لماذا خفتت أصوات دول الخليج؟

محمد باقر ياسين

تمر منطقة الشرق الأوسط بحالة استنفار، وسط اللعب على فرض المعادلات بين أميركا التي ارتكبت أكبر حماقة بتاريخها الحديث، باغتيال القائدين الشهيدين الحاج قاسم سليماني والحاج أبو مهدي المهندس في العراق، وبين إيران التي نفذت ردها الأولي بشكلٍ مدروس وباقتدار على القاعدة التي انطلقت منها طائرة الاغتيال. ومنذ تلك الفترة إلى يومنا هذا، يسكن الرعب قلوب دول الخليج من أي حربٍ تفرضها عليها الولايات المتحدة الأمريكية وتزجها فيها، فكيف تجلى الرُعب الخليجي؟ وما خيارات الدول الخليجية؟

بعد قيام القوات الأمريكية بجريمة الإغتيال، سارعت جميع الدول الخليجية على غير عادة إلى إصدار موقف موحد ببيانات متعددة، مفادها نحن لسنا معنيين بالتصعيد الحاصل بين أمريكا وإيران، وندعو لضبط النفس وعدم الانجرار إلى مواجهة. منذ الخلاف الخليجي لم يتفق الخليجيون على موقف كهذا، أي أن الذي وحدهم اليوم هو الرعب، فكيف تجلى الرُعب لدى كل دولةٍ خليجية على حدة؟

في السعودية وهي الدولة الأكبر في الخليج والتي تتمتع بقدرات عسكرية هائلة مقارنة بجاراتها الخليجية، تجلى الرعب فيها من خلال الرسالة التي نقلها نائب وزير "دفاعها" خالد بن سلمان خلال زيارته لترامب منذ أيام، وتفيد الرسالة أن السعودية قلقة ولا تريد أن ترى تصعيداً في الصراع بين الولايات المتحدة مع إيران، وخائفة من إمكانية تعرضها لضربات صاروخية إيرانية. وطلب من ترامب عدم وضع السعودية في الخطوط الأمامية في أي مواجهة من هذا النوع، مؤكدا أن السعودية ليست مطمئنة لمدى التزام ترامب بدعم الدول الخليجية، فعندما استُهدفت أرامكو لم يبادر الأمريكي للدفاع عن السعودية عسكريا ولم يرد على إيران رغم إعلانه حينها أن "ما قامت به إيران" - وفق الاتهامات المعادية - هو إعلان حرب، فلماذا يريد ترامب أن يزج بالسعودية في حربٍ مع إيران الآن؟

أما الإمارات، فتجلى الرعب فيها من خلال ما نقل عن ولي عهدها محمد بن زايد، الذي أبدى قلقه من احتمال انزلاق أمريكا إلى حرب أو مواجهة مع إيران، ويخشى من أن تكون بلاده واحدة من الأهداف الأولى في هذه الحرب.

كما يتجلى أيضاً بتغريدة المقرب من بن زايد، عبد الخالق عبد الله الذي قال: "إذا أرادت إيران الانتقام من أمريكا فلديها ما يكفي من القواعد العسكرية الأمريكية في العراق ولا تحتاج لاستهداف مواقع ومعسكرات ومنشآت في دول الخليج العربي. الساحة العراقية هي الأقرب للطرفين لتصفية حساباتهما"، كذلك في بيان المكتب الاعلامي لحكومة دبي الذي جاء فيه: "ما تم تداوله من إشاعات حول مزاعم بتهديدات موجهه لامارة دبي لا يستند لأي مصدر رسمي من أي مؤسسة في الحكومة الإيرانية، كما لم يصدرعن أي مسؤول إيراني، لذلك يُرجى توخّي الحذر والدّقّة لدى نشر مثل هذه الشائعات".

كذلك البحرين التي بدت انعاكاسات حالة الرعب في موقفها الرسمي الذي دعا لضبط النفس وعم الانجرار إلى الحرب، ومن خلال الأمر الملكي الذي أُعفيَ بموجبه وزير الخارجية خالد بن أحمد آل خليفة، المعروف بالحقد الذي يكنه الرجل لإيران، حيث لا يفوت أي مناسبة إلا ويقوم فيها بالتهجم على إيران، والذي يستحق التوقف عنده هو توقيت العزل، الذي كان بيوم الاغتيال. ومن المستغرب صمت آل خليفة منذ الضربة إلى يومنا هذا، حيث لم يعلّقوا على الحادثة وتبعاتها.

أما قطر، فقامت بعدة زيارات واتصالات بإيران من أجل تحييد نفسها عن أي مواجهة، وخاصةً بعد ورود معلومات تفيد بأن طائرة الاغتيال انطلقت من أراضيها، وقد أكدت قطر أيضاً معارضتها لأي تصعيدٍ أمريكي يستهدف إيران.

كذلك الكويت، فرغم العلاقات الجيدة التي تربطها بكلا الطرفيين إلا أنها قلقة من أن تزج الولايات المتحدة الأمريكية بها في الحرب، لذا تعالت أصوات في الكويت لتقول إن الدولة غير معنية بأية حربٍ مع إيران وطالبت إيران بتحييدها في حال أرادت الرد على القوات الأمريكية، وقد قال النائب الكويتي السابق ناصر الدويلة "إنه على الدول الخليجية أن تتخذ احتياطاتها اللازمة، وعلى الجيران الإيرانيين أن يراعوا أن الذي استهدفهم هم الأمريكي ولا يصبوا جام غضبهم على ضعاف القوم، وأتمنى من الحكومة والكتاب والاعلاميين أن لا يستفزوا الإيرانيين فالظرف لا يسمح بهذا والموقف يتطلب الهدوء".

وأما سلطنة عمان الوسيط الدائم بين الطرفين، فسارعت إلى أخذ دورها المعتاد رغم قلقها الشديد من أن تكون القواعد الأمريكية التي على أراضيها عرضة للرد الإيراني، وقد ذهب وزير خارجيتها بعيداً بموقفه وكان متمايزا عن أقرانه، حيث قام بتعزية القيادة الإيرانية باستشهاد القائد سليماني، وقال: "نحن الآن في كارثة كبيرة أثرت على الجميع، القائد سليماني قدم خدمات مفيدة للغاية، ونطلب من الله أن يرحمه وأن يرحم جميع الشهداء".

خلاصة القول، أن الدول الخليجية جميعها عاشت حالة خوف من الرد الايراني، ولكن بشكلٍ متفاوت. الدول الخليجية اليوم بين مطرقة ترامب وسندان طهران، ولديها قلق من أن يقوم الأمريكي بضرب إيران انطلاقاً من القواعد الخليجية، الأمر الذي سيجر الخليج إلى حربٍ حتماً، لأن الموقف الإيراني واضح "أي ضربة تأتينا من القوات المتمركزة في الخليج سوف نرد بقسوة". وجلّ ما تخشاه دول الخليج هو تخلي ترامب عنها، فتجارب الرجل تفيد أنه لا يبالي بحلفائه ويبيعهم عند أي مفترق طرق يؤمن له مصالحه.

https://www.alahednews.com.lb/article.php?id=15070&cid=153