طوفان الأقصى

#صيف_الانتصارات

..وأنتم تاج الرؤوس
18/07/2019

..وأنتم تاج الرؤوس

أحمد فؤاد -  كاتب مصري

صور ومشاهد تقفز إلى الذاكرة، تحفظها القلوب العربية عن انتصار لبنان على العدو الصهيوني، في مثل هذه الأيام، قبل 13 عامًا، كانت أكف الرجال من مقاتلي حزب الله، تكتب نهاية زمن كامل من العجز والتراجع والهزائم، وتفتح مع الدم النازف صفحات زمن جديد، "زمن الانتصارات" كما وصفه سماحة السيد حسن نصر الله، الأمين ووعدنا الصادق، وكأنه لحظتها كان يستشرف من أفق عال أيامنا الحالية.

خلال أيام الحرب، الطويلة الصعبة، كان السيد دومًا يطل على جمهور المقاومة، وجمهوره العربي، مستبشرًا هادئًا. عدم الانفعال خلال الخطابات في ذروة الأحداث كان العامل الأهم لتغذية الروح العربية بهذا التيار، تيار المقاومة والجهاد، وإلى جوار مكسب الحرب النفسية، كان المجاهدون يرسمون مسارًا جديدًا لحركة التاريخ، تدخل فيه الشعوب العربية فاعلًا، لا يرتهن لقرارات مصيرية كبرى، تصدر من عواصم الغرب، وتنفذها الجهات السيادية العربية.

الكتابة عن أهل الخيانات لا تقل أهمية عن تسطير بطولات المجاهدين المقاتلين

لحظات المجد والشرف، التي سطرها الأبطال بأجسادهم وأرواحهم، كتبت النهاية للفصل الصهيوني على كامل الأرض العربية، وتحوّل نهائيًا من الفاعل الأول والأصلي، إلى مجرد رد فعل، ومع استمرار الحرب والخسائر ونزيف الجبهة الداخلية، دوت -لأول مرة- على أسماعنا صرخات المستوطنين الصهاينة، كألحان سماوية أجاد المجاهدون عزفها في سماء فلسطين المحتلة، تمطر الخراب على مدن الصهاينة وقراهم ومستوطناتهم، ولم يبالغ "السيد" حين وصفهم بالسادة وتاج الرؤوس، فلولاهم صدقًا ما ارتفعت رأس عربية.

الكتابة عن انتصار تموز، بالتأكيد، لا بد لها وأن تشمل صورة الوضع العربي وقتذاك، فالكتابة عن أهل الخيانات لا تقل أهمية عن تسطير بطولات المجاهدين المقاتلين، من افتدوا بالدم الأمة المريضة، ومن أيقظوا بموتهم روحًا غائبة في كل العالم العربي والإسلامي، وقدموا المثل والقدوة لكل حر شريف على وجه الأرض، ومع انطلاق العدوان الصهيوني التقت أفكار عبدالله بن عبدالعزيز ملك السعودية السابق مع مبارك الرئيس المصري الأسبق، في تهجم سافر على خيار المقاومة، بل وصل الأمر ببيان رسمي سعودي حملّ المسؤولية لحزب الله عن وقوع الحرب! وهو الموقف العربي الأشد بؤسًا، ربما خلال النصف قرن الأخير بكامله، فقد وجد "عبدالله" مبادرته للسلام، التي اعتمدتها الجامعة العربية، كهشيم تذروه رياح رجال حزب الله، مع نسف أسطورة الجيش الصهيوني الذي لا يُهزم.

ولم تتوقف التصرفات السعودية، المؤيدة لمجهود الحرب الصهيونية، عند البيانات الزاعقة، وكفى، بل اندفعت بعنف إلى محاولة خلق فتنة داخلية، بوصف الحرب مغامرة من "فصيل" لا يمثل لبنان، والإعلان عن تقديم منحة لإعادة الإعمار، ثم تولت دفع المؤسسة الدينية الرسمية فيها لتبني خطاب الكراهية والطائفية المقيت، ونشط إعلامها أو الموالي لها، طوال فترة الحرب وبعدها، في نشر فتوى أحد أعضاء هيئة كبار علمائها، بتحريم نصرة وتأييد حزب الله في مواجهة العدو الصهيوني، وراهنت بتأثيرها الضخم على العالم السني، لمحاولة كسب أرض للصهاينة داخل العالم العربي.

التفاعل الوجداني العربي مع حزب الله، خلال 33 يومًا من العمليات العسكرية كانت أهم ما تحقق في ملحمة تموز

ولأن التاريخ لا يرحم ولا ينسى، فقد نالهما ما يستحقان، فأحدهما خُلع بثورة شعبية هائلة، والآخر انحدرت مبادرته الأشهر للسلام مع الصهاينة، من الأرض مقابل التطبيع الكامل، إلى التطبيع دون أرض، بل ودون كرامة أيضًا.

التفاعل الوجداني العربي مع حزب الله، خلال 33 يومًا من العمليات العسكرية، والإنجازات الأسطورية، كانت -ولا تزال- أهم ما تحقق في ملحمة تموز، فالثقة الشعبية التي لاقاها حزب الله خلال مسيرة جهاده الطويلة ضد الصهاينة تعززت بالتجربة، وصُقلت باختبار الدم والنار، والانتصار المؤزر على الآلة العسكرية الأحدث والأقوى في المنطقة، جعل من حلم هزيمة الكيان واسترداد الأرض العربية رهنًا فقط بالإرادة والتخطيط العربي، وهو بذلك خاصم عقودًا من التغييب، جعلت أوراق المنطقة كلها في جيب السيد الأميركي، سيد الأنظمة المختلة بالطبع وليس الشعوب الحرة.

نسفت كل قذيفة وكل طلقة أساطير صنعت على مهل، في دهاليز مؤسسات الغرب، وبثتها كالحية السامة أنظمتنا العميلة، ومع تكرارها جعلت من الصهاينة ماردًا لا طاقة لأحد به، وفي ظل الحماية الأميركية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، كانت الحرب تتحول في الوجدان الجمعي العربي إلى انتحار مؤكد وخيار هلاك، مع اعتماد جامعة الأنظمة العربية لخيار أوحد هو السلام، حولوه إلى استسلام، وحتى الاستسلام لم يقبل به الصهيوني، ولن يقبل به على الإطلاق، فالكيان لن يدفع مقابلًا لمجموعة من الخونة.

انتصار تموز كتب، بالدماء الزكية، أن الشرف محجوز لأمة تقاتل، فلن تهزم شعوب عرفت عدوها وبرزت لمواجهته، مهما كانت التضحيات عظيمة، ومهما بدت المواجهة مكلفة، فلا ثمن في الأرض يعادل الكرامة، بينما كان الذلّ مصير حلفاء الأميركي والصهيوني، مهزومون مقهورون، في الدرك الأسفل من التاريخ، فسقطوا من نظر شعوبهم، قبل أن يسقطوا عن عروشهم.

حرب تموز 2006

إقرأ المزيد في: #صيف_الانتصارات