يوميات عدوان نيسان 1996

نقاط على الحروف

عروج الروح: مسيرة الرؤى والتضحيات والقرارات الصعبة
04/06/2019

عروج الروح: مسيرة الرؤى والتضحيات والقرارات الصعبة

إنه الامام الخميني.. وذكرى رحيله الثلاثون تطل، تذكرنا باستتار الشمس خلف الغمام، حيث القرص يغيب ويبقى الأثر النور ينتشر في أرجاء الكون يبعث في الزوايا الضوء والحياة..

في مطلع القرن العشرين كانت الولادة في البيت المتواضع من القرية المتواضعة (خمين) التي أصبحت في ما بعد مهبطاً لقلوب العاشقين والمحبين، فكبرت وكبرت حتى أضحت معلماً من معالم الدنيا الأولى..

وسرعان ما تفتح البرعم وانبثق الأريج من هذا الانسان الذي حلّ وكأنه من عين الغيب جاء يحمل التباشير والأمنيات وكل آمال المستضعفين، ففي مرحلة الشباب المبكر ولا أنسى أنها عقدان ونيف من الزمان، أصبح الفتى الخميني الذي عرف بعلمه وفلسفته وعرفانه وشخصيته التي لا تضاهى، ففي ذلك العمر اليافع كتب الخميني (قدس سره) الكثير من الكتب ذات الطابع العرفاني والسياسي، وكأنه يؤسس لدور تاريخي كبير كان يراه بأم العين منذ الصغر، ونشأ عليه منذ البداية، لذا ربّى نفسه ورسخ شخصيته وقوى ارادته وصقل تجربته وأغنى معارفه، حتى استطاع ان يبلغ الاجتهاد في سن مبكرة. الى هذه الملكة حوى الكثير من الملكات التي اعتبرها الامام 0(قدس سره) في ما بعد كلها أو بعضاً منها شروطاً أساسية في الاجتهاد، ليؤسس في ذلك لنظرية جديدة في هذا الباب تختلف عن النظرات والرؤى التقليدية التي كانت تحصر الاجتهاد في بابي الفقه والأصول، فإذا بالامام يشمخ بنظريته التي من خلالها استطاع ان يهز العالم لاحقاً، انها نظرية المعرفة للفقيه بأمور الزمان والمكان شرطاً أساساً في قبول اجتهاده وتفقهه، هذا فضلاً عن ضرورة تصديه للأمور بعد علمه بها.

وبعد ان أضحى الامام فقيهاً وعارفاً وزاهداً تصدى في بداية الستينات لمهمة سياسية اجتماعية ضخمة تمثلت في اعلان الثورة على النظام الملكي الشاهنشاهي المستكبر في ايران، هذه الثورة التي ركز دعائمها من خلال نظرية الولاية للفقيه، والتي ربّى من أجلها خيرة التلامذة المريدين والتابعين، والتي ناقشه في جدواها وإمكانيتها كبار العلماء والمجتهدين، والتي ظن الكثيرون انه في معرض التكتيك، كما جبن الكثيرون عن متابعة ومواكبة آرائه، أعلنها أمام الملأ بإيمان قاطع وبلغة حازمة لا تقبل المساومة أو التأويل.. انه الموقف الجريء والنهائي: يجب اسقاط نظام الشاه في ايران وإقامة الحكومة الاسلامية.. وقد بدأ ثورته من الحوزة التي هي برأيه مصدر الثورة، كما هي مصدر الاشعاع التي عمل الامام على بقائها حصناً منيعاً وسداً شامخاً أمام الكثير من حركات الطعن بالروحانيين والعلماء، كما عمل الامام (قدس سره) بعد حصول الثورة على تحييدها من دائرة السلطة، بعد ان كانت هي الباعثة للثورة التي أنتجت السلطة في ايران الاسلام.

عروج الروح: مسيرة الرؤى والتضحيات والقرارات الصعبة

في بداية الستينات ومن المدرسة الفيضية في قم ومع ثلة من المجتهدين والفضلاء الذين تتلمذوا على يديه، بدأت اشارات الثورة على الشاه الذي لم يتحمل الموقف وتصدى له بالقمع، مما أدى الى سقوط الشهداء الذين زكوا المسيرة منذ البداية، وكان لدمائهم البركات التي أنعشت الثورة، فالامام والقادة الثوريون من جهة والشعب المجاهد والشهداء من جهة ثانية كلاهما كان له الدور في اطلاق الثورة وفي استمرارها وتصاعدها.. ثم في وصولها الى النصر في النتيجة.

ومن جملة ما قام به الشاه نفي الامام (قدس سره) الى العراق بعد ان يئس من امكانية اخماد الثورة ومن إسكاته، لكن النفي حصل بعد أن وصل الصوت الهادر لهذا الامام الى نواحي ايران ومدنها وقراها ومحافظاتها، وتفاعلت معه جماهير الشعب المستضعف والمظلوم الذي تنتهك خيراته لمصلحة اميركا والمستكبرين والعائلة المالكة الطاغوتية.. ولم يؤدِّ النفي الى اخماد الثورة، بل تصاعدت بفعل المد الثوري في نفوس الجماهير، وهكذا كانت النار تمتد في الهشيم والشاه يحاول جاهداً ان يخمدها من دون جدوى، والامام في هذه الحالة قد أبعد من العراق فتوجه الى فرنسا وبقي عدة شهور، حيث كانت ارهاصات الثورة قد بانت وعلائم القيام قد لاحت، وأضحى الشعب يتوهج منتظراً قدوم الامام ليسير خلفه في رحلة اسقاط الشاه ونظامه المستبد.

وفي الأول من شباط عام 1979 حطت الطائرة التي حملت الامام من باريس الى طهران، وحملت معها كل احلام وآمال الملايين من الشعب الذي خرج بكل فئاته الى الشارع ليعلن ثورة الاسلام في ايران وإبادة الحكم الشاهنشاهي..

لقد عاش الامام عشر سنين بين ظهراني الشعب الذي أحبه والأمة التي والته، واستطاع خلالها ان يرسي دعائم الثورة وأن يركز ماهيتها الاسلامية، كما استطاع ان يطلق الصحوة الاسلامية وأن يوقظ المستضعفين على حقوقهم، وأن يؤسس للحركة الثورية ضد الظلم على امتداد العالم.. وفي ما بعد غفت عيناه اللتان أبكتا عيون الملايين وقلوبهم.. وما زالت للأبد.

وهكذا، خلال ما يقرب من ثمانين عاماً، استطاع الامام ان يؤسس لتغيير المعادلات التي قامت منذ بداية الخليقة في منظومة الصراع بين الحق والباطل، فكان الانتصار الساحق للحق برغم قلة الناصر، هذا الانجاز الذي سوف يحضر الأرض لانتصار آخر كبير تكون له انعكاساته على جميع الآدميين..

فسلام عليك أيها الامام يوم وُلدت ويوم دُفنت ويوم تُبعث حياً.

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف