معنى العزة: هو قاسم سليماني ناقل ثورة المستضعفين الى الأممية

د. محمد علي جعفر

كأنه الانتصار الأممي للثورة الإسلامية الإيرانية. ومن مظاهر العظمة والجلال التي عبَّرت عنها مراسم دفن الشهيد قاسم سليماني نبدأ.

في لغة الزمن، تتطابق سنوات جهاد الحاج قاسم سليماني مع عمر الثورة الإسلامية منذ بزوغها عام 1979 الى انتصارها أممياً عام 2020. لقد أفهمت الجمهورية الإسلامية العالم بأسره اليوم، ما تعنيه عزة الشعوب والدول، وعرَّفته على جوهر الثورة الإسلامية الإيرانية التي لم تكن يوماً بمعانيها وقِيَمها محدودةً بجغرافيا بل هدفت لتكون أممية. وهي المُقتضيات الزمنية الطبيعية التي أخَّرت اكتساب الثورة الإسلامية طابعها العالمي.

في لغة المعاني، طَوَت مراسم الدفن العظيمة للشهيد قاسم سليماني، بدلالة حصولها بعد الرد الإيراني النوعي، مرحلةً من عُمر الشعوب في العالم. ولم يرقد القائد العظيم في مثواه الأخير، إلا بعد أن فتح باب المرحلة المقبلة التي ستشهدها كل الشعوب دون استثناء، وكما أراد، مرحلة من العزة والانتصار. مسيرته الجهادية التي بدأت مع الثورة الإسلامية، استمرت من خلال دوره المركزي في قوة القدس كمسؤولٍ عن تصدير الثورة لنصرة المستضعفين في العالم. ظنَّ المستكبرون أن إنهاء الوجود المادي للجنرال سليماني سيقضي على دوره وسيُعيد المفاعيل العملية للثورة الإسلامية الى الوراء. لكنهم أخطأوا في تقدير الخطوة كثيراً. وحيث أخطأ العقل الأمريكي، نجح العقل الإيراني.

لم تكن خطوة واشنطن إلا مدخلاً لمرحلة جديدة نصَّبت الجمهورية الإسلامية الإيرانية كعرَّاب لسياسات المنطقة والعالم. وهنا، ليس الكلام إلا توصيفاً وتقييماً لمجموعة من الحقائق.

في معايير القوة هناك فرقٌ بين امتلاك القوة وإدارتها. جوهر القوة الحقيقية في إدارتها وليس امتلاكها. هو الحد الدقيق الفاصل بين سلوك أهل الحق المستضعفين وسلوك أهل الباطل المستكبرين في استخدام القوة.

في عالم إدارة القوة، نجحت الأمة الإيرانية حيث فشلت أممٌ وامبراطورياتٌ ومماليك ودولٌ كثيرة. نجحت لأنها أدركت باكراً معنى التمرُّد على الطغاة وكيفية تحقيق العزة منذ انتصارها في ثورة الإمام الخميني خلال سبعيينيات القرن الماضي. أوَلم يُمثل شاه إيران حينها استكبار الغرب في الشرق؟ وهل يَعقِل لمن قضى على الاستكبار في نفسه أن يَفشَل في إدارة الثورة على الاستكبار في العالم؟ إنها حقائق تاريخية. لكننا أمة لا تقرأ الدروس الحقيقية للتاريخ.

ما يجري اليوم نتيجة تأخَّر العالم عن فهمها. لكن الجمهورية الإسلامية، وجدت في اغتيال الشهيد قاسم سليماني الوقت المناسب لكي يعرف العالم أن القيم دوماً هي التي تنتصر ولو بعد حين. فترجمت بسلوكٍ دقيق ومُخطَّط، قِصاصاً عادلاً بمستوى الأمن القومي الإيراني وبحجم شهيد محور المقاومة. وحيث تتكامل خيارات الأمن القومي الإيراني مع مصالح محور المقاومة، تكتمل صورة الثورة الإسلامية، ويتحوَّل مشهدها نحو الأممية.

في لغة القوة، برزت عظمة وحكمة القيادة الإيرانية، كما برز معها صعودٌ في نقاط القوة لمنظومة الحق، قابله هبوطٌ لأمريكا كعنوانٍ للاستكبار، مع ما عكسته حالة التخبُّط والوهن، وهو معنى الضعف. أذلَّت إيران رأس الاستكبار. هي البداية، وسيلحقها قريباً جداً، انهيار منظومة الاستكبار بأبعادها السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية.

وبلُغة القوة أيضاً، جاءت مراسم الدفن بعد قصاصٍ، ترجم بنوعيته وكيفيته ومكانه وتوقيته معنى إدارة القوة. ومعها فُتحت مرحلةٌ سيكون عنوانها "العزة للمستضعفين والذلة للمستكبرين" وعلى امتداد العالم. أوليست هي المرة الأولى في التاريخ والتي يُدفن فيها قائدٌ عظيمٌ يحمل راية الحق بعد تنفيذ القصاص بأعدائه من المستكبرين من أهل الباطل؟ والأهم من ذلك هو أنه إذا كانت هكذا البداية، فكيف ستكون المرحلة المقبلة بحد ذاتها؟ وهنا من الضروري الوقوف عند ما حصل قبل الرد. أولم تحشد واشنطن كل علاقاتها الديبلوماسية للتوسُّط لدى طهران لمنع الرد؟ أولم تتحرك دولٌ كبرى لثني إيران عن الرد على أن تُحدد إيران شروطها وستوافق واشنطن؟

الرد الأول حصل. وفي تقييم نتائجه بدت واضحةً معالم التحوُّل في ميزان القوة. لكن هذا التحوُّل مع ما يُشكِّلُه من مخاضٍ قبل ولادة النظام العالمي الجديد، يُعتبر المرحلة الأصعب لعلها في تاريخ البشرية. هي مرحلةٌ ستُنتَزَعُ فيها من جسد العالم السكاكين التي غرسها الباطل المستكبر، مع ما يعنيه ذلك من شعورٍ بالألم. لكن يبدو أنه في سبيل العزة يُصبح شعوراً بالنشوة.

هي البداية، حيث أظهر الحق معنى العزة وخلّد الشهيد قاسم سليماني في قلب الزمن وقَرَنَ مع استشهاده بداية مرحلة نَقلِ ثورة المستضعفين الى الأممية.

https://www.alahednews.com.lb/article.php?id=14944&cid=153