طهران تعاقب واشنطن: منطق العزة.. لا منطق القوة

فيصل الأشمر

لم تنطلق المواجهة الإيرانية للولايات المتحدة الأميركية وتحدي غطرستها يوماً من منطق القوة العسكرية وإنما من منطق العزة. الدليل أنه بعد مرور أشهر فقط على انتصار الثورة الإسلامية في إيران اقتحم أنصار الثورة في الرابع من تشرين الأول، اكتوبر 1979 مبنى السفارة الأميركية في طهران واحتجزوا 52 أميركياً 444 يوماً دون أن تخشى قيادة الثورة ـ وعلى رأسها الإمام الخميني (قده) ـ التهديدات الأميركية المختلفة ودون الالتفات للمطالبات المتكررة بإطلاق سراحهم. مع أن الثورة كانت لا تزال غضة طرية العود، ومقومات المواجهة العسكرية لم تكن جاهزة كما يجب، ولم يكن لدى الثوار يومها سوى عقيدتهم يواجهون بها الولايات المتحدة والعالم، وسوى الحق الذي عقدوا النوايا على أن يواجهوا به باطل الشاه وحلفاءه.

واستمر التحدي الإيراني للولايات المتحدة مع مرور الأيام وتناوب الرؤساء الأميركيين، ولم تسكت طهران على باطل هؤلاء يوماً، حتى وهي في أصعب حالاتها عسكرياً في أعوام الحرب الثمانية التي خاضتها دفاعاً ضد جيش صدام حسين.

كما لم تخشَ الجمهورية الإسلامية في إيران الأسطول البحري الأميركي يوم قامت قوات الحرس الثوري البحرية باحتجاز زورقين حربيين أميركيين دخلا في 12 كانون الثاني/ يناير 2016 بصورة غير قانونية المياه الإقليمية الإيرانية في الخليج الفارسي لمسافة كيلومترين، وكان على متنهما عشرة جنود أطلق سراحهم بعد 15 ساعة بعد تقديم الأميركيين الاعتذار للجمهورية الإسلامية وتعهدهم عدم تكرار مثل هذا الخطأ. يومها قال دونالد ترامب، أثناء خطاب انتخابي له، إن ما وقع للجنود الأمريكيين إشارة إلى المنحى الذي تتجه إليه البلاد أمام إيران!

كما أن منطق العزة كان السائد يوم احتجز الحرس الثوري الناقلة البريطانية "ستينا إمبيرو" بعد قيام مشاة البحرية البريطانية باحتجاز ناقلة نفط إيرانية قبالة ساحل جبل طارق في الرابع من تموز من العام المنصرم. يومها حاولت مدمرة بريطانية التدخل لمنع الحرس الثوري من احتجاز الناقلة، قبل أن تنهي المدمرة محاولتها حين طلب الحرس الثوري من طاقمها عدم التدخل وعدم تعريض حياتهم للخطر.

ومنطق العزة هذا هو الذي جعل قيادة الجمهورية الإسلامية تقرر معاقبة الولايات المتحدة على جريمتها العظيمة في قتل القائد الشهيد قاسم سليماني ورفاقه منذ أيام. لم تخشَ القيادة الإيرانية الرد الأميركي المتوقع، ولا تهديدات ترامب وقادته العسكريين، لأن الجمهورية الإسلامية هي المعتدى عليها، وهي صاحبة الحق ومن العار السكوت والسكون دون معاقبة المجرم.

ليس مهماً عدد القتلى والجرحى الأميركيين في قاعدة عين الأسد الأميركية في العراق، ولا المهم سقوط إصابات أو لا، المهم نية الرد على الجريمة، لأن العادة جرت على أن تخاف الدول حتى نية الرد على الولايات المتحدة وإجرامها، ثم المهم أن جزءاً من الرد قد حصل، وضُربت قاعدة عسكرية أميركية للمرة الأولى منذ قصف اليابان بيرل هاربر الأميركية في العام 1941.

ستبقى الجمهورية الإسلامية الإيرانية مشكلة الولايات المتحدة الكبرى والدائمة، طالما لم يفهم القادمة الأميركيون ما معنى شعار "هيهات منّا الذلة".

https://www.alahednews.com.lb/article.php?id=14970&cid=153