يوميات عدوان نيسان 1996

نقاط على الحروف

الهدف الأثمن في إيران
22/05/2019

الهدف الأثمن في إيران

أحمد فؤاد
يبحث أطراف أي صراع عن راية أخلاقية، ويضغطون عليها دومًا لتبرير حالة الاستنفار، وضمان تجييش جهود شعوبهم وراء فكرة الحرب، والأهم لقبول التضحيات المتوقعة، واستمرار الحماسة الوطنية لنهاية المدى، وشحن المناخ العالمي بعنصر حركة، يوفر التفهم والتعاطف مع هذا الطرف أو ذاك.

ومع ثورة التكنولوجيا، بات من أول أهداف الأطراف المتصارعة على المسرح العالمي، كسب الجولة الأولى في أي حرب، وهي معركة السباق على ضمير العالم وعقله، وهذه تستلزم بالطبع شيطنة الطرف المقابل، ووصفه بأي ـ وكل ـ نقيصة ممكنة، وقلقلة الإجماع الوطني لدى مواطنيه، ما أمكنها ذلك، وتلك كانت واحداً من أهم أسلحة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وإلى اليوم، إذ انتشرت الإذاعات الموجهة للشعوب بلغاتها الأصلية، وهي تتخذ اليوم في ظل سيطرة وسائل التواصل الاجتماعي صورًا أخرى، تضمن تحقيق الأفكار ذاتها.

في هذا السياق، وبالتوازي مع مناخ الحشد والتعبئة الخليجية ضد الجمهورية الإسلامية، لم يكن غريبًا أن ينشط الإعلام العربي الممول والموجه من أبناء سعود وأبناء زايد، لوصم الإيراني بكل نقيصة، واستبقت الأقلام المباعة الحرب ـ التي يمنّون أنفسهم بها ـ بهجوم كاسح على كل هدف ظاهر أمامهم، ومحاولة دفع شعوب عربية أخرى إلى أتون الصراع، بالإغواء واللعب على وتر الطائفية، لخلق حالة من الوحدة أو الدعم اللازم للمواجهة العسكرية.

بدأ الهجوم الإعلامي المكثف على الهدف الأثمن، منذ شهر نيسان/أبريل الماضي، ويأتي استمرارًا لسياسة النيل من الحرس الثوري ـ وهو لم يتوقف أصلًا ـ وبات كل ما يخص "الحرس" مستباحًا للخناجر والسهام، وبمجرد البحث على شبكة الإنترنت، ستصدم بعشرات التقارير، الصادرة آخر شهر فقط، عن كل ما يخص الحرس الثوري، الأنشطة والتسليح والوجود، والهيستيريا الخليجية مستمرة حتى الآن.

بداية، فإن الهجوم الخليجي دليل ضعف لا قوة، خوف لا ثقة، وكالمعتاد غابت الأخلاق عنه في استخدامه للطائفية، كلما أعوزته الحجج، وهي سياسة سعودية مستمرة منذ النشأة وإلى اليوم، وتقوم على فلسفة الفُجر الشهيرة بـ"الفتنة"، والتي دفعت وتدفع الشعوب العربية ثمنها من دماء أبنائها واستقرارها، وتُبقي مستقبلها ضبابيًا، بعد أن دفعت قديمًا أغلى الأبناء وأعزهم.

الحرب الإعلامية، التي تصطبغ باللون الصهيوني، خارجة من فلسفة الدعاية الأميركية، التي توجه سيلًا من الأكاذيب لوعي المتلقي، وبالتالي تُشتت جهود المدافع عنها، وتضعه مقدمًا في ركن الحلبة، جاهزًا لتقبل الضربات السريعة المتتالية، ومستعدًا للخسارة المؤكدة مقدمًا، ومن الفطنة استخراج الفكرة الأساسية للهجوم والرد عليها، بعيدًا عن الانجرار إلى الفرعيات، التي تصبح حينها حشوًا بلا أهمية.

وشعوب الشرق الأوسط كانت ضحية لأسوأ عملية غسيل مخ، خلال السنوات التي أعقبت مطلع تسعينيات القرن الماضي، الذي شهد انهيار القطب العالمي الثاني، الاتحاد السوفياتي، وغزو صدام المأساوي للكويت، وتفكك بنية الجامعة العربية، التي أضحت مكلمة فارغة، بعد تبنيها للقرار الأميركي الداعي لضرب العراق، ووضع قواعد عسكرية أميركية في المنطقة.

واستهدف العدوان الأميركي على الوعي ضرب المنظومة القيمية الراسخة، فلا أرض تساوي الموت، والصهاينة شركاء الوجود، والقيم الأهم هي الحرية والديمقراطية، وخلافها من قضايا مطاطة، تم تصديرها والتركيز عليها، ودعم منظمات عربية لنشرها في المجتمعات، ومع الضغط القادم من واشنطن، تركت الحكومات تلك المنظمات الممولة المشبوهة تعمل، فيما كانت تقف بالمرصاد لأي محاولة للتوعية الجادة، حتى وإن اضطرت لاستخدام السلاح مباشرة.

في ظل الفراغ، تمددت الأفكار الأميركية، وانتشرت وسيطرت على بنية الخطاب السياسي، وبدلًا من قضايانا الحقيقية، مثل الصراع الوجودي مع الصهاينة، وتحقيق دولة الكفاية والعدالة، والتحديات الاقتصادية الاجتماعية الموجودة سلفًا، تراجع دور الدولة أكثر فأكثر، مع الشيطنة المستمرة من جانب المنظمات الحقوقية المتمولة غربيًا، وبات أي فعل للدولة ـ حين تقرر ممارسة سيادتها ـ مدانًا وينتمي للعصر الشمولي، ويهدد الديمقراطية.

الجيوش العربية كانت من أهم أهداف الهجوم الأميركي السابق، ورأينا كيف هوجم الجيش المصري ـ ولا يزال ـ إذا ما قرر الدخول في مشروعات اقتصادية، ويدعوه النشطاء "سبوبة العسكر"، بينما لن يخرج اعتراض واحد على الشركات متعددة الجنسيات، التي لا تعد فعلًا متعددة الجنسيات إنما هي معتدية على الجنسيات والدول، وأهم سبب لنزح الفائض الاجتماعي، المتحقق من عرق العمال بكل دول العالم، إلى الغرب، والتي لا توفر لعمالها أي حقوق إنسانية بالأساس.

ورغم أن الشركات والمصانع التي يمتلكها الجيش تبقى في حوزة الدولة، ولا تنتقل لأفراد، وفي النهاية يساهم التراكم الرأسمالي بها في افتتاح مشروعات جديدة، أو سد احتياجات قائمة ولازمة للدولة، لكن الهجوم عليها لا يتوقف، ويستمر بدفع من سيل الأكاذيب، ليخلق في الوعي الجمعي أن تلك الأموال هي أموال الشعب، ولا داعي لتدخل الجيش في الاستثمار والاقتصاد، بينما من المسموح أن تدخل الشركات الأميركية في أي نشاط، بل ويرحبون بذلك، ثم تقع الكارثة على رأس المواطن، حين ترغب الشركة الأجنبية في تحويل أرباحها للخارج، وتستنفد الرصيد الدولاري لمصر، كأنها تمتص اللبن من ضروعها، ثم تتركها بعد أن أصبحت يابسة.

الحرس الثوري مستهدف من الجعبة ذاتها، التقارير الخليجية تتحدث عن مليارات الدولارات التي يجنيها "الحرس" من أنشطة اقتصادية، بدون رقابة على عمليات التبادل التجاري، ما يؤكد طبقًا للتقارير، أن الفساد هو بطل المشهد، وأن الشعب الإيراني المسكين ضحية للإدارة الاقتصادية للبلد، ويُرجع المصاعب المرتبطة بالحصار إلى الحرس الثوري لا واشنطن، بالإضافة إلى نغمة معتادة عن العمل خارج حدود الوطن، في سوريا والعراق، وكأن الوجود الإيراني في الإقليم خطيئة، بينما الوجود الأميركي والصهيوني والروسي والفرنسي جاء بهدف نثر الورود على العراقيين والسوريين والفلسطينيين.

هكذا، وببساطة، تحوّل الضحية إلى متهم مدان، وانقلبت الولايات المتحدة من مجرم إلى دولة يهمها رفاهية الشعب الإيراني والشعوب العربية!
الخلط المتعمد في التقارير ينتقل أيضًا إلى تشويه المعارضة الوطنية، التي تدخل فورًا إلى الخندق الجامع مع السلطة، حين ترى الأخطار المحدقة بالبلد، والاحتفاء بالمعارضة الملونة الخارجة من عباءة الخيانة والغباء، وهو هدف خليجي آخر، بتمييع المسافة بين المعارض الوطني والخائن المرتزق، وبالتالي تحويل الأفكار الليبرالية إلى حقائق ثابتة، بما يؤدي إلى تشويه وطمس الدور الوطني للمؤسسات الوطنية.

من الخير لنا، والأنفع والأبقى، أن نقف بثبات ضد المزيد من شيطنة مؤسساتنا الوطنية، ضد الاستهداف المتكرر لوعي شعوبنا، الموضوعة على لائحة الجوائز، فيما لو حلت اللحظة الكئيبة، وتمكنت تلك الأبواق من تغييب الأيمان بقدسية الأوطان، وعدالة القضايا.

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف

خبر عاجل