يوميات عدوان نيسان 1996

خاص العهد

 القدس التي لم يتركها الإمام يوماً 
04/06/2019

 القدس التي لم يتركها الإمام يوماً 

فاطمة سلامة

ثمّة شخصيات ترحل وتُنسى كأنها لم تكن. وشخصيات أخرى ترحل لكنّ ذكراها تبقى متوقّدة بشكل دائم. هكذا كان الإمام روح الله الموسوي الخميني "قده" الذي نعيش ذكرى رحيله الثلاثين في هذه الأيام. هذا الرجل الذي قيل فيه وروي عنه الكثير حتى أعطي لقب "أمة في رجل"، لم يغفل عن أدق التفاصيل التي تشغل بال الشعب، ومستقبله. ذهب بعيداً في حمل قضايا الأمة وهمومها.  هم تحرير فلسطين والقدس كان على رأس تلك القضايا. يكفي أن نسترجع بعضاً من أقوال الإمام وخطاباته ولقاءاته، حتى نعي الحيز الذي أخذته هذه القضية في وجدانه. إذ لم تأخذ قضيّة من وقت الإمام واهتماماته بالقدر الذي أخذته فلسطين. منذ فجر الثورة، نادى الإمام بتحريرها، وأطلق لأجل قدسها يوماً سنوياً عالمياً تُجدّد فيه الوعود بتحرير هذه البقعة المباركة من رجس الاحتلال. 

المتتبّع لفكر الإمام الخميني "قده" وعلاقته الوثيقة بالقدس، يكتشف المستوى المتقدّم الذي قارب فيه قضية فلسطين، والتي جعل لها أبعاداً هامة باعتبارها تمثل ساحة الصراع بين الحق والباطل، المستضعفين والمستكبرين، الاسلام والكفر، والالتزام والنفاق.أعطى  الإمام القدس بعداً عاماً إذ لم تكن بالنسبة اليه مسألة شخصية أو خاصة ببلد ما. كما لم يعتبرها مسألة يعود تحريرها حكراً على المسلمين في العصر الحاضر، بل صنّفها بأنها قضية كل الموحدين والمؤمنين في العالم السالفين منهم والمعاصرين واللاحقين. وبناء عليه، حرص الإمام على جعل قضية تحرير القدس حيّة في نفوس كل أحرار العالم، ولأجل ذلك عمد الى حشد الطاقات وشحن النفوس، وأصدر التوصيات بجعل يوم القدس يوماً لكل المسلمين في العالم بل لكل المستضعفين، داعياً الى أن يكون منطلقاً  لمقارعة المستكبرين والظالمين.

كتاب "القدس في فكر الإمام الخميني" شاهدٌ على المكانة التي احتلتها أولى القبلتين في عقل ووجدان مفجّر الثورة. هذا الكتاب يوثّق بما لا يقبل الشك تصدر أولوية تحرير القدس وفلسطين، أجندة الإمام بعد سقوط الشاه، حيث توجّه الراحل شطر المسجد الأقصى ورماه بوعده الجبار مؤكداً له أنّه سيتحرر ولو بعد حين. تحرير فلسطين بكامل ترابها أعطاها الإمام كل الأبعاد التي ترمز اليها كإسلامية وقومية ووطنية، فضلاً عن كونها رمزاً لإرهاب الصهاينة من جهة ولمظلومية الشعب الفلسطيني من جهة ثانية. 

الإمام لم يدعو الى تحرير فلسطين فحسب بل حدّد الأسباب الكبرى والرئيسية التي أدّت الى ضياعها. أشار الى مكامن الداء الحقيقية دون مواربة أو مهابة أحد. لفت بصراحة الى الحكام والملوك والرؤساء والزعماء على اعتبار أنّهم الأصل في ضياع فلسطين وتسليمها للعدو. وفي هذا الصدد، يقول الإمام "إن اختلاف وعمالة بعض رؤساء البلدان الاسلامية لا يعطيان الفرصة والإمكانية لسبعماية مليون مسلم في أن يحلوا مشكلة القضية الفلسطينية التي تمثّل أشد مصائبنا". كما يقول "إنّ أكثر الحكومات مشغولة بالقيام والقعود والمفاوضات التي لا نتيجة منها تاركين المجاهدين الفلسطينيين الشجعان الذين يقاومون "إسرائيل" برجولة لوحدهم".  

وبعد أن شخّص سماحته أسباب ضياع فلسطين، رسم السبيل الى استعادتها عبر الجهاد ودعم الانتفاضة المستمرة، ورفض المخططات والمعاهدات واتفاقات الصلح مع الكيان الغاصب. بهذه الطريقة "نقتلع بذور الفساد من كل بلاد المسلمين ونجتث جذور "إسرائيل" الفاسدة من المسجد الأقصى ومن بلدنا الاسلامي لنذهب معاً ونقيم صلاة الوحدة في القدس إن شاء الله"، الكلام للإمام الذي لم يترك القدس يوماً.

إقرأ المزيد في: خاص العهد