يوميات عدوان نيسان 1996

خاص العهد

في جرود عرسال.. تعبويون أحبوا الله وأحبهم
31/07/2019

في جرود عرسال.. تعبويون أحبوا الله وأحبهم

محمد حسين

"نشاهد النسيم الباعث على الحياة والسعادة للفكر التعبوي الان في العراق وسوريا ولبنان وغزة" ـ الإمام الخامنئي

اخلع نعليك فإنك في أرضٍ مقدسة .. هنا قُدّمت شلالات من الدم، شبّان ركبوا طريق الجهاد فأحكموه، وخطوا بإصرارهم خطوات النصر، فمنهم من قضى ومنهم من ينتظر، وما بدلوا تبديلا.

هم التعبئة، عند طرح هذه الكلمة في مجتمع المقاومة، ستلقى جوابًا سريعًا "أصغر العناصر في حزب الله عمرًا، وأول مراحل الإعداد والتهيئة"، لكنهم، قوم يقدمون أوقاتهم، حضورهم، حتى دماءهم طوعاً.. وهذا ما كان لهم، في جرود عرسال.

عامان مرّا على المعركة، وما زالت تفاصيل الجرود في ذاكرة التعبويين، كيف لا وهم الذين قدموا فيها أكثر من عشرين شهيدًا، على كل تل، وعند كل صخرة، ومع كل منحدر لهم حكاية.

في جرود عرسال.. تعبويون أحبوا الله وأحبهم

يقول "محمد" الشاب التعبوي لموقع "العهد" الإخباري: "بدأت التحضيرات في فصل الشتاء قبل أشهر من المعركة، عندها لم نكن نعلم بتوقيتها، وعندما تبلغنا أن القرار اتُّخِذ بالبدء، كان الحماس مسيطرًا عليّ، فالمعركة التي أنتظرها من حين قد اقتربت". يضيف: "في حزيران/ يونيو 2017 بدأ كل شيء يقترب، وبدا أن قرار حسم المعركة قد صدر، وأصبح الهجوم أمراً واقعاً. رُفعت أسماء المشاركين وكنت أتمنى أن تتم الموافقة علي".

لا ينسى محمد ذلك اليوم الذي تبلّغ فيه قبوله بالمشاركة في المعركة: "كنت في الاستراحة حين اتصل بي المسؤول وأبلغني بالموافقة على اسمي"، وبالعاميّة يصف شعوره "هون أنا كيفت". ليتابع: "لاحقاً شُرحت لنا تفاصيل المعركة، كل له دوره، إنه هجوم تعبوي خام".

يستذكر كميل الشهداء بحرقة قلب: "وحدهم الشباب المميزون الذين اختلفوا بتفانيهم قد استشهدوا"

"كنت أرى في هذه المعركة مسؤولية كبيرة، خصوصًا بعد كلام سماحة السيد حسن نصرالله أنها المرة الأخيرة التي يتحدث فيها عن الوجود الإرهابي في جرود عرسال. "السيد مراهن علينا وما ح نخذلو إن شاء الله"، يقول محمد.

يسترجع الشاب التعبوي أهمية المعركة "الأرض لبنانية وتعود بذاكرتك إلى تحرير الـ 2000 ونصر تموز، بالنسبة لي كانت لها حيثية مختلفة عن المعارك التي كانت تجري في سوريا، ولم نكن نتوقع ردة الفعل الشعبية هذه، كنا نتوقع دعم بيئتنا الحاضنة فقط، ولكن فرحنا لأن هذه المعركة لاقت صدى كبيرًا لدى جميع الأطراف".

حول ردة فعل والديه، يوضح "أوصلني أبي إلى نقطة الالتحاق، كان واقعياً، وكانت توصياته خاصة حول الإجراءات العسكرية من الخوذة إلى الدرع وأن لا أنفعل كثيراً في المعركة كي لا أتأثر أو أؤثر سلباً على أي أحد. كان هو وأمي يرددان دائماً "نحن جماعة ملتزمين، في خوف بس في إيمان، فلا يستطيع الإنسان أن يقول إنه يدعم الخير دون أن يقدم تضحية".

في جرود عرسال.. تعبويون أحبوا الله وأحبهم


عند انتقاله للحديث عن اللحظات الأخيرة ما قبل المعركة، يعدّل محمد طريقة جلوسه، يأخذ نفسًا عميقًا ويقول "هي رهبة لا مثيل لها، انتهى كل الكلام وأتى وقت التنفيذ، كلّ يراجع أهدافه وخططه، يتفقد عتاده وسلاحه، حتى أتى وقت الغروب وبدأت الأدعية واللطميات تتعالى، في تحضير معنوي للمعركة عند الفجر".

وعن أول خطوة نحو الميدان يروي محمد "لقد تجلى أمامي قول الإمام علي (ع) "تد في الارض قدمك وأعر الله جمجتك وارم ببصرك أقصى القوم"، فأن ترمي ببصرك يعني أن تتجاوز كل المواقع التي تراها، فلا تصيبك الرجفة ثم تثبت قدميك، تسلم روحك، وتعلم أن النصر من عند الله".

أما العشريني "كميل"، فما زال حب الوطن يتعزز لديه بعد كل نصر، قائلاً "من البداية نحن سمعنا عن حشد لتحرير الجرود من التكفيري درءاً للخطر عن أهلنا في البقاع، فبدأت أصارح نفسي، وأعبئها بأن المعركة تعني سقوط شهداء، جرحى، وتضحيات وهناك مجد يجب أن يُصنع وسيكتب بالدم، وكأي انسان كنت أتمنى المشاركة في صناعته".

ويتابع "في البداية لم أُوفق لأن أكون من المشاركين، رحت أفكّر "معقول الله مش كاتبلي المشاركة"، لتعود لي الفرصة بالمشاركة مع محور آخر.

يتجه كميل مباشرة إلى ذكريات الطريق "كنا نطلب من السائق أن يضع أناشيد ثورية، ولطميات عن الإمام الحسين(ع)"، مضيفاً " كانت كربلاء العصر، وكنا نقتدي بالامام الحسين(ع) الذي استشهد دفاعًا عن أهله ودينه، وكذلك نحن ندافع عن أهلنا".

حول الدعم الشعبي في القرى، يقول كميل "كنا كما مررنا بجانب البيوت يركض سكان القرى وراء "الاليات" ليرموا لنا زجاجات المياه الباردة وذلك بسبب الطقس الحار في ذلك الوقت".

يحفظ كميل كل ما رأته عيناه في المعركة. يتحدث عن تفاني واخلاص استثنائي لدى البعض ممن ينوبون عن الأخوة في التجهيز والتنظيف والطعام وبعض الأمور التمهيدية. يضيف "هناك نتعارف على بعضنا بعضاً بسرعة، رغم اختلاف البيئة وأساليب الحياة بيننا، منهم الطالب الجامعي والمهندس والطبيب واصحاب المهن، الكل جمعتهم الجبهة تلبية للتكليف. كلٌّ يضحك مع الآخر، نأكل سوياً ونتبادل الأحاديث، إلى أن أتى خبر توقيت الهجوم. بدأ كل منا طقوسه، أحدهم بدأ بتلاوة القرآن، وآخر تهيأً للصلاة، يناجي ربه ويدعوه، لتنتقل عندها إلى عالم تنسى به الدنيا".

هناك، نظراتنا تتنقل بين الوجوه بحرص، فبعض الوجوه قد لا تستطيع النظر إليها مرة أخرى.

يستذكر كميل الشهداء بحرقة قلب قائلاً "وحدهم الشباب المميزون الذين اختلفوا بتفانيهم قد استشهدوا، كنت أراهم يلقون الشهادة واحداً تلو الاخر دون أن أستطيع فعل أي شيء، أحدهم أصيب بطلقة في الرأس فسقط ساجدًا. وبعد أن هدأت الأوضاع اقتربت ملقياً بعض النظرات عليهم متذكراً كل اللحظات التي ربطتني بهم، كل كلمة، وكل نظرة عين، فأدركت بحق أن الشهادة لا ينالها إلا ذو حظ عظيم ".

وفي الختام يعبّر كميل عن افتخاره بالعمل التعبوي الذي يؤديه قائلاً "أسمى شعور يعيشه الانسان أن يقدم التضحية دون مقابل، وهذه قمة الاخلاص".

هي مدرسة قال قائدها الإمام الخميني المقدس (ره) يوما عنهاً: "التعبئة ميقات الحفاة ومعراج الفكر الإسلامي الطاهر، حيث حصل المتربون في أحضانها على الاسم والشهرة في السرّ والخفاء.. التعبئة لواء الله المخلص الذي وقّع بيان تأسيسه جميع المجاهدين من الأولين إلى الآخرين..".
 

إقرأ المزيد في: خاص العهد