يوميات عدوان نيسان 1996

#صيف_الانتصارات

خالد الهبر لـ
12/07/2019

خالد الهبر لـ"العهد": أحِنّ الى حيفا ويافا والناصرة.. وهذه رسالتي إلى السيد حسن

لطيفة الحسيني

بعد ثلاث عشرة سنة على عدوان تموز، يستعيد الفنان اللبناني خالد الهبر ذكرياتٍ استثنائية عاشها خلال ثلاثة وثلاثين يومًا من حرب دموية لم تُرهبه لحظة. المُناضل "العتيق" كما يوصف، وصوتُ الشعب، ومُناصر الفقراء والمظلومين، يواصل "كفاحه" في الكلمة واللحن، لرفض الواقع السياسي المُهترئ والغطرسة الأميريكية، وتحرير المواطن من الفساد والاستبداد. يُغنّي فلسطين والمقاومة لأنها "اللحن الحلو لمطلَع غنيّة"، حتى لو أن "أصنام العرب" ظلّوا خائبين ومهزومين. بالنسبة له، الضوء الوحيد في كلّ السواد من حولنا، هو السيد حسن نصر الله، له وللمُقاومين يُهدي "أنا عائد الى حيفا"، لأن حيفا مُفتاح الحنين الى القضية الأمّ.

برأي خالد الهبر، لا مشهد يُضاهي مشهد دبابات الميركافا الاسرائيلية المدمّرة في وادي الحجير، صورةٌ كفيلة بضخّ مشاعر الفخر والعظمة. المقاومة متجذّرة فيه، مذ كان يتحدّى الصهاينة في بيروت بصوته، لا خوف ينتابه، الكلّ مشاريع شهداء، منذ النكبة حتى اليوم. فماذا يقول الهبر لموقع "العهد الإخباري" في الذكرى الثالثة عشرة للعدوان على لبنان؟

"تحيّة الى كل من قاوم"

في أجواء عدوان تموز، تَحضرنا أغنيتُك الشهيرة "أنا عائد الى حيفا"، هل لكَ أن تروي لنا كيف ألّفتها؟

كنتُ أتابع يوميًا الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله وخطاباته

مع بدء العدوان على لبنان، بدأ الجدال حول لماذا الحرب؟ هنا بدأ نضالنا لإقناع الناس بأنها فُرضت علينا وليس العكس، وأننا نستطيع الانتصار فيها. على الرغم من كلّ الإشاعات التي كانت تُبثّ طيلة تلك الفترة حول احتلال قرى وما شابه، إلّا أنني كنتُ متيقّنًا بحتمية ربحها.. كنتُ أتابع يوميًا الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله وخطاباته، ولم أكن أُخطّط لتأليف شيء ما، فأنا في عادتي عندما أكون في قلب الحدث لا أستطيع تأليف أيّ أغنية، آخذ مسافة لأراقب ما يجري أمامي، لكن عندما وجّه السيد حسن كلمته الشهيرة للإسرائليين "الى ما بعد بعد حيفا" قلتُ "هياها"، الفكرة حاضرة لأبدأ بتحضير أغنية. حينها، لم يكن لدينا إمكانية للتسجيل في ظلّ إقفال كلّ الاستوديوهات، وتعذّر جَمْع الناس، فهذه مسؤولية كبيرة خلال الحرب. ولذلك عملتُ بهدوء على تجهيزها حتى أُعلن وقف إطلاق النار، بعدها أطلقتُها مباشرة بعد العدوان، ثمّ ضممتها بعد عامين الى أسطوانة تشمل عددًا من المؤلفات الموسيقية.

هل يعني ذلك أن الكلمة المفتاحية كانت "حيفا"؟

كلا.. الى "ما بعد بعد حيفا" إنها الجملة الأكثر تأثيرًا فيّ، خاصة أنني من مواليد ما بعد النكبة وما قبل النكسة.. حيفا ويافا والناصرة مدنٌ تعني لي الكثير، وهذا ما ترجمتُه في الأغنية عندما قلتُ "أنا لا أعرف حيفا لكنّي أراها في حلمي". هي تمثّل "نوستالجي" فلسطين بالنسبة إليّ،  وهي بثابة تحيّة الى كل من قاوم في تمّوز الـ2006.

ألم تشعر خلال فترة العدوان عام 2006 بخوفٍ أو قلق؟

نحن الذين نعيش في الوطن العربي كلنا مشاريع شهداء
 
لم يتملّكني الخوف بتاتًا، فأنا عشتُ الاجتياح الاسرائيلي عام 1982، وحرب تموز كانت اجتياحًا أوسع، غير أنني شُغِلتُ بأولادي الذين كانوا يتنقلون بين المناطق، ولا سيّما أن ابني كان متطوّعًا للعمل في إذاعة "صوت الشعب" خلال الحرب. نحن الذين نعيش في الوطن العربي، كلنا مشاريع شهداء في ظلّ واقعنا السياسي والغطرسة الأمريكية وقلّة الاهتمام بالانسان، فنحن نعيش في عالم لا قيمة للإنسان فيه! كلّ يوم يمرّ علينا هو "بونص" (BONUS)، فنحن استطعنا تجاوز حرب 1967، وحرب 1975 و1976، والحرب العُظمى باجتياح بيروت التي تختلف كثيرًا عن عدوان تموز، فالطرقات بين المناطق ظلّت مفتوحة عام 2006، أما في اجتياح 1982 فقد شعرنا بأننا في مكان لا مفرّ منه، وعلى الرغم من ذلك كلّه، مرّت علينا أوقاتٌ عند فكّ حصار بيروت، استطعنا فيها الاجتماع بالعائلات والغناء لها وللمُقاتلين الذي كانوا يواجهون الاسرائيليين في "أوتيل الريفييرا" وخلف المحكمة العسكرية حيث كان الصهاينة يبعدون عنا أمتارًا قليلة.

أيُّ مشهد خلال حرب تموز عنى لك الكثير وحُفر في ذاكرتك؟

الى جانب الضربة التاريخية للبارجة الاسرائيلية، مجزرة دبابات الميركافا الاسرائيلية في وادي الحجير. أنا أحبّ المشاهد التي أشعر من خلالها بعزٍّ وفخرٍ وكرامة. لن أنسى تلك الصورة في حياتي، ولا زلتُ حتى الآن، أبحث عن صورٍ لم أتطلّع عليها تخصّ تلك الواقعة.

"الى السيد"

هل لديك رسالة للسيد حسن نصرالله؟

رسالتي الى السيد نصرالله في الوقت الحاضر تُختصر بكلمتين "محاربة الفساد"، لأن الفساد يطال كل اللبنانيين واذا لم نستطع تحرير المواطن اللبناني فنحن لم ننجز ما بدأناه.

هل تُعوّل على أطرافٍ أخرى الى جانب حزب الله في معركة مكافحة الفساد؟

أعوّل على الأحزاب العلمانية، لكن للأسف لم يتركوا لها أجنحة.

ماذا عن وضع الحزب الشيوعي اليوم؟

الحزب يُعاني من انقسام فكري.. هناك جيل شبابي جديد فيه تسلّم الدفة بعد المؤتمر الأخير. برأيي يجب إعطاؤه مزيدًا من الوقت، خاصة أن عمر الحزب تجاوز الثمانين عامًا، ويُعاني من مشاكل مجزّأة، وبحاجة الى وقتٍ ليخضع لإصلاح حقيقي. وبالمناسبة، لا يُنقذ البلد إلّا حزب علماني.

ماذا عن رفيقَي النضال، زياد الرحباني وسامي حواط، هل لا زلتم تلتقون أو على تواصل؟

ليس هناك أيّ خلاف سياسي معهما، لكننا لا نلتقي كثيرًا بسبب مشاغل الحياة.

ما هو دور الأغنية السياسية في دعم المقاومة وحركات التحرّر؟

الأغنية هي جزء من حركة ثقافية وسياسية كبيرة تنقل البلد من حالة الى حالة

الأغنية هي جزء من حركة ثقافية وسياسية كبيرة تنقل البلد من حالة الى حالة. هي تمامًا كالقصيدة واللوحة والمُظاهرة والكمين المسلّح. في إحدى المرات قلتُ لمجموعة مُقاومين: أنتم تفجّرون دبابة وأنا أفجّر أغنية. المسألة تقوم على التفاعل بين الأغنية والمقاومة، يدعمان بعضهما بعضًا. هنا يجب أن ألفت البعض الى أن الأغنية السياسية ليست نشيدًا. النشيد هو وليد لحظة ينتهي مع انتهاء الحدث ويرتبط بإيقاعات سريعة بأصواتٍ مُرتفعة وهذا يحتاج الى نقاش جدّي مع رفاقنا في حزب الله، أما الأغنية فتملأ مساحة أوسع من النشيد، وكذلك جمهور النشيد يختلف عن جمهور الأغنية السياسية.

اذًا من تستهدف الأغنية المُلتزمة، الجمهور العادي أو المُناضلين والمُقاومين؟

بالدرجة الأولى تستهدف القضية، ومن تُلامسه القضية المطروحة يجد نفسه مُستهدفًا بالأغنية. اذا قلتُ هذه الأغنية طبقية يعني أن كلّ فقير أو مظلوم يشعر بها وبمعانيها. المسألة الأساسية هي انسجام الكلام واللحن معًا، وهنا العلاقة الجدلية التي تنشأ بين عنصرَي الأغنية. اللحن لا يُشبه أيّة أغنية ثانية، بل يُشبه الكلمات المؤلّفة.

هل تنتهي صلاحية الأغنية السياسية؟

الأغنية الاستهلاكية تنتهي مع انتفاء وقتها، كـ"القداحة". الفرق أن الأغنية السياسية تعيش طويلًا. من يُردّدها اليوم قد يكون أصغر من سنوات تأليفها. الجيل الشبابي يستمع الى مؤلّفاتنا الموسيقية على الرغم من أنها أُطلقت قبل ولادته بكثير، لماذا؟ لأنّ الموضوع المطروح حقيقي ويبقى ساريًا وصالحًا لأيّ زمان ومكان.

"أصنام العرب"

في إحدى أغانيك، وصفتَ العرب بالأصنام.. تقول  فيها تحديدًا "صرلن شي ميّة سنة ما ربحوا العرب، ميّة سنة ملقوحين بقصور الدهب، ميّة سنة مرتاحين ولا القدس ولا فلسطين عملوا عندن شي صحوة أو صرخة غضب".  ماذا تقول اليوم في ظلّ موجة التطبيع السائدة مع الاسرائيليين وتهافت بعض العرب على نسج علاقات مع العدو بشكل علني؟

في كلّ مرة يسمعها الجمهور يتأكد أنها تصلح لكلّ الأوقات، ولا سيّما بعد "ورشة البحرين" الأخيرة، ولا شيء يتغيّر، هم أصنام العرب! هنا تكمن أهمية الأغنية السياسية.

هل هناك فيتو على اسمك من قبل العرب؟

أعتقد أن معظم الأنظمة العربية تنزعج من أغنيتي وهذا أمر طبيعي، على عكس الشارع العربي الذي نشعر نبضه بالتفاعل اليومي معنا على مواقع التواصل الإجتماعي.

هذا يخسّرك.. ألم تفكّر بتعديل مواقفك السياسة أو أغانيك؟

ماديًا وجماهيريًا يُخسّرنا.. لا آبه.. في المقابل، نجد أن هناك إقبالًا متزايدًا على الفنّ الذي نقدّمه ولا سيّما في لبنان.

إقرأ المزيد في: #صيف_الانتصارات