طوفان الأقصى

نقاط على الحروف

صفقة القرن ... بين رفض بغداد وخنوع المنامة!
28/06/2019

صفقة القرن ... بين رفض بغداد وخنوع المنامة!

عادل الجبوري

صورتان مختلفتان في كل شيء...

   بينما كانت العاصمة البحرينية المنامة، تزدحم بالوفود السياسية والاعلامية والاقتصادية القادمة للمشاركة في ورشة صفقة القرن، التي رعتها ورتبتها الولايات المتحدة الاميركية، كانت العاصمة العراقية بغداد تعج بالاصوات والفعاليات الرافضة لتصفية القضية الفلسطينية لصالح الكيان الصهيوني.

   في المنامة، قال وزير الخارجية البحريني خالد بن احمد ال خليفة بكل وضوح وصراحة "ان إسرائيل وُجدت لتبقى، وإن لها الحق في أن تعيش داخل حدود آمنة، وان المنامة وعواصم عربية أخرى تريد التطبيع معها". وفي حديث مطول مع صحيفة "تايمز اوف اسرائيل" الناطقة باللغة الانجليزية، اشار ال خليفة الى ان بلاده "ترغب في جعل هذه الورشة نقطة تحوُّل ثانية في مسار العلاقات الإسرائيلية العربية بعد اتفاق كامب ديفيد مع مصر عام 1978".

   ومن بغداد، اوضحت الخارجية العراقية منذ وقت مبكر الموقف الرسمي العراقي الرافض جملة وتفصيلا لورشة المنامة، اذ اكدت في بيان لها بهذا الشأن "ان العراق لن يشارك في مؤتمر البحرين، وذلك يعود لموقفه الثابت من القضية الفلسطينية، وهو حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته الموحدة وعاصمتها القدس الشريف، والدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف".

   وبينما كان كبار رجال النظام البحريني يروجون بمختلف الصور والاشكال من اجل تمرير صفقة القرن والتامر على الشعب الفلسطيني، كان القادة العراقيون يكررون رفضهم لمشاريع التطبيع والتامر والتخاذل.

  فرئيس الجمهورية برهم صالح، اكد قبل ايام من العاصمة البريطانية لندن، ان العراق غير معني بمخرجات مؤتمر المنامة، وموقفه ثابت من القضية الفلسطينية، ورئيس الوزراء عادل عبد المهدي، جدد في اكثر من مناسبة خلال الاسابيع القلائل الماضية، موقف العراق السلبي من مؤتمر المنامة، وكل المشاريع الرامية لمصادرة حق الشعبي الفلسطيني في اقامة دولته المستقلة على التراب الفلسطيني وعاصمتها القدس الشريف.

  ولم يبتعد عن هذا المعنى، رئيس المجلس الاعلى الاسلامي العراقي، حينما كتب في تغريدة له على موقع التواصل الاجتماعي (تويتر)، انه "رغم مرور السنين وعظم التحديات والمآسي، ستبقى فلسطين في قلب كل عربي ومسلم، وهي جزء من الهوية، ونذكرها كلما توجهنا لقبلتنا مكة.. فالقدس قبلتنا الاولى".

   وفي الوقت الذي كانت المنامة تفرش السجاد الآحمر للساسة الاميركان والصهاينة، ومن جاء ليدعم مشاريعهم ومخططاتهم، كانت بغداد تحتفي بشخصيات فلسطينية مناضلة، كمستشار الرئيس الفلسطيني والقيادي في حركة "فتح" نبيل شعث، الذي التقى بعدد من كبار الساسة العراقيين، وزار مجلس النواب، وبينما سمع الكثير من كلمات الدعم والتأييد للقضية الفلسطينية على لسان من التقاهم وتحدث اليهم، اشاد ببطوت وتضحيات القوات الامنية العراقية والحشد الشعبي في محاربة تنظيم داعش الارهابي نيابة عن العالم.      

   وفي الوقت الذي كانت مختلف وسائل الاعلام العراقية، لاسيما القنوات الفضائية، تفرد الحيز الاكبر من اوقات بثها لتسليط الاضواء على كل المواقف والتوجهات والفعاليات العربية والاسلامية والدولية الرافضة لصفقة القرن وورشة المنامة، كانت الوفود والفرق الاعلامية الصهيونية تتجول بكل حرية في شوارع المنامة، وتزور المؤسسات الاعلامية وغير الاعلامية البحرينية المختلفة، وتجري الحوارات واللقاءات مع شتى الشخصيات، وتقوم بعض القنوات التلفزيونية الاسرائيلية بنقل وقائع ورشة المنامة، واكثر ممن ذلك لم يكن صعبا على المواطن البحريني ان يشاهد اللغة العبرية عبر شاشات التلفاز، وفي الشوارع.

    وحينما كانت العاصمة بغداد ومدن عراقية اخرى، تشهد فعاليات جماهيرية احتجاجية رافضة لصفقة القرن ومشاريع التطبيع المذلة، كانت السلطات الامنية البحرينية، منهمكة الى جانب توفير اقصى درجات الحماية لضيوف ورشة المنامة، بملاحقة أي صوت رافض لها، وممارسة شتى اساليب القمع والتنكيل بحق المعارضين، ارضاء لواشنطن وتل ابيب.  

    هاتان الصورتان المختلفتان تمام الاختلاف بين بغداد والمنامة، تعبر احداهما عن المبدئية والشجاعة والصدق والوعي والمسؤولية، في حين  تعبر الاخرى عن الانهزام والذل والخنوع، ولاشك ان كل سنن التأريخ وتجارب الامم والشعوب، تثبت ان الاولى هي التي سوف تحتفظ برونقها واشراقتها ونورها، بينما سيحل الظلام وتسود العتمة في الثانية.

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف