طوفان الأقصى

آراء وتحليلات

حكومة الانقاذ: الأولوية لمن؟
21/02/2020

حكومة الانقاذ: الأولوية لمن؟

يوسف الريّس

البحث عن الحلّ الأجدى للأزمة هو المهمة الأساسية للحكومة في لبنان، لذلك يحاول مجلس الوزراء الحالي بالاستفادة من كل الإمكانات الداخلية والخارجية بدء العمل على استراتيجية اقتصادية هدفها القيام من تحت أنقاض الحريرية السياسية (سياسة الاستدانة والاستهلاك). لم تُتخذ إلى الآن القرارات العملية بأي من الحلول المقترحة من إعادة هيكلة للدين العام، دفع استحقاقات آذار، هيركات، خفض الفوائد أو حتى المضي بسياسة تحرير سعر الصرف.

إن ما يصعّب اتخاذ القرار هي التبعات الصّعبة على الشّعب اللبناني في حال السير بأيّ من السّياسات، إلا أن وضع الشعب اللبناني كأولوية على حساب المصارف ورأسماليّي لبنان سيجعل القرار أسهل.

في ظل المباحثات، ومحاولة جمعية المصارف الضغط على صانعي القرار لدفع مستحقات اليوروبوندز في آذار تحت ذريعة الخطر على القطاع المصرفي وبالتالي انهيار آخر ما تبقى من النموذج الاقتصادي السائد، يصدر حاكم مصرف لبنان قرار وضع حدّ أقصى للفوائد على الودائع بالليرة والدولار لتصبح 7.5 % الحد الأقصى للفائدة على الودائع بالليرة لما فوق السنة و4% على الودائع بالدولار لما فوق السنة. إن هذا القرار يمسّ الودائع فقط ولا يطال الفائدة على القروض، ليوضح الحاكم من جديد ولاءه الأبدي للمصارف.

إن ما يعيشه اللبنانيون من هيركات غير مقونن هو نتيجة رفض الحاكم رياض سلامة والحكومة السابقة المسّ بمصالح 1% من المودعين. أما اليوم فالسلطة الحالية أمام تحدّي اختيار الخاسر، إما الشعب وإما الانتهازيون على مدى ثلاثين عاما.

توضح أرقام جمعية المصارف بوثيقة مسربة عن نسب المودعين أن نسبة 1% أي 25 ألف مودع يملكون 52 % من مجموع الودائع أي بما يقدّر بـ88 مليار دولار عام 2018، وأصبحوا يملكون 47% من مجموع الودائع أي بما يقدّر بـ73 مليار دولار بحدود كانون الأول من العام 2019. وبما أن الأزمة شديدة ولا بد من هيركات، فالمضي نحو هيركات منظم حسب حجم الوديعة نسبة الى مجمل الودائع هو الحلّ الأنسب لتقليص الفجوة ما بين الطبقات الاجتماعية وفعّال أكثر على صعيد عائدات سياسة الهيركات.

إن هروب الرساميل في عام 2019 كان من فئة الـ1% من المودعين بحيث انخفضت ودائعهم بقيمة 15 مليار دولار بينما انخفضت قيمة ودائع باقي اللبنانيين 355 مليون دولار فقط. وهنا يظهر جليا مدى استنسابية الكابيتال كونترل الذي اتبعته المصارف ومحدودية فعاليته وضرورة متابعته من قبل الدولة اللبنانية.

فالمصارف لا تزال تحاول تحييد نفسها عند دفع تكاليف الأزمة التي كانت الرابح الأبرز منها. فبحسب بلومبيرغ، باع الدائنون المحليون للدولة  سندات بقيمة 500 مليون دولار لمجموعة Ashmore لتصبح هذه الشركة تملك 25% من مجمل السندات في نهاية عام 2019.

تقوم الدولة بالتحقيقات اللازمة في هذا الملف في محاولة لفهم مدى صعوبة المضي قدمًا بإعادة هيكلة الدين العام بعد بيع السندات للجهات الخارجية.

اتجهت الحكومة نحو استشارة فنية من البنك الدولي رغم إعلاناته الدائمة عن نظرته لحلّ الأزمة عبر مشاريع خصخصة، وتقليص حجم القطاع العام. والمضي بهذين الاقتراحين المعلنين سابقا بات ضرورة، ولكن على أن يترافق مع كسر تام للنموذج الاستهلاكي الذي قدمه أصحاب السلطة منذ التسعينيات حتى اليوم.

يتجه فريق من صندوق النقد الدولي الى بحث حالة الاقتصاد اللبناني، والحلول يجب أن تكون مبنية رغم هذه الأزمة، على إعادة الانتاج في مختلف القطاعات وخاصة الزراعة والصناعة ودعم أكبر لشركات التكنولوجيا عوضًا عن الاكتفاء بخيارات الاستدانة والمنح الأجنبية.

فالحفاظ على تراكم رساميل المصارف على حساب الشعب بحجة تثبيت سعر الصّرف نهج لا بد أن ينتهي. إن المضي بدفع الدين العام الداخلي في آذار يعني قرارًا بالبقاء على سياسة أولوية مصالح أصحاب المصارف على مصالح المواطنين وغذائهم ودوائهم. فالدولة ستتخلف عن السداد عاجلا أم آجلا، والحفاظ على ممتلكات الدولة الآن من احتياطي العملات هو واجب وطني.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات