معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

عام على الطوفان.. خسائر العدو الاقتصادية بفعل الجبهة اللبنانية
08/10/2024

عام على الطوفان.. خسائر العدو الاقتصادية بفعل الجبهة اللبنانية

نجحت جبهة الإسناد اللبنانية على امتداد عامٍ كامل في شلّ الاقتصاد الصهيوني كما لم يفعل أحد من قبل. الاقتصاد الذي عمل الكيان على تعزيزه وتثبيت دعائمه لعقود من الزمن لا سيما شمالًا، اهتزت أركان قطاعاته باختلاف نشاطاتها على وقع ضربات المقاومة الاستنزافية، ملحقةً بها أضرارًا جسيمة قد يحتاج ترميمها واستعادة الثقة بها إلى عقود زمنية طويلة.

ولأن مفاعيل الضربات المؤلمة في الميدان الاقتصادي تقرأ بلغة الأرقام، كان لا بد من استعراض الخسائر الفادحة لأكثر القطاعات الاقتصادية تصدّعًا في الكيان المحتل، الخسائر التي صرّح عنها خبراء العدو أنفسهم بأنها قد تصل إلى 100 مليار دولار.

انهيار القطاعات الإنتاجية 

لعلّ أكثر القطاعات تأثرًا بمفاعيل ضربات المقاومة كان القطاع الأهم في الاقتصاد الصهيوني، والحديث هنا عن القطاع التكنولوجي الذي تضرر بشكل بليغ جدًا، لا سيما وأن معظم الشركات الناشئة المستثمرة في مجال التكنولوجيا تتمركز في منطقة الشمال. في تحديث أخير للأرقام الصادرة عن موقع "واينت" "الإسرائيلي" والذي نشر من أيام، فإن 49% من هذه الشركات قد ألغت استثماراتها، 43% منها لم تتلق أي دعم حكومي، 41% نقلت أنشطتها إلى وسط البلاد، بينما 40% منها تفكر في نقل عملياتها إلى خارج فلسطين المحتلة.

في السياق نفسه وتحديدًا في المنطقة الجغرافية الشمالية، يشير المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق إلى أن 90% من شركات التكنولوجيا في الشمال لا تثق بقدرة الحكومة على قيادة التعافي، و70% منها لا قرار حاسم لديها بالعودة، بينما 20% منها لن تعود، هذا عدا عن عمليات الدمج والاستحواذ التي وصلت قيمتها منذ بداية الحرب لـ 9.6 مليار دولار عبر 73 صفقة بسبب إقفال العديد من الشركات وإفلاسها. والجدير بالذكر، وفقًا للباحث الاقتصادي الدكتور رشيد  الحداد، أن خسائر الكيان الصهيوني الاقتصادية في المنطقة الشمالية قد تصل لـ 130 مليار دولار في حال نشوب الحرب الشاملة، لا سيما مع توسع رقعة النيران داخل فلسطين المحتلة.

في الميدان  الإنتاجي تحتل خسائر القطاع الزراعي أيضًا حيّزًا كبيرًا في لائحة الخسائر العامة، إذ من المعروف أن المنطقة الشمالية تضم آلاف المشاريع الزراعية والاستثمارية، وقد تسببت عمليات إخلاء المستوطنين في إغلاق كامل للقطاع الزراعي، ووفق تقرير صادر عن مكتب رئيس حكومة الاحتلال "نتنياهو" في شهر آب /أغسطس الماضي، فإن خسائر القطاع الزراعي والتكلفة الإجمالية لخسارة الغذاء خلال 10 أشهر من الحرب تقدر بنحو مليار شيكل (نحو 265 مليون دولار). 

الخسائر توالت لتشمل أيضًا القطاع السياحي الرائد في الكيان المحتل لا سيما في الشمال، حيث بلغت الخسائر في قطاع السياحة الدولية 18.7 مليار شيكل (5.04 مليارات دولار) بينما سجّلت خسائر في قطاع السياحة الداخلية بلغت 756 مليون شيكل (204 ملايين دولار) وخاصة شمال فلسطين المحتلة، وفق الأرقام التي نقلتها صحيفة جيروزاليم بوست "الإسرائيلية" عن وزارة السياحة في الكيان المحتل.

الدكتور الحداد أكد أن تراجع إنتاج هذه القطاعات لا سيما في شمال فلسطين المحتل، يتأثر بتراجع أعداد العاملين فيها بسبب التحاقهم بصفوف جيش الاحتلال، أو ما يسمى باستدراج الاحتياط لصفوف الجيش والتداعيات السلبية لهذا الأمر على أداء هذه القطاعات.

تداعيات مالية كارثية

من القطاعات الإنتاجية إلى القطاعات المالية، وأولى بشائر تعمق المأزق الاقتصادي هو النزيف المتواصل للشيكل  ولبورصة "تل أبيب"، حيث واصل الشيكل "الإسرائيلي" ومؤشر بورصة "تل أبيب" خسائرهما في اليومين الماضيين مسجلين تراجعًا جديدًا بنسبة 0.23% و1.41% على التوالي، بعد أن خفضت وكالتا "ستاندرد آند بورز" و"موديز" تصنيف "إسرائيل" للمرة الثانية لكل منهما هذا العام.

صباح الخميس الفائت، صُرف الدولار بأكثر من 3.78 شواكل، منخفضًا أمام العملة الأميركية بنسبة 0.23% عن إغلاقه في تعاملات الجلسة السابقة، لتتجاوز خسائر العملة "الإسرائيلية" في ثلاثة أيام 18%، بحسب وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا). وسجل المؤشر الرئيسي، في بورصة "تل أبيب" (TA 35)، في آخر جلسة تداول الثلاثاء، تراجعًا حادًا منخفضًا بنسبة 1.42% إلى 2093.48 نقطة.

هذه الكوارث المالية يضاف لها صفعة جديدة، تمثلت بخفض وكالة "ستاندرد آند بورز" التصنيف الائتماني للكيان الصهيوني بدرجة واحدة من (+A) إلى (A) مع نظرة مستقبلية سلبية في ما يبدو تمهيدًا لخفض آخر، وذلك بعد أيام فقط من قرار وكالة "موديز"، خفض تصنيف "إسرائيل" درجتين إلى (Baa1) مع نظرة مستقبلية سلبية أيضًا، فيما يتوقع محللون أن تخطو وكالة التصنيف العالمية الثالثة "فيتش" خطوة مماثلة قريبًا.

إن تخفيض تصنيف "إسرائيل" يحمل في طياته تداعيات أعمق من مجرد أرقام، فهو يؤثر بشكل مباشر في ثقة المستثمرين بالاقتصاد "الإسرائيلي"، كما يؤثر في قدرة "إسرائيل"على تمويل نفسها بتكاليف معقولة في المستقبل، ويعني خفض التصنيف الائتماني ارتفاع كلفة الديون "الإسرائيلية،" وبالتالي عجز الموازنة، وهذا ما أكده الباحث الاقتصادي الدكتور أمين صالح.

عجز في الميزانية وإنفاق خيالي  

لا بد أن ارتفاع الديون "الإسرائيلية" سينعكس بالطبع عجزًا في موازنة هذا الكيان، وهذا ما تظهره التقارير الصادرة عن وزارة المالية في الكيان المحتل. يشير الدكتور صالح إلى أن نسبة الديون هذه قد تصل إلى 80% من الناتج المحلي "الإسرائيلي" بعد أن كانت قبل معركة طوفان الأقصى لا تتخطى الـ60%، وذلك وفقًا للنائب السابق لمحافظ بنك "إسرائيل"، أما عجز الميزانية فبلغ 12.1 مليار شيكل (3.24 مليارات دولار) في آب/أغسطس الماضي، وهذا العجز نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي ارتفع خلال 12 شهرًا حتى آب/أغسطس إلى 8.3% من 8% في تموز/يوليو.

الإنفاق الحربي فرض نفسه أيضًا كعامل أساسي في عجز الموازنة،  فقد بلغ أرقامًا قياسية بنحو 97 مليار شيكل (26 مليار دولار). ورجحت التقارير أن يواصل العجز ارتفاعه خلال الربع الثالث من هذا العام، مع العلم أن الكلفة المباشرة لتمويل الحرب هي نحو 130 مليار شيكل، أمّا التكلفة غير المباشرة والتي يجب دفعها لاحقاً، قد تبلغ 250 مليار شيكل، وذلك بناءً لتقرير آخر نشرته صحيفة  "إيكونوميست" البريطانية في آب/أغسطس المنصرم.

هذه الخسائر امتدت لتشمل أيضًا معدل التضخم في الكيان الصهيوني والذي ارتفع خلال آب/أغسطس الماضي إلى أعلى معدل له في نحو سنة عند 3.6% بعد أن بلغ الـ 3.2% في تموز/يوليو، وهو أعلى مستوى له منذ تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وفق ما أظهرت بيانات المكتب المركزي للإحصاء.

ارتفاع مستويات التضخم ترافقت أيضًا مع ارتفاع وتيرة هروب الأموال من بنوك "إسرائيل" إلى مؤسسات أجنبية، وسط استعداد المستثمرين لمشهد كارثي إذا ابتلعت الحرب كل مناطق فلسطين المحتلة، وأشارت الصحيفة البريطانية إلى أن المستثمرين غير متأكدين من قدرة "إسرائيل" على التعافي، في ظل ما تعانيه البنوك لديها من هروب رأس المال، وهذا ما أفادت به أكبر 3 بنوك "إسرائيلية" بزيادة كبيرة في عدد العملاء الذين يطلبون تحويل مدخراتهم إلى بلدان أخرى أو ربطها بالدولار، ووفقًا للباحث الحداد، فإن اليونان هي إحدى أهم الدول التي بدأت باستقطاب الأموال الهاربة من الكيان المحتل.

مؤشرات عجز إضافية 

الخسائر المتراكمة على كاهل الاقتصاد الصهيوني ازدادت ثقلًا بعد نزوح ما يقارب الـ 250 ألف مستوطن من شمال فلسطين المحتلة، حيث انتقل عشرات الآلاف منهم للإقامة في فنادق، وبناءً عليه أقرت "إسرائيل" منذ أيام قليلة بزيادة ميزانيتها بـ 923 مليون دولار لتمويل المستوطنين النازحين، وهذا بحد ذاته عامل إرهاق للاقتصاد الصهيوني، لا سيما مع اتساع الرقعة الجغرافية التي تطولها صواريخ المقاومة، ما يعني المزيد من المستوطنين النازحين نحو مناطق أخرى، وبالتالي ارتفاع كبير في تكاليف النزوح، كما رأى الدكتور الحداد.
وفي السياق نفسه، يشير الدكتور صالح إلى أن الأضرار غير المباشرة والتعويضات للمتضررين في شمال فلسطين المحتلة بلغت تقريبًا 6 مليارات دولار، مع العلم أن الشمال يضم أكثر الاستثمارات والأصول الاقتصادية ثقًلا، والتي تقدر قيمتها بما يقارب الـ 200 مليار دولار. 

وعن معدلات النمو الاقتصادي، فقد وصلت مؤخرًا إلى نسبة 0% بسبب توقف الحركة الاقتصادية بمختلف أنحاء فلسطين المحتلة، وهذا لم يكن يتوقعه كيان العدو يومًا طيلة 75 عامًا، ويشير الدكتور حداد إلى أن هذا الأمر يأتي بعد أن خفضت وكالة "ستاندرد آند بورز" توقعاتها للنمو لهذا العام والعام المقبل في الكيان المحتل، وكانت الوكالة قد توقعت نموًا بنسبة 0% في عام 2024 و2.2% في عام 2025 إلى جانب اتساع العجز المالي على المدى القصير والمتوسط.

يضم لهذه الخسائر الإنفاق العسكري الذي فاقم عجز الموازنة في الكيان المحتل على نحو خرافي، حيث بلغ الإنفاق العسكري "الإسرائيلي" 118 مليار شيكل (30.5 مليار دولار) وهو رقم يمثل الميزانية المعتمدة وليس الإنفاق الفعلي الذي يسجل أرقاماً أكبر، لا سيما مع اتساع رقعة الحرب في الجبهة الشمالية وإمكانية استمرارها حتى نهاية العام. 

الدكتور صالح أكد بدوره أن أرقام هذه الخسائر ستصبح خرافية مقارنة مع تلك الناتجة عن نشوب حرب شاملة، وهذا ما يخشاه الخبراء الصهاينة الذين يطلقون عليه ما يسمى بـ "سيناريو الرعب"، والذي قد يتسبب بحصول انكماش اقتصادي يصل لـ 1.5% إذا استمرت الحرب حتى نهاية العام الحالي.

حزب اللهالكيان الصهيونيالمقاومة

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة