طوفان الأقصى

آراء وتحليلات

الوثيقة الدستورية السودانية ومبدأ
16/08/2019

الوثيقة الدستورية السودانية ومبدأ "الكل فائز"

محمد مرتضى

طرحت الوثيقة الدستورية السودانية التي وقعتها بالأحرف الأولى قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري في الرابع من شهر آب /أغسطس الجاري، تساؤلات عدة حول أسباب توقيعها، والسياق الذي جاءت فيه، والظروف التي أحاطت بها، وصولًا إلى أبرز التحديات التي قد تواجهها عند دخولها حيز التنفيذ بعد التوقيع النهائي عليها.

لقد سبق الوثيقة العديد من الطروحات التي كانت قد بدأتها الحرية والتغيير بعد الإطاحة بالبشير في الحادي عشر من نيسان/ إبريل الماضي؛ حيث قدمت في أيار/ مايو وثيقة دستورية تقوم، أساسًا على نظام حكم برلماني، يكون الثقل فيها لهذه القوى وحدها عبر اختيارها حكومة كفاءات وطنية، تكون لها صلاحيات سيادية مثل إعلان الطوارئ، إعلان الحرب، اختيار مجلس القضاء الأعلى في البلاد بعد موافقة المجلس التشريعي، وكذلك اختيارها بالكامل لمجلسٍ تشريعيٍّ لا يجوز حلّه، وهو ما قوبل بالرفض.

ثم جاء فض الاعتصام الدموي في الثالث من حزيران/ يونيو الماضي بمثابة انقلاب من العسكر على هذه المبادرة في نسختها المعدلة، ورغم أن اعتقادًا ساد في حينها بأن يد المجلس العسكري باتت هي اليد الطولى، لا سيما بعد الفض السهل للاعتصام، الا أن اصرار قوى الحرية والتغيير، وتنظيم تظاهرات حاشدة بصورة غير منتظمة، أدت لشعور الطرفين بصعوبة الحل الصفري، أي لا غالب ولا مغلوب. وفتح الأبواب للوثيقة الدستورية الأخيرة والتي عكست إلى حد كبير ثقل كلا الجانبين وفق مبدأ الكل فائز. والذي يمكن ملاحظته من خلال بعض بنود الوثيقة ولعل أبرزها:

السودان لم يدخل في أتون حرب أهلية طاحنة جديدة قد لا تبقي من السودان شيئا

- عدم النص على هوية الدولة، أي عدم الاشارة الى نصوص الشريعة الإسلامية أسوة بدستور 2005 الذي جعلها مصدر التشريع للمسلمين. فالوثيقة اكتفت بالقول بأن السودان دولة ديمقراطية برلمانية تعددية لا مركزية.

- يسري الأمر أيضًا على ما يتعلق بعدم النص على اللغة الرسمية للبلاد. فهل هي العربية والانجليزية كما في دستور 2005؟

- تركز الوثيقة بالمقابل على فكرة المواطنة وعدم التمييز بين السودانيين على أي أساس اللون، الجنس، النوع، الدين، العرق.

- تعتبر البنود المتعلقة بفكرة العدالة الانتقالية في شقها الجزائي أكثر البنود الدالة على مبدأ الكل فائز. فالمادة الخامسة من الفقرة الثالثة نصت على أن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والقتل خارج القضاء لا تسقط بالتقادم، كما نصت فقرات أخرى على ضرورة الشروع الفوري في إجراءات العدالة الانتقالية في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية لمنع الإفلات من العقاب، مع تقديم المسؤولين لها للمحاكم الوطنية والدولية. لكن تم استبعاد جرائم الإبادة الجماعية التي جرت في دارفور، بهدف عدم تقديم قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو"حميدتي" أمامها.

- كذلك ما يتعلق بالفترة الانتقالية (39 شهرا) أي ثلاثة أعوام وثلاثة أشهر، وهي أقرب لاقتراح الحرية والتغيير في بداية الأحداث، حيث كانت ترغب في إطالة الفترة الانتقالية لحين استقرار المؤسسات السيادية والحياة السياسية بصفة عامة. الا أن كونها 39 شهرا، وليست بالتساوي (العسكر 21 شهرا، والمدنيين 18 شهرا)، يعني أن المجلس نجح في فرض وجهة نظره إلى حد كبير في هذا الشأن.

- وأخيرا البنود المتعلقة بتفكيك الدولة العميقة منذ حكم الإنقاذ، وبناء مؤسسات جديدة وهي فقرة دونها الكثير من العقبات لا سيما مع عدد المنتسبين لحزب المؤتمر الحاكم سابقا.

هناك ملاحظات كثيرة يمكن ذكرها، وربما تحتاج الى دراسة معمقة لا يسعها هذا المقال. الا أن الأهم من كل ذلك أن السودان لم يدخل في أتون حرب أهلية طاحنة جديدة قد لا تبقي من السودان شيئا، ولهم في ليبيا دروس وعبر.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات