وزير الخارجية اللبنانية، حيث أعلن الوزير اليوناني دعم بلاده لتشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة وعملها لحل الازمة الاقتصادية والمالية التي يمر بها لبنان. ويقول العارفون إن السبب العميق الذي يكمن خلف الزيارة هو مسألة استخراج النفط والغاز من شرقي المتوسط، وبالتحديد سعي اليونان لحشد الدعم لموقفها في النزاع الناشب بينها وبين تركيا حول ترسيم الحدود البحرية التي سيجري التنقيب فيها لاستخراج النفط والغاز.

فمسألة استخراج النفط والغاز في شرقي المتوسط هي عامل أساسي في تحديد السلوك السياسي والعسكري لتركيا في سوريا كما في شرقي المتوسط عامة. اذ تأمل تركيا "الاردوغانية" ذات التطلعات العثمانية الجديدة ان تتحول تركيا الى دولة كبيرة منتجة للنفط والغاز والى ممر اجباري رئيسي لتصدير النفط والغاز من شرقي المتوسط الى البلدان الاوروبية. وهي تحوز التأييد الضمني لمطامحها هذه من قبل الولايات المتحدة الاميركية.

وكانت تركيا قد وقعت في 27 تشرين الثاني الماضي اتفاقا مع حكومة السراج الليبية حول ترسيم الحدود البحرية للبلدين. وبموجب هذا الاتفاق يتم انشاء ممر بحري يصل المياه الاقليمية التركية بالمياه الاقليمية الليبية. وقد نشرت الصحافة التركية خرائط لهذا الممر. وتقول المراجع اليونانية ان هذا الاتفاق هو غير شرعي ويمس السيادة والحقوق البحرية لليونان وان الممر المعلن عنه يخالف القوانين البحرية الدولية وهو يقضم قطاعا واسعا من المياه الاقليمية لليونان والجزر اليونانية. واحتجاجا على ذلك استدعى وزير الخارجية اليوناني السفير الليبي في اثينا وابلغه بقرار الطلب اليه ان يقدم للحكومة اليونانية نص الاتفاق مع تركيا والا يتم ابعاده من البلاد.

وفي الوقت ذاته، قال الرئيس التركي إن الاتفاق هو حق سيادي لتركيا وستبدأ التنقيب بشكل مشترك مع ليبيا في الممر المحدد بموجب الاتفاق المذكور. وقال الناطق باسم وزارة الخارجية التركية حامي اكسوي ان الاتفاق مبني على مبادئ القانون الدولي وان الجزر (اليونانية) لا يمكن ان يكون لها مياه اقليمية. واكد وزير الطاقة التركي فاتح ديونميز انه بعد تصديق الاتفاق من قبل البلدين فإن السفن التركية ستبدأ التنقيب في قطاع المياه المحدد بموجب الاتفاق. ولكن ناطقا باسم حزب "الدمقراطية الجديدة" الحاكم في اليونان وهو النائب انجيلوس سيريوس صرح بأن تركيا لن تستطيع ان تبدأ الحفر.

وهذا مع العلم أن تركيا سبق لها أن أرسلت سفينتين للتنقيب البحري في شرقي وغربي جزيرة قبرص ايضا، ضاربة عرض الحائط ببعض الاعتراضات من جانب الاتحاد الاوروبي. وقد ردت تركيا على تلك الاعتراضات بارسال قوات بحرية لحماية سفينتي التنقيب. وفي الاسابيع القليلة الماضية سجل الجانب اليوناني 12 خرقا للمجال الجوي للجزر اليونانية قامت بها طائرات F-16 التركية. ومع ان الاسطول اليوناني لم يصدر عنه اي بيان، ولكن بعض الخبراء العسكريين ابلغوا قناة "الجزيرة" ان اليونان قد ارسلت قوات بحرية الى المياه الاقليمية اليونانية موضوع النزاع جنوبي شرقي جزيرة كريت. وهذه التطورات وضعت البلدين على شفير الصدام المسلح. وعقد في اثينا اجتماع مشترك لممثلي وزارتي الدفاع للبلدين للبحث في تهدئة الاوضاع وعدم التعرض لحوادث مفاجئة.

وفي الاجتماع الأخير للجمعية البرلمانية لحلف "الناتو" الذي عقد في لندن، غادر الوفد اليوناني قاعة الاجتماع احتجاجا على أن الرئيس أعاق اعضاء الوفد اليوناني من عرض وجهة نظر اليونان في الخلاف الناشب مع تركيا. وقد وقع بيان احتجاج الوفد اليوناني ممثلو الاحزاب اليونانية الثلاثة: حزب "الدمقراطية الجديدة" الحاكم، وحزب SIRIZA المعارض، و"حركة التغيير" اليونانية  KINAL.

 وفي الوقت نفسه ادلى امين عام حلف الناتو ينس ستولتنبرغ بتصريح الى جريدة KATIMERINI اليونانية قال فيه ان الحلف سيقف على الحياد ولن يتدخل في النزاع التركي ـ اليوناني ودعا البلدين الى حل المشكلات مباشرة فيما بينهما. واضاف "ان اليونان وتركيا هما حليفان مهمان للحلف، والدولتان تساهمان في أمننا المشترك". وبالرغم من ذلك فإن رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس قال ان بلاده ستطلب الدعم لموقفها من قبل الاعضاء الاخرين في حلف الناتو.

ان اعادة تحريك العصابات الارهابية التكفيرية المهزومة في سوريا وارسالها من سوريا الى ليبيا، والاتفاق البحري التركي ـ الليبي، والتعدي التركي على المياه الاقليمية لقبرص واليونان، والتعديات الاسرائيلية على الحدود البرية والبحرية اللبنانية، و"صفقة القرن" لتصفية القضية الفلسطينية و"تحييد" الشعب الفلسطيني المقاوم، واستمرار الحملة المعادية لسوريا، وتخريب العراق، والحملة المسعورة ضد  الثورة الاسلامية الايرانية، والتضييق على حزب الله ومحاولة خنق لبنان اقتصاديا وماليا، كلها أجزاء من سيناريو كبير، تديره الولايات المتحدة الاميركية، ويتم فيه توزيع الأدوار، وتشارك فيه السعودية وزعانفها الخليجية وتركيا و"اسرائيل"، بقصد السيطرة على استخراج النفط والغاز في شرقي المتوسط، والحؤول ـ وعلى الاقل التقليص الى الحد الاقصى ـ دون اضطلاع روسيا والصين وايران بدور رئيسي في هذه العملية، التي ستغير جذريا وضع المنطقة ويكون لها تأثير كبير على الاوضاع الجيو- استراتيجية العالمية برمتها. ان المصير التاريخي لشعوب منطقة الشرق الاوسط أصبح مرهونًا بشكل وثيق بعملية استخراج النفط والغاز في شرقي المتوسط.

تركيا

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات