خاص العهد
البحرين: حلّ الأزمة لم ينضج بعد
بلا مقدّمات، قرّر ملك البحرين حمد بن عيسى أن يعفو عن سجناء سياسيين وغير سياسيين في أضخم موجة إفراجات شهدتها أصغر ممالك الخليج. أجواء الاحتفالات طغت، بموازاة ارتفاع مؤشر الأمل بقرب انفراج الأزمة الوطنية المستمرة منذ 13 عامًا.
اليوم هدأ الصخب الذي رافق العملية التي وقّتها الحاكم بُعيد عيد الفطر. وكما يقول المثل العربي الشائع "راحت السكرة واجت الفكرة"، الكثير من الملاحظات تُسجّل والكثير من الواقعية تفرض نفسها، حتّى لا يغرق بعض المُحلّلين بآمالٍ مبالغٍ فيها.
أصواتُ الداخل ولقاء سلمان بابن سلمان
في البداية، أعقبت الإفراجات موجةً من المُطالبات الداخلية بضرورة ختْم ملفّ معتقلي الرأي والسجناء السياسيين بلا رجعة، قادتها أصوات وطنية توصف بالحكيمة، لا تجمعها علاقة ودّ مع السلطة، بقدر ما هي الخيار الوحيد لدى الملك بعد إقفاله باب الحوار مع المرجعيات الوازنة في البحرين وعلى رأسها آية الله الشيخ عيسى قاسم والأمين العام لجمعية "الوفاق" الشيخ علي سلمان.
في سياق التخمينات، هناك من يربط بين الزيارة الخاطفة والمُباغتة لوليّ العهد - رئيس الحكومة سلمان بن حمد إلى السعودية ولقاء وليّ عهدها محمد بن سلمان تزامنًا مع عيد الفطر، وصدور الإفراجات عن 1584 سجينًا. نُمِي إلى بعض الأوساط أن ضوءًا أخضر أُعطي للحُكم ليذهب إلى هذه الخطوة.
النظام أراد إحداث صدمة شيفرتها لا تُفكّك
عند التحقّق من الكواليس الداخلية والخارجية في البحرين، يتّضح أن ما هو مجزوم أن الدولة تعمّدت إحداث صدمة عند الشعب. صدمةٌ لم تُفكّك شيفرتها، ولم يتبيّن خيطها الأبيض من الأسود. إلى الآن، لم تُفسّر تبعاتها سوى أن الملك تحديدًا أراد تحقيق هدف إلى اليوم ما زال غامضًا وغير مفهوم وبلا ثمن، ولا سيّما أن عدم التجاوب مع المطالب الشعبية هو سِمتُه طيلة الـ13 سنة من عُمر الأزمة. لم يتفاعل خلال هذه الأعوام مع كلّ المواقف الإيجابية التي صدرت عن زعيم المعارضة المعتقل الشيخ علي سلمان، وقَطَعَ حبال الحوار مع أيّ جهة مُعارِضة وشريحة عريضة من الشعب ومن يمثّل أهواءه، وتوقّفت حتّى الوساطات العلنية التي تُفضي إلى تسوية وحلّ لمِحنة الوطن.
بحسب المعلومات، خرجت في الفترة الماضية أقاويل عن إمكانية الإفراج عن سجناء سياسيين، لكن لم تكن مدعومة بمعطيات حاسمة، على اعتبار أن الشائعات تتكرّر بين فترة وأخرى حيال قرب إطلاق معتقلي رأي. على أن أسلوب الصدمة انسحب على الأسماء المُفرج عنها، التي لم تخضع لمعيارٍ ثابت، فهناك من اقتربت محكوميته على الانتهاء وأُفرج عنه، وهناك من هو محكوم بالمؤبّد أُطلق مقابل من يقضي محكومية 10 سنوات وظلّ سجينًا. لا أحد يملك إجابةً تُفسّر هذا الاستنساب من قبل آل خليفة.
إضافة إلى ذلك، خلافًا لما نُسب إلى حكومة المنامة عبر وكالة "رويترز" بشأن نسبة المعتقلين السياسيين الذين نالوا حريّتهم في هذه الدفعة، أي 65%، يظهر بعد التأكّد أن هؤلاء نسبتهم قليلة في ظلّ اشتمالها على سجناء جنائيين ومن جنسيات مُختلفة.
خلفيات مُحتملة للإفراجات
ثمّة قراءة لهذا المشهد الداخلي في البحرين تقول إن ما أقدمت عليه السلطة قد يكون:
* إمّا رسالة إيجابية الى إيران وهدفها تحسين العلاقات معها،
* أو أنها مناورة لجسّ نبض أطراف المعارضة الوطنية،
* أو عملية تقليل من الاكتظاظ الكبير في السجون البحرينية جراء الأعداد الهائلة الموجودة فيها،
* أو عملية مُخاطبة لمن يهمّه أمر البحرين من الحقوقيين والمنظّمات الدولية وعواصم القرار من أجل تبييض صفحة النظام،
* أو أنها مقدّمة لإفراجات ثانية (احتمال ضعيف).
التسوية عمادُها حريّة الشيخ سلمان وتحقيق المصالحة الوطنية
ما هو غالب على هذه الإفراجات عامل الصدمة الغامضة إذًا التي لا تشير إلى قرب حلّ ملفّ المعتقلين السياسيين ولا سيمّا رموز المعارضة وعلى رأسهم الشيخ علي سلمان. لا مؤشرات مُطمئِنة إلى مخرجٍ ينهي الأزمة العالقة ويوصل إلى تسوية عمادُها حريّة الشيخ علي سلمان وتحقيق المصالحة الوطنية بالاستجابة إلى المطالب الشعبية والشراكة في القرار السياسي والاقتصادي.
الإفراج ليس حلًّا سياسيًا. يعرف الملك هذا تمامًا، ويعرف أيضًا أن الشخصيات الوطنية في الداخل والخارج تؤمن بذلك. لسنا أمام غزلٍ من جانب الدولة للمعارضة المُعتقلة والمُحاصرة.الذي يريد فتحَ صفحةٍ جديدة لا يُراوغ ولا يَكيد، يُصارح ويُصالح ويعتمد الأسلوب المباشر في التخاطب مع الآخر في الوطن، ويُبادر إلى كلمة سواء لا يحتاج فيها وسطاء، لأنّ الهدف أسمى من كلّ المصالح والثروات.
الشيخ علي سلمانالمعارضة البحرينية
إقرأ المزيد في: خاص العهد
14/10/2024