يوميات عدوان نيسان 1996

آراء وتحليلات

تغريدة تطيح بخطة نتنياهو
05/10/2019

تغريدة تطيح بخطة نتنياهو

جهاد حيدر

ينبع الاهتمام السياسي والاعلامي، بمستجدات الحراك الداخلي الإسرائيلي من مفهومين أساسيين: الأول أن الكيان الإسرائيلي هو جزء من المعادلة الاقليمية، ومن المعادلة المحلية للعديد من الدول المحيطة بفلسطين المحتلة. والثاني، أن الحراك الداخلي في كيان العدو يشكل عاملاً أساسيًا في انتاج القيادة السياسية التي تصنع القرار السياسي والأمني، وعاملاً محدِّدًا له موقعه إلى جانب عوامل أخرى، في بلورة السياسات الاقليمية.

يصح القول أن متابعة ومحاولة فهم التجاذبات التي يشهدها كيان العدو في تشكيل حكومته، والمسارات التي قد يسلكها، وصولًا إلى تحديد مصير نتنياهو السياسي والقضائي، ليس ترفًا اعلاميًا، ولكنه أيضًا ليس قضية مفصلية ستتحدد في ضوئها مسارات المنطقة، كما قد يتوهم البعض. فكيان العدو أحد أطراف المشهد الاقليمي يؤثر ويتأثر فيه، ولا يعني ذلك بالضرورة أن كل تطور داخلي له انعكاساته ومفاعيله الخارجية.

فيما يتعلق بمستجدات الوضع الداخلي، فشل نتنياهو حتى الآن في اقناع كتلة "ازرق ابيض" برئاسة بني غانتس بالموافقة على المشاركة في حكومة وحدة برئاسته وفق صيغة قدمها رئيس الدولة، رؤوبين ريفلين، يتم بموجبها نقل صلاحيات رئيس الحكومة إلى نائبه غانتس لدى صدور لائحة اتهام بحقه، على أن يبقى نتنياهو في منصبه لكن من دون ممارسة صلاحياته. وهو بذلك، يضمن أمرين، الأول أن نتنياهو يبقى محصنًا في موقعه لمواجهة التحدي القضائي من موقعه كرئيس للحكومة، وفي الوقت نفسه يتم الحد من دوره في صناعة القرار السياسي والامني، ما دام متهمًا.

تواجه "إسرائيل" أزمة لم تشهدها طوال تاريخها هي في الواقع أعراض لأزمات أعمق تجذرا في الواقع الاجتماعي

يبدو أن من العوامل الأساسية التي ساهمت في رفض كتلة أزرق ابيض، هذا العرض، رهانها على أن استمرار الضغط على نتنياهو وفشله في تشكيل الحكومة قد يؤدي إلى حصول تمرد داخل الليكود ضده ويؤدي إلى الاطاحة به. خاصة وأن الذهاب نحو انتخابات مبكرة للمرة الثالثة خلال أقل من سنة، سيكون مرفوضاً من قبل أغلب الجمهور الإسرائيلي. أضف إلى أن المسار القضائي لنتنياهو قد انطلق في ضوء الاستماع الذي يدلي به محامو نتنياهو أمام المستشار القضائي للحكومة، الذي يفترض أن يصدر قراره النهائي بخصوص لائحة الاتهام خلال الاسابيع المقبلة. وفي هذه الحالة، ليس من مصلحة الليكود ونتنياهو التوجه إلى انتخابات مبكرة في الوقت الذي تم فيه توجيه لائحة اتهام رسمية بحق نتنياهو.

انطلاقًا من هذه الرؤية كان تصلب أزرق أبيض في موقفه، وعلى ما يبدو يقترن هذا التصلب بالقلق من أن يدفع ذلك رئيس "إسرائيل" بيتنا افيغدور ليبرمان إلى تغيير ما في موقفه بحيث يوفر لنتنياهو الأغلبية المطلوبة لتشكيل الحكومة. وفي هذه الحالة تسقط كل الرهانات والخيارات. لكن هذا السيناريو لم يتحقق حتى الان، إلا أنه ليس مستحيلًا، وإن حصل فلن يكون مفاجئًا، خاصة وأن ليبرمان في الوقت الذي يصر على تشكيل حكومة وحدة يشارك فيها كتلة أزرق ابيض، ويدعو إلى اقصاء الحريديم وفرض التجنيد عليهم في الجيش، يؤكد أيضًا على عدم وجود ما يفرض على رئيس الحكومة الاستقالة حتى لو صدر بحقه لائحة اتهام، أضف إلى أنه يتشدد في موقفه من منع اجراء انتخابات ثالثة، وهو ما قد يشكل مبررًا في مرحلة لاحقة لتبرير الانقلاب على شعاراته التي خاض في ظلها الانتخابات.

بادر أهم منافس لنتنياهو داخل حزب الليكود إلى الاعلان عبر تغريدة في التويتر "انا مستعد"

 في هذه المرحلة من الضغوط والرهانات المتبادلة، بادر نتنياهو إلى خطوة اجراء انتخابات تمهيدية خاطفة في الليكود من أجل اعادة انتخابه، وهدف من وراء ذلك إلى اسقاط الرهان لدى ازرق ابيض، على أن استمرار الضغط قد يؤدي إلى الاطاحة بنتنياهو من رئاسة الليكود. وهو ما لفت اليه نتنياهو بنفسه، عندما قال أن "ازرق ابيض، يبنون على انقلاب (في الليكود) وينبغي انزال ذلك عن الاجندة". ويبدو أن نتنياهو راهن على أن تؤدي هذه الانتخابات الداخلية إلى تليين موقفهم والقبول بالدخول في حكومة وحدة برئاسته.

لكن الذي حصل أنه في أعقاب الاعلان عن هذا السيناريو، بادر أهم منافس لنتنياهو داخل حزب الليكود، غدعون ساعر، إلى الاعلان عبر تغريدة في التويتر "انا مستعد"، في اشارة إلى استعداده لخوض المنافسة بوجه نتنياهو على رئاسة الليكود. واللافت أن أحدًا غيره من الطامحين للمنصب نفسه، لم ينطق بأي كلمة. هذا وكان نتنياهو قد حاول العام الماضي، الدفع بمشروع قانون عُرف إعلاميًا باسم "قانون غدعون ساعر"، وتم سنّه في الكنيست بالقراءة الأولى، وينصّ على أن يُكلف رئيس القائمة فقط برئاسة الحكومة، خشية من "مؤامرة" نشرتها صحيفة "يسرائيل هيوم" المقرّبة من نتنياهو، في حينه، جاء فيها أنّ الرئيس الإسرائيلي، رؤوفين ريفلين، يسعى إلى تكليف ساعر بتشكيل الحكومة حتى لو فاز نتنياهو. والواقع أن القانون الموجود الان، ينص على أن رئيس الدولة يختار عضو كنيست، ولا يشترط أن يكون المرشح لتشكيل الحكومة رئيسا للكتلة أو رئيسا للحزب. وفي كل الأحوال، لم يأخذ المشروع طريقه حتى النهاية، وبقي القانون الأساسي كما هو.

تغريدة تطيح بخطة نتنياهو

في الخلاصة، أدت تغريدة ساعر إلى كشف مخاوف نتنياهو من هشاشة مكانته التي استجدت داخل الليكود في ضوء التطورات السياسية والقضائية الأخيرة ودفعته للتراجع عن حملة المبايعة التي كان يخطط لها تحت عنوان انتخابات تمهيدية. وبالنتيجة ما زالت حكومة "إسرائيل"، أسيرة نتنياهو ومصالحه القضائية. وما زالت المنظومة السياسية والحزبية في كيان العدو أمام الخيارات نفسها، إما اجراء انتخابات مبكرة للمرة الثالثة، يكون لها أثمان سياسية واقتصادية إضافية. وإما تنحّي نتنياهو عن منصبه، طوعًا أو كرهًا. وإما تحول في توجهات إحدى الكتل يبرّر الالتحاق بحكومة برئاسة نتنياهو، وعندها لن يكون هناك مشكلة في ايجاد المبررات لخطوة من هذا النوع، وتحديدا في ظل ما تواجهه "إسرائيل" من تحديات سياسية وأمنية واقتصادية.

ففي كل الاحوال تواجه "إسرائيل" أزمة لم تشهدها طوال تاريخها، هي في الواقع أعراض لأزمات أعمق تجذرا في الواقع الاجتماعي، وأبلغ دلالة على حاضر ومستقبل "إسرائيل".

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

خبر عاجل