يوميات عدوان نيسان 1996

آراء وتحليلات

واشنطن وسياسة الضغط بالإصلاح: بومبيو وحكومة لبنان
24/01/2020

واشنطن وسياسة الضغط بالإصلاح: بومبيو وحكومة لبنان

د. علي مطر

تسعى الولايات المتحدة الأميركية إلى جعل الشعوب والدول تابعةً لها وبحاجة دائمة للتعاون معها، لا بل فإنها تعمل لتكون متسلطة على هذه الدول وشعوبها. يحصل ذلك بوسائل شتى على الصعيد السياسي والاقتصادي الذي يرتبط بشكل مباشر بسيطرتها على جيوبولتيك الدول والمناطق ذات الثروة الطائلة، وكونها تتحكم بالعلاقات الاقتصادية الدولية بشكل واضح، ومن خلال ما تعتمده من سياسة العصا والجزرة، بالاستناد إلى وسائل متعددة لتجعل العلاقات الاقتصادية متحكمة بالعلاقات السياسية في الكثير من الأحيان، من خلال إخضاع الدول لشروطها عبر المؤسسات الدولية، تارة من خلال صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي وأخرى عبر العقوبات الاقتصادية أو برنامج المساعدات الاقتصادية.

وقد أصحبت الدول العربية التي ترزح تحت هذه المعاناة أنموذجاً للسياسات الأميركية التسلطية نتيجة السياسات الاقتصادية والحكومية السيئة، التي أصبحت تعطي ذريعة لهذه المؤسسات للتدخل في شؤون هذه الدول. وفي مقابل ذلك، فإن الدول ذات الاكتفاء والتي لم تخضع، عادة ما تكون أمام الحروب العسكرية والاقتصادية والإفقار وهذا ما حصل مع سوريا كمثال حي.

لا شك أن التبعية لها أسبابها وهي نتيجة حتمية لهذه الأسباب التي على رأسها تفشي الفساد وسوء الإدارة وعدم الإصلاح الإداري. وهذه الشعارات التي باتت سيف واشنطن المصلت على رقاب حكوماتنا من أجل إخضاع شعوبنا لإرادتها، ومن خلال حثها على الدخول في سياسات الإصلاح المقرة في الصندوق الدولي، وبضرورة الذهاب نحو الاقتراض بشكل دائم من صندوق النقد الدولي أو التعاون المفرط مع البنك الدولي، المؤسستين الماليتين الدوليتين اللتين تحولتا إلى سيف واشنطن المصلت على رقاب الدول التي تعاني من مديونية عالية، ومنها لبنان ومصر والأردن والعراق وغيرها، ما يجعل سلطاتها مهددة بالابتزاز السياسي الدائم من قبل الولايات المتحدة الأميركية.

ويدفع تاريخ الدول النامية مع صندوق النقد الدولي الدول إلى الخوف، فما من دولة استسلمت لبرنامج الصندوق، إلا وطالها أذى ما في بنية اقتصادها، وقليلة هي الدول التي نجت من تبعات السياسة الاقتصادية العالمية. الصندوق الذي تأسَّس في العام 1944 بعد الحرب العالمية الثانية لإصلاح المسار الاقتصادي العالمي، وتجنب إخفاقات الرأسمالية العالمية في تجنب الحروب تقوم فلسفته على إلغاء الدعم الحكومي، كما أنه يضع شروطاً صعبة للموافقة على القروض. وهذه المؤسسات المالية العالمية تلعب دوراً كبيراً في السيطرة على الاقتصاد الدولي، وفي جعل اقتصاديات الدول تتبع سياسات إصلاحية، لكنها في الحقيقة سياسات تقود إلى تدمير الاقتصاد في تلك الدول، حيث يضرب هذا النظام عملية إعادة الهيكلة الاقتصادية العالمية، وتتمثل النتائج عادةً بارتفاع البطالة وانخفاض الأجور وتهميش قطاعات واسعة من السكان، وتقييد المصروفات الاجتماعية، وإلغاء كثير من إنجازات دول الرعاية.

وبحسب ما يقول نعوم تشومسكي فإنه "لا يمكن الحديث عن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ودورهما في تدمير الشعوب وإبادتها، دون الحديث أيضاً عن منظمة أخرى تتظافر جهودها في التدمير لصالح اثرياء الراسمالية مع جهود المؤسستين السابقتين وهي: "منظمة التجارة العالمية".

ما تقدم، هو ما نعاني منه حالياً في لبنان، حيث أبواب التدخل الأميركي مشرعة، وحيث تسمح واشنطن لنفسها دائماً بالتدخل في صميم السلطان الداخلي للبنان، وتخترق سيادتنا وتضغط علينا تحت شعارات الإصلاح فيما هي تسعى إلى معاقبتنا وإفقارنا وتجويعنا ومنعنا عن فتح علاقات اقتصادية مع دول أخرى تدر علينا الخيرات، ومنعنا من الاستفادة من نفطنا، فيما تقف الى جانب الكيان الإسرائيلي في قضم حقوقنا النفطية، وتأخير مساعينا وجهودنا في التنقيب عن النفط. ويكون هذا الضغط تارةً بالعقوبات وأخرى بوقف المساعدات وثالثة عبر الضغط للجوء إلى صندوق النقد، أو الضغط المباشر من قبل المسؤوليين الأميركيين. وقد صب في هذا السياق، كلام وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الذي مارس تهديداته على الحكومة الجديدة وأعلن شروطه عليها، تماماً كما في تصريحه من وزارة الخارجية في بيروت العام الفائت، وذلك تحت مسمى حجب المساعدات والتعاون، وتخيير اللبنانيين بين التعامل مع حزب الله أو العقوبات الشاملة، أو الدخول في أزمة مالية خانقة خلال الأسابيع القادمة، وفي حال لم تسمع الحكومة اللبنانية لشروط أميركا وتنفذها فإنها ستكون فاسدة ويحكم عليها بالموت الأميركي الذي ورد بشكل غير مباشر بكل السياسات الأميركية وبعجرفة معهودة من قبل بومبيو خاصةً.

مايك بومبيو

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات