طوفان الأقصى

آراء وتحليلات

التحالف الروسي ـ الصيني.. هل يغير وجه العالم؟
17/06/2019

التحالف الروسي ـ الصيني.. هل يغير وجه العالم؟

جورج حداد

خلال الحرب العالمية الثانية، خرج الاتحاد السوفياتي (وقبله روسيا) منتصراً، لان الجيش الاحمر السوفياتي استطاع بمساعدة المقاومة الشعبية التي كان يقودها الشيوعيون في مختلف دول اوروبا، أن يسحق الأفعى النازية والفاشية، ويقتحم وكر الأفعى في برلين ويرفع العلم الاحمر المرصع بالمنجل والمطرقة فوق "الرايخستاغ" الالماني الهتلري. ولو تأخر الجيش السوفياتي في دخول برلين لكان العلماء الالمان انجزوا التجارب والاختبارات على الصواريخ والقنابل الذرية التي كانوا يعدونها لضرب الاراضي الاميركية البعيدة.

وبعد استسلام المانيا الهتلرية في ايار 1945، قضى الجيش الاحمر السوفياتي وحده على الجيش الياباني الذي كان لا يزال يحتشد في منشوريا الصينية حتى اب 1945. ولكن هذا النصر كان شديد المرارة ايضا لأن الاتحاد السوفياتي وخاصة روسيا تكبد دمارا لا يوصف وما يتراوح بين 26 و30 مليون قتيل (اغلبهم من الروس) في ادنى التقديرات. وللمقارنة فإنه لم يتهدم حائط واحد في اميركا وبلغ عدد القتلى الاميركيين 420.000 قتيل، اي مقابل كل 42.000 قتيل اميركي سقط اكثر بكثير من 1.100.000 قتيل سوفياتي وروسي، اي مقابل كل قتيل اميركي سقط اكثر من 300 قتيل سوفياتي وروسي.  

وطبعا خرجت اميركا من الحرب سالمة معافاة وبوصفها اقوى واغنى دولة في العالم.

ومباشرة ما بعد الحرب العالمية الثانية انتصرت الثورة الصينية العظمى، بعد حرب اهلية طاحنة استمرت من 1927 حتى سنة 1949، وتخللتها الفترة السوداء للاحتلال الاستعماري الياباني الوحشي من 1931 حتى 1945.

وفتحت الطريق امام نشوء التحالف الاستراتيجي التاريخي بين روسيا السوفياتية والصين الشعبية. وبعد أن جربت الولايات المتحدة القنبلة الذرية في هيروشيما وناكازاكي باليابان، خططت بالتنسيق مع بريطانيا، لضرب الاتحاد السوفياتي بالقنابل الذرية، للتخلص النهائي من "البعبع الشيوعي" ولاستعمار ونهب روسيا وباقي البلدان السوفياتية حينذاك. ووضعت اميركا لذلك "بنك اهداف" يشمل كبريات المدن والمرافق الاقتصادية الروسية والسوفياتية. ولكن القيادة السياسية والعسكرية الاميركية تقاعست عن توجيه ضربتها الذرية المنفردة، لانها خشيت من أن تقوم القوات السوفياتية المحتشدة بالملايين في المانيا الشرقية واوروبا الشرقية بـ"قفزة النمر" المباغتة وتجتاح المساحة الاوروبية بمجملها.
وعام 1949 وبفضل جهود العلماء والشعوب السوفياتية، وبالاضافة الى حصول الاتحاد السوفياتي على اسرار القنبلة الذرية من الشيوعيين الاميركيين والانكليز، فجر الاتحاد السوفياتي قنبلته الهيدروجينية الأولى، وسقط الى الابد امتياز امكانية توجيه الضربة الذرية الاميركية المنفردة ضد الاتحاد السوفياتي، وبدأ عصر سباق التسلح والحرب الباردة بين الاتحاد السوفياتي (وقلبه روسيا) وبين اميركا وكتلتها الغربية.

وفي حزيران 1950 اندلعت الحرب الكورية التي استمرت حتى 1953، وكانت اول اختبار قوى بين المعسكرين الشرقي والغربي، وهي لا تزال تلقي بظلالها على العالم حتى اليوم. وفي البداية ومع الطلقات الاولى، فإن الجيش الشعبي الكوري الشمالي الذي كان يمتلك خبرة صلبة في القتال ضد المستعمرين اليابانيين الفاشست، تقدم بقوة وحرر سيؤول عاصمة كوريا الجنوبية بعد ثلاثة ايام فقط ودحر القوات الاميركية الموجودة على البر الكوري والقاها في البحر. ودعت اميركا لعقد اجتماع لمجلس الامن الدولي، وعقد الاجتماع بغياب المندوب السوفياتي الذي امتنع عن الحضور. واتخذ الاجتماع قرارا بتشكيل قوات دولية ترفع علم الامم المتحدة لمحاربة كوريا الشمالية. وارسلت 18 دولة وحدات عسكرية للمشاركة في القوات "الاممية"، من تركيا الى اوستراليا. وحتى لبنان تبرع بمبلغ كبير من الدولارات لدعم المجهود الحربي "الاممي" ضد الشعب الكوري المظلوم. وطبعا شكلت القوات الاميركية العمود الفقري للقوات "الاممية" حيث حشدت اميركا مئات الالاف من خيرة قواتها وافضل واحدث اسلحتها لمحاربة الثوار والشعب الكوريين، وهو ما لم تفعله ضد المانيا واليابان في الحرب العالمية الثانية. وبفعل هذا الحشد الاميركي الهائل تمكنت قوات اميركا وحلفائها من دحر الجيش الشعبي الكوري الشمالي الذي اخذ يتراجع شبرا شبرا وهو يقاتل ببطولة منقطعة النظير، مما ادى الى تدمير كوريا الشمالية تدميرا تاما، وصولا الى الحدود الكورية ـ الصينية. وبدأت القنابل الاميركية تتساقط على الاراضي الصينية ذاتها. وحينذاك قررت القيادة الصينية مساعدة الكوريين بواسطة المتطوعين الصينيين الذين تدفقوا بالملايين لنصرة الشعب الكوري الشقيق. ومرة اخرى دُحر الاميركيون حتى البحر، ثم تراجع المتطوعون الصينيون والجيش الشعبي الكوري طوعا الى خط العرض 38 (الفاصل بين الكوريتين) وتمركزوا هناك. وكان الصينيون يرسلون المتطوعين بالملايين، والروس يرسلون الاسلحة والخبراء العسكريين. وطوال سنتين واكثر حاول الاميركيون ان يزحزحوا الكوريين الشماليين والمتطوعين الصينيين من خط العرض 38 ولكنهم فشلوا فشلا ذريعا.

وحينذاك انبرى قائد القوات المتحالفة الجنرال الاميركي دوغلاس ماك ارثر ( وهو من ابرز الجنرالات الاميركيين في الحرب العالمية الثانية) واقترح استخدام القنبلة الذرية ضد الصين، فتم عزله من القيادة فورا وألزم بالخروج الى التقاعد قبل الاوان. ذلك ان القيادة الاميركية كانت تدرك ان ذلك يعني قيام الاتحاد السوفياتي بالرد بالمثل على اميركا، وان الدفاعات الاميركية البرية والجوية لا تملك القدرة على منع القاذفات السوفياتية الاستراتيجية من الوصول الى الارض الاميركية ذاتها وتحويلها الى جحيم نووي. وقد اضطرت اميركا للقبول بوقف اطلاق النار في كوريا عند خط العرض 38. ولو استمرت تلك الحرب لكانت كل الجيوش الاميركية قد تحطمت على صخرة التعاون العسكري الروسي ـ الصيني ولسقطت اميركا كبناء من كرتون.

ان الحرب الكورية كانت مناسبة تاريخية للاختبار العملي الميداني لمفاعيل التعاون العسكري الروسي ـ الصيني. وقد تأكد منذ ذلك الوقت المبكر انه لا يوجد قوة في العالم المعاصر يمكن ان تقف بوجه التحالف الاستراتيجي الروسي ـ الصيني، وانه اذا انسحب هذا التحالف على المجالات الاقتصادية والسياسية والعلمية والثقافية، فإن من شأنه ان يغير وجه العالم المعاصر تماما، لما تتمتع به الدولتان من عدد سكان هائل ومساحة جغرافية لا تغيب عنها الشمس وثروات طبيعية غير محدودة وقدرات علمية فائقة وديناميكية حضارية ـ اجتماعية خارقة.

وقبل سنة من وفاته عام 2017، فإن الاستراتيجي الاميركي الشهير والعدو اللدود لروسيا سبيغنيو بريجينسكي، كتب محذرا من ان "أسوأ سيناريو" يمكن ان تتعرض له الولايات المتحدة الاميركية هو تشكيل "تحالف كبير بين الصين وروسيا".
والسياسة الغبية المعادية لروسيا والصين، التي تنتهجها القيادة الاميركية الحالية، والتي تعبر عن الازمة الوجودية للنظام الاميركي، انما تدفع روسيا والصين الى تحقيق هذا السيناريو "الاسوأ لاميركا" الذي حذر منه سبيغنيو بريجينسكي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل

 

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات