يوميات عدوان نيسان 1996

نقاط على الحروف

بطاقة معايدة
05/06/2019

بطاقة معايدة

عبير بسام
جاء العيد يطرق الأبواب، وفي كل مرة يأتي فيها ننظر خلفاً مرة، وأخرى نحو الأمام. ننظر خلفاً لنتفحص ما أنجزناه أو ما قصرنا بإنجازه ونحن نتابع مسيرتنا. ولا ننس أننا نعيش في وقت انتصارات وتحرير، ولكن في الوقت نفسه تعاني منطقتنا العربية الكثير من المصاعب وأسوء ما فيها سفك عروبتنا ودمنا وإستباحة أرضنا باسم الحرية؛ ولا يمكننا في أي قطر عربي أن نعزل أنفسنا عما يحدث حولنا، وبالتالي علينا تحمل مسؤولياتنا تجاه أنفسنا وتجاه بلدنا والأجيال القادمة، التي علينا أن نحمي مستقبلها وإرثها. فالزمن لم يقف ومازال هناك الكثير مما يجب القيام به، إن كان على المستوى الفردي أو على مستوى الجماعه أو على المستوى الوطني. دون أن تخلو قلوبنا من الأمل بحياة أفضل تمتد أمامنا كبساط ربيعي، وما برح الحلم بأيام أفضل يلفنا، ويبدو أن العبور نحوه في هذه المرحلة شبيهاً في مظهره ومضمونه بمجيء العيد بعد شهر من الصيام. وهذا الحلم يصنعه رجال ونساء وأطفال علينا أن لا ننس إرسال بطاقات المعايدة لهم لأنهم صانعوا الأمل بالغد الأفضل.

لنبدأ من لبنان، فالبطاقة الأولى نرسلها إلى هؤلاء الذين يرابطون على الحدود يحمونها ويحمون الأرواح والذين كانوا قادرين بإرادتهم الحرة أن يفرضوا، بعد سبعين سنة من المعاناة والصراع، معادلة ردع على كيان قوض الأمن وهتك الأعراض وقتل وارتكب المجازر. كيان فاسد ظن أنه السيد الأوحد في المنطقة يستطيع أن يرتكب ما يرتكب من جراائم دون محاسبة. لقد بات واضحاً أن انتهاك لبنان من قبل الإسرائيلي لم يعد نزهة سهلة، خاصة بعد التهديد الذي أطلقه الامين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله بسرعة على أية ضربة اسرائيلية، والتي تحمل في مضمونها أن ثقته وراءها رجال عاهدوا الله وأن قيمتهم الإنسانية هي جزء لا يتجزأ من قيمة الأرض وكرامة العيش فيها.

البطاقة الثانية يستحقها وبكل تقدير هؤلاء الصامدون في اليمن الباسل، وهم يدافعون ليس فقط بمقاتليهم ولكن بأرواح أطفالهم التي سلبها القصف والمرض والجوع، وبأجساد رجاله ونسائه التي انهكها التعب، ومازالوا صامدين وسيخرج اليمن بعد طول الصراع قوة عربية صامدة تقف في وجه اسرائيل ومن خلفها، فاليمن هو إحدى الدعائم الهامة للقضية الفلسطينية، وهوالصخرة التي ستتكسر فوقها أمواج الخيانات.

وأما البطاقة الثالثة فهي بالتأكيد إلى جميع هؤلاء الذين صنعوا الإنتصارات على "داعش" وأخواتها في سوريا والعراق، ولا يزالون يصنعونها حتى اليوم. هؤلاء استحقوا بجدارة البطاقة الثالثة، لأن شجاعة هؤلاء سترسم وجه المنطقة بأيد أهلها على الرغم من تآمر العالم على إركاعهم والزامهم بقبول أمر واقع جديد بتقسيم البلاد العربية إلى مجموعة من الدول الطائفية والمذهبية. لقد فرض الجندي والمناضل السوري والعراقي بإقدامِه على فرض مفهوم دولته العربية المستقلة والعلاقات العربية ـ العربية، وهو لا يبني في ذلك على قرارات الحكام الذين تآمروا على بلاده، وإنما يبني على الصمود الشعبي العربي واثقاً بصمود قيادات حرة.

وهنا تحضر البطاقة الرابعة التي يجب ان ترسل إلى جميع الأمهات والزوجات والأخوات في تونس، اللاتي أوقفن بحمكتهن وشجاعتهن تدفق الشباب التونسي للقتال في صفوف "داعش" والنصرة ضد إخوانهم في سوريا والعراق تحت مسميات دينية وشعارات كاذبة بالحرية وخلق فرص العمل والحياة الأفضل للشباب العربي بعد حملات الربيع العربي التي أطاحت بأمن واستقرار المنطقة. لقد دفعت شجاعة هؤلاء النسوة حكومة  تونس إلى تغيير في مواقفها ومنع تدفق شبابها باتجاه سوريا والعراق، وعملن على نشر الوعي إلى ما يتعرض إليه الشباب التونسي من حملات تغييب الوعي والتي ادت في نهاية الأمر إلى تراجع قوة هؤلاء في تونس، ولم يعد بإمكان الأمركيين والإسرائيليين من التعويل عليها من أجل فتح المجال أمام علاقات التطبيع مع الدولة العبرية، والتي يتظاهر ضدها التونسيون في جميع أنحاء تونس كلما أنذر الجو السياسي فيها عن التوجه إلى خطوات تشابه خطوات العائلات المالكة في السعودية والبحرين والإمارات، والتي تدب نحو صفقة القرن.

والبطاقة الخامسة هي للشعب العربي في البحرين، الذي تظاهر في مساء جمعة القدس ليعبر عن رفضه لما سيمرر من خلال مؤتمر البحرين الإقتصادي حتى قبل أن يأتي. وعلى الرغم من القمع والسجن الذي يتعرض له البحرييّون منذ أكثر من خمس سنوات. غير أنهم لم يستكينوا منذ انطلاق شرارة الحرية في ساحة اللؤلؤة والتي أجفلت الأميركيين والإسرائيليين وبعض دول الخليج العربي. لأنه إذا ما كتب لشجعان البحرين النجاح في مسعاهم فإن ذلك سيكون فعلياً المسمار الأخير وليس الأول الذي يدق في العروش العربية المتخلفة جميعها.

وأما أجمل البطاقات فهي للصدور العارية التي تتظاهر كل يوم من أجل مسيرات العودة في فلسطين، والذين بتنا نستحي منهم ومن عظيم بطولات نسائهم ورجالهم من أطفال وشيوخ وشباب. نضال لم يتوقف وعزيمة لاتفتئ في كل يوم تتجدد. قد تحمل البطاقات الماضية صوراً من الورود والأزهار، وقد تحمل كلمات فيها الكثير من المحبة والأمل. ولكن بطاقة أهل فلسطين هي صورة شاب يرمي بيده المقلاع، رمز التحركات والثورات والمقاومات التي قامت في فلسطين منذ الإنتفاضة الأولى في العام 1987 وحتى يومنا هذا. لأن هذا المقلاع هو الأمل الذي خلقه الفلسطيني بذراعه وطوره ونماه ليصبح أجمل بطاقة معايدة قدمتها فلسطين للعالم العربي والإنساني الذي يقف معها ويتظاهر لأجلها ولأجل حرية أهلها وأرضها، فلولا هذا المقلاع والمرابطين معه لما بقي لنا أمل نرنو إليه.

وكل البطاقات، لكل أم استشهد أحد أبناءها أو بناتها، ولكل رجل وامرأة في بلادي مازالوا يحملون الراية ويدافعون عنها بالأنفس والسلاح، ولكل جندي ومقاوم يرابط على الحدود ليحميها، ولكل مناضل دفع حياته ثمناً للكلمة الحرة ومن أجل فلسطين: القضية الأساس، ولكل قائد وضع روحه على كفه وقدم نفسه للشهادة على محراب الوطن.

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف