دماء الشهيد سليماني تخطّ نهاية الوجود الأميركي في المنطقة

حسن زين الدين - أكاديمي وباحث لبناني

ألقت الولايات المتحدة الأميركية بنفسها في التهلكة حينما ارتكبت جريمة تتسم بالبشاعة والتهوُّر في آن في اغتيالها لقائد أهم قوة في الحرس الثوري الإيراني الفريق قاسم سليماني ورأس الهرم في المقاومة العراقية الحاج أبو مهدي المهندس، لتشكِّل طريقة تعامل إيران ومحور المقاومة مع هذه القضية وكيفية ردِّها الشغل الشاغل للأصدقاء والخصوم والأعداء على حد سواء.

الحدث الاستراتيجي الأهم بعد العملية هو ترؤّس آية الله العظمى الإمام السيد علي الخامنئي لاجتماع المجلس الأعلى للأمن القومي في سابقة هي الأولى من نوعها في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والتريُّث في إعلان نتائج الاجتماع حتى المساء في بيان تضمَّن تحميل النظام الأميركي المسؤولية الكاملة عن العواقب وقرارًا بالانتقام الشديد، والعزيمة الأكبر على مواصلة سياسة المقاومة وأن الانتقام سيكون ثقيلًا ومؤلمًا يطال المنطقة بأسرها. والخطوة العملية الأولى كانت بتعيين فوري للعميد اسماعيل قاآني قائدًا لقوة القدس خلفًا للشهيد سليماني، والذي سيكون مسؤولًا عن برمجة وتنفيذ عملية الرد.

موضوع اغتيال الحاج سليماني كان مفاجئًا من حيث اتخاذ القرار والتنفيذ ولكنه ليس كذلك من حيث التداول فيه، حيث كثر الحديث عنه في الصحافة العبرية خلال الأشهر الأخيرة، كما أوردت صحيفة "نيويورك تايمز" قبل حوالي سنة مقالًا مفصَّلًا يتناول مخططًا سعوديًا لإثارة البلبلة داخل إيران كان على رأسه اغتيال الحاج سليماني، كما أن وسائل إعلام سعودية دأبت منذ فترة على تنظيم حملات ممنهجة لتشويه صورة سليماني في خطاب ممنهج ومركَّز وموجَّه للبيئة العراقية خاصةً خلال فترة المظاهرات.

كما أن رئيس أركان جيش العدو الجنرال أفيف كوخافي في خطاب استراتيجي كان قد ألقاه قبل نحو أسبوعين في هرتسيليا، قدَّم ما يمكن وصفه اليوم، بـ"الأسباب الموجبة لعملية الاغتيال". اختصر الجنرال الإسرائيلي المشهد الإقليمي لناحية المخاطر التي يشكّلها محور المقاومة بكل أطرافه، مشيرًا أكثر من مرة إلى قوة القدس في الحرس الثوري الإيراني، ودورها في رفد فصائل المقاومة بالعتاد النوعي، ليخلص إلى أن المطلوب توجيه ضربة ردعية لهذا الطرف.

قرار الاغتيال لم يكن وليد اللحظة ولم تنفذه أميركا بمفردها، فالعملية على الأرجح عبارة عن جهد تكاملي بين أميركا و"إسرائيل" والسعودية ودولة خليجية أخرى، توزَّعت بينها مهام التخطيط والمراقبة والاختراق والنفوذ والتمهيد الإعلامي وصولًا إلى التنفيذ الذي يوحي بطريقته التي لم تعتمدها السي آي إي منذ الستينيات بأن نتنياهو شريك أساسي.

ما بعد اغتيال سليماني ليس كما قبله، فكما قال اللواء عاموس يدلين الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي والرئيس الحالي لـ"مركز أبحاث الأمن القومي" قبل مدة إنه في الديناميكية الاستراتيجية يُمنع الافتراض أن الخصم سيستمرّ في التصرّف كما في الماضي.

مخطئ من يعتقد أنَّ عملية الرد ستكون تكتيكية، بل ما حدث سيفتح مسارًا جديدًا ومباشرًا في المواجهة مع "الشيطان الأكبر" على قاعدة الضرب المباشر على الرأس.

كما أنه مخطئٌ من يعتقد أن الجمهورية الإسلامية ستجلس على طاولة المفاوضات مع أميركا تحت وطأة السيف، رغم كل الوساطات والتنازلات التي قدمتها أميركا منذ أمس عبر سويسرا أو عبر سلطنة عمان، فما يهمّ ترامب حاليًا وضع ختمه على اتفاق تفاهم مع إيران بحوالي اثني عشر شرطًا من شأنها إنهاء الدولة الإيرانية كما نعرفها حاليًا.

كان بإمكان أميركا الصمت عن العملية ولكنها سارعت إلى تبنيها، وفي هذا السياق يمكن تسجيل الملاحظات التالية حول دلالات التبني:

1- فشل سياسة العقوبات على إيران.

2- وصول سياسة الاستجداء الأميركي للتفاوض مع إيران إلى طريق مسدود.

3- اليأس الأميركي من تحريك الشارع الإيراني ضد النظام.

4- الحنق الأميركي من المناورات الإيرانية الصينية الروسية في الخليج التي تعني بدء نهاية النفوذ الامريكي في المنطقة.

المسار الجديد الذي نتحدّث عنه زرع بذوره الفريق الشهيد سليماني منذ سنوات من صعدة إلى بيروت وحرص على نموِّه وتعاظمه طيلة فترة جهاده حتى سقاه بدمه ليشكِّل منعطفًا أساسيًا في الأفول الأميركي من المنطقة.

الدخول في التكهُّنات حول كيف ومتى ومن وأين ستتم عمليات الردّ؛ متغيرات يصعب التنبؤ بها، لكن الثابت أن الرد قادم، وأن محور المقاومة جاهز بكل عدته وعديده للتدخل في اللحظة المناسبة، وأننا سندخل في عصر الأفول الأميركي من المنطقة.

https://www.alahednews.com.lb/article.php?id=14807&cid=153