يوميات عدوان نيسان 1996

آراء وتحليلات

غرب افريقيا ساحة صراع
13/06/2019

غرب افريقيا ساحة صراع "داعش" و"القاعدة"

محمد محمود مرتضى

في أواخر شهر نيسان/ أبريل الماضي، ظهر زعيم تنظيم "داعش" أبو بكر البغدادي في شريط فيديو حث فيه أنصاره على مواصلة "الجهاد" ضد أعداء ما سماها "الخلافة". يظهر في الفيديو البغدادي وهو يحتضن تنظيمين أقسما له بالولاء، الأول في مالي والثاني في بوركينا فاسو، وهما تنظيمان شنا هجمات خلال الأسابيع الأخيرة.

قيام "داعش" بمحاولة ترسيخ قدمه في إفريقيا ليس التهديد الوحيد الذي يواجه مالي وجيرانها فهناك "القاعدة" أيضًا التي تخوض تتنافساً مع "داعش" على قيادة ما يسمى "الجهاد العالمي". ويتواجد تنظيم "داعش" اليوم في جميع أنحاء إفريقيا تقريباً، ومنها تلك الروافد التي أقسمت بالولاء له في مصر وليبيا وتونس والصومال ونيجيريا، والآن أيضًا في مالي وبوركينا فاسو.

في المقابل، يملك تنظيم "القاعدة" العديد من الأنصار في مصر وسيناء تحديداً، غير أن نشاطهم هناك تراجع بسبب نجاح ولاية "داعش" في سيناء، كما أن تنظيم بوكو حرام في نيجيريا المنتمي لـ"القاعدة" تاريخياً ، نقل ولاءه إلى "داعش"، أما في ليبيا، فتظهر المعارك بين أنصار "القاعدة" وأنصار "داعش"، رغبة كل طرف في السيطرة على أجزاء من الدولة.

أما في الصومال، فتستمر جماعة "الشباب المجاهدون" في الحفاظ على انتمائها لـ"القاعدة"، وتُعد الرافد الأساس للتنظيم في شرق إفريقيا، نظرًا لسيطرتها أيضًا على كينيا وتنزانيا. كما لدى "القاعدة" فرع في المغرب الاسلامي، يعمل في الجزائر وتونس والمغرب ودول أخرى في المنطقة.

يرتبط تنظيم "القاعدة" في المغرب بتنظيم "أنصار الدين" في مالي. ويعمل "أنصار الدين" مع تنظيمات أخرى مرتبطة بتنظيم "القاعدة" في المغرب مثل "التوحيد والجهاد" في غرب إفريقيا وكتيبة "الموقعون بالدماء".

صعود "داعش" على ظهر "الخلافة" مكّنه من اختراق الساحة الافريقية رغم الهجمات المتزايدة التي تشنها "القاعدة". ففي أيار من العام 2015، أقسم مسؤول كبير في "المرابطون" بالولاء للبغدادي، وقام بتنفيذ هجمات ضد أهداف مختلفة في مالي، وبوركينا فاسو والنيجر. ورغم أن هذا الفرع يواصل هجماته على حدود مالي والنيجر، إلا أن تنظيمات "جهادية" بمختلف أسمائها، لا زالت متمسكة بولائها لتنظيم "القاعدة" وزعيمها أيمن الظواهري. ويعود ذلك بشكل أساس الى أن "خلافة داعش" لم يتسن لها العيش لأكثر من عامين تقريباً، قبل أن تبرز علامات أفولها. ولو كُتب لها أن تطول أكثر من ذلك لربما رأينا تحولات أكبر في صفوف هذه الجماعات.

ومهما يكن من أمر فقد بدأ الاتجاه نحو توحيد صفوف تلك التنظيمات مع تأسس تنظيم "المرابطون"، وبلغ ذروته في آذار من العام 2017، عندما اندمج تنظيم أنصار الدين مع "المرابطون" ومع جماعتين أُخريين عُرفتا بانتمائهما لـ"القاعدة"، فقاموا بتأسيس تنظيم "نصرة الإسلام والمسلمين". ذلك التنظيم الذي يعتبر اليوم أكبر وأخطر تنظيم "جهادي" في الساحل الافريقي، هو ليس مجرد تنظيم محلي، بل جزء من "القاعدة"، وهو على اتصال ببقية فروعها في إفريقيا.

إن نشاط "نصرة الإسلام"، يعكس مدى اختراقه لحدود مالي وضمه "للجهاديين" في المنطقة. اذ من خلال شبكة "القاعدة" في بوركينا فاسو، أسس "نصرة الإسلام"، رافدًا محليًا آخر يحمل اسم "أنصار الإسلام"، والذي نفذ منذ عام 2017 هجمات عدة على أهداف متنوعة.

من الواضح أن المنافسة بين "القاعدة" و"داعش" على ولاءات الجماعات المحلية، ليست مقتصرة على إفريقيا، فهي موجودة أيضًا في أماكن أخرى.

وعلى أي حال، يعتبر هجوم جماعة "نصرة الإسلام" على قاعدة الاتحاد الأوروبي في باماكو بمالي في شهر شباط من العام  2019 جزءا من هذا الصراع، لا سيما العبارات التي نشرها التنظيم في توثيق عمليته حيث كتب: "إن قوات الاحتلال الأوروبية موجودة هناك في القاعدة لتدريب جيش مالي".

كما أن الهجوم الذي وقع في نيسان من العام الجاري، حيث اقتحم مسلحون كنيسة في بوركينا فاسو، هو مجرد بداية لهجمات لاحقة تعرضت لها ثلاث كنائس في أيار الماضي  أسفرت عن مقتل عشرين شخصًا، ورغم عدم قيام أي فصيل بإعلان مسؤوليته عن هذه الهجمات، إلا أن بصمات "داعش" تبدو ظاهرة عليها ضمن سلسلة العمليات التي جاءت في سياق الرد على الهجوم الارهابي الذي وقع في نيوزيلندا في الخامس عشر من شهر آذار/ مارس الماضي، والتي أودت بحياة إحدى وخمسين ضحية من المصلين المسلمين في مسجدين على يد مواطن أسترالي. وقد ظهر من سلوك "داعش" أن الرد على هجوم نيوزيلندا الارهابي يمثل فرصة ينبغي الاستفادة منها في اعادة الاستقطاب والاستنهاض.

وعلى أي حال، إن تواجد "داعش" في مالي وجوارها، والتنافس مع تنظيم "القاعدة"، يزيد من تغلغل الجماعات التكفيرية، لا سيما بأفكارها، في المنطقة، كما يوطِد العلاقة بين التنظيمات "المحلية" والخارجية، ويعكس ظهور تنظيم "نصرة الإسلام" هذا التوجه، اذ إن تلك التنظيمات المحلية تطمح للسيطرة على مناطق في الدول "المتعثرة" التي تعمل فيها، بينما يعمل "داعش" و"القاعدة" على استثمار أنشطة تلك التنظيمات لصالح "الجهاد العالمي"، وتطمح إلى تحويل مناطق نشاطها إلى بؤر متوترة، من شأنها أن تنتج جماعات ارهابية، اذ غالبا ما كانت عمليات "النكاية والانهاك"، مصنعاً لتوليد الأنصار والمقاتلين.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات