طوفان الأقصى

نقاط على الحروف

الشباب الفلسطيني وناقوس الخطر
15/07/2019

الشباب الفلسطيني وناقوس الخطر

هيثم ابو الغزلان*

ينحو مستقبل فئة لا بأس بها من الشباب الفلسطيني من الذين يعيشون في المخيمات الفلسطينية في لبنان حاليًا، باتجاهٍ قاتم سيّما مع وجود تقييدات على العمل وعلى أوضاعهم بشكل عام. ولا يخفى على أحد أن الصراع الشديد الذي يعيشه الشباب الفلسطيني في لبنان بات يتحكّم بمفاصل حياة هؤلاء بفعل الظروف القاسية التي تحيط بهم على الصعد المختلفة سياسيًا، واجتماعيًا، واقتصاديًا، بما لا يدع لهم مجالًا لفك قيودهم العديدة والانطلاق باتجاه بناء مستقبل يسعون أن يكون "أجمل".

بات معروفًا أن ما يُطلق عليه "صفقة القرن" تستهدف فيما تستهدفه الشباب الفلسطيني في لبنان الذي يُشكّل العنصر الأكبر من مكوّنات المجتمع الفلسطيني (46.5%)، بحسب دراسة ميدانية أعدّتها مؤسّسة حقوقية، والتي أشارت إلى هموم هؤلاء الشباب الكثيرة والمُعقّدة، والتي يمكن اختصارها بحسب الدراسة بغياب "أفق الحياة" عند هؤلاء الشباب.

يعيش الشباب الفلسطيني في المخيمات معاناة مزدوجة جراء الواقع الصعب، والذي يعيقهم أيضًا من تحقيق أبسط طموحاتهم المشروعة. فغدا البعض من هؤلاء يعانون الإحباط ويسود بينهم شعور عام بالخوف والقلق، ونوع من عدم القدرة على التكيّف مع المجتمع. ولهذا يُرى العديد من الشباب الفلسطيني يحاول ويسعى إلى الهجرة، باعتبارها محاولة للتخلّص من الواقع البائِس وفرصة لتحسين ظروفه وظروف عائلته التي يزيدها صعوبة فقدان العمل، وتدنّي الأجور، وغياب أفق الحلول لمشاكلهم! رغم ذلك لا يفتأ هؤلاء يعملون على اجتراح المعجزات في سبيل تحسين أوضاعهم وعائلاتهم ما أمكن، والعمل على الحفاظ على المخيمات التي احتضنت الثورة وكانت بمثابة الخزّان لها.

يجب التعامل مع هذه الشريحة من الشباب من خلال تنوعها وخصوصيّتها

ولذلك يجب التعامل مع هذه الشريحة من الشباب من خلال تنوعها وخصوصيّتها فهي متباينة في العديد من النقاط الرئيسية التي تنعكس مباشرة على سلوكيّاتها وتطلّعاتها، فالمستوى العلمي والسكن وطبيعة العمل والوضع الاجتماعي والاقتصادي ...الخ، عوامل حاسمة لا بد من التوقف أمامها بكثير من التدقيق حتى لا تعطي نتائج عكسية لا تحمد عقباها.

قبل سنوات، ذكر برنامج الأمم المتحدة للتنمية حول الدول العربية أن نتائج المسوح التي أجريت في بلدان المنطقة، أشارت إلى أن نصف الشباب قد يكون مستعدًا لأن يُقدم على الهجرة في محاولة للتخلص من الضائقة الاقتصادية والعوامل الاجتماعية الضاغطة. وهذا بدوره ينطبق على الشباب الفلسطيني في المخيمات الذي ما فتئ يسعى إلى الهجرة كلما أتيحت له فرصة لذلك، في محاولة للتخلص من واقعه البائس وتحسين ظروفه وظروف عائلته.

المُتَابع لمسألة الهجرة من المخيمات الفلسطينية التي يصفها "بالهجرة المنظمة" يدرك المخاطر العديدة التي باتت تتحكّم بهذه "الظاهرة الجماعية غير البريئة"

والمُتَابع لمسألة الهجرة من المخيمات الفلسطينية التي يصفها "بالهجرة المنظمة" يدرك المخاطر العديدة التي باتت تتحكّم بهذه "الظاهرة الجماعية غير البريئة"، والتي يرى أكثر من مسؤول فلسطيني أن لها ارتباطًا وثيق بما يسمى بـ "صفقة القرن" التي تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية، وأحد أركانها قضية اللاجئين.

وهذا يستدعي تضافر كل الجهود في سبيل التعاون اللبناني الفلسطيني لإفشال كل المشاريع التصفوية للقضية الفلسطينية، ومن بينها فرض التوطين على اللاجئين، أو تهجيرهم. والضغوط الكبيرة التي تعانيها فئة الشباب تجعلهم على مفرق طرق: إما البقاء وتحمّل الظروف الصعبة والمستقبل المجهول من حيث عدم توافر فرص العمل، والبعض منهم يسعى لتفجير مكنوناته بحيث يوجهها نحو ما يفيده والمجتمع (القراءة، الكتابة، الإنترنت...)، ويواصلون في الوقت نفسه بناء أنفسهم علّهم يلتقطون فرصة هنا أو هناك، فيجدون فيها أنفسهم، ويشقّون فيها طريقهم.
وبعض يغرق في همومه الذاتية حتى الكآبة وبعض الأحيان العدوانية تجاه نفسه والآخرين (المخدرات..)، أو محاولة الهجرة غير المضمونة في أحايين عديدة. وهذا له مخاطر عديدة تنعكس على الشخص نفسه، وعلى مجتمعه، ما يضعف قدرة الفرد الإنتاجية في الحاضر والمستقبل. وتضع حواجز أمام انتقال الشباب من مرحلة المراهقة إلى الرشد والتي تشتمل على إنشاء منزل وتكوين أسرة، وبشكل إجمالي إلى إقصاء من المجتمع ومن الممارسات السياسية الديموقراطية ما قد يُسبّب حالة اضطراب اجتماعي مُعَبّر عن هذه السمات بشخصية مكبوتة وأخرى متفجرة بطريق الخطأ مثل: العنف، والأفكار المتشددة، وعدم القدرة على التكيف مع المجتمع.. وينبغي الإشارة إلى أن هؤلاء الشباب أنفسهم، لا يتركون فرصة إلا ويلتقطونها من أجل الوصول إلى الحدود مع فلسطين وتحقيق حُلم العودة إلى الأرض والوطن، وخير دليل على ذلك: الشباب الذين شاركوا بعمليات ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي، أو استشهدوا بالقصف الإسرائيلي على مواقع الثورة الفلسطينية، أو من خلال المشاركة بمسيرة العودة على الحدود مع فلسطين المحتلة التي شارك فيها الشباب واستشهد بعضهم هناك.

إنّهم الشباب يدقُّون جرس الإنذار.

*كاتب فلسطيني

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف