يوميات عدوان نيسان 1996

نقاط على الحروف

الإجراءات الحكومية: هل تنصف المواطن؟
16/05/2019

الإجراءات الحكومية: هل تنصف المواطن؟

محمد علي جعفر
يتضح يوماً بعد يوم حجم الخلل التي تعاني منه السلطة في إدارة الدولة اللبنانية. يكثر الحديث حول نقاش الموازنة المُحتدم، وصعوبة التوصل الى آراء موحدة حول آلية تخفيض العجز. ينشغل اللبنانيون بهذا النقاش، كمن يتمنى حصول السيء بدلاً من الأسوأ. فيما يغيب عن المواطن حقائق كثيرة، تتعلق بالأزمة الحقيقية والتي يؤكد خبراء أنها لا تتعلق بالنفقات والإيرادات، بل ترتبط بغياب خُطط تحفيز النمو الإقتصادي. وهو ما يعني أن لبنان تديره طبقة سياسية عمياء، تشتري علاج الأزمة مرحلياً، بحلول سطحية بعيدة كل البُعد عن الخيارات السليمة التي يجب ان تأخذها الدولة. وبالتالي تدور الإجراءات الحكومية في دائرة مفرغة، ويدور معها المواطن اللبناني!

حول كيفية تخفيض النفقات أو زيادة الإيرادات، يتحدث أهل السلطة. عن جهل أو مصلحة أو سوء تقدير، النتيجة واحدة. سلطة لا تُدرك توصيف المشكلة، فكيف لها أن تضع الحلول؟ فهل يعرف المواطن اللبناني مآرب هذه السلطة وأهدافها الحقيقية؟

في البداية لا بد من توصيف المشكلة الحقيقية، ليعرف المواطن حجم الغُبن الذي يعيشه.

يحق لأي مواطن لبناني أن يسعى للحفاظ على مصدر رزقه، وهو ما يدفع بالعديد من أصحاب الدخل المحدود ولأي جهاز حكومي انتموا، لرفع الصوت. لكن الأهم من المطالبة بهذا الحق، هو ضرورة أن يعرف المواطن أنه أمام سلطة تسعى لفعل المستحيل لتحصيل أموال المانحين الدوليين. نعم، فذلك يخدم رفع الإيرادات وبالتالي تُحل مشكلة عجز الموزانة مرحلياً. لكن هذه الإيرادات سرعان ما ستصبح ضحية العجز في الميزان التجاري. وبحسب خبراء الإقتصاد، فستصبح كأنها لم تكن! والأخطر من ذلك هو الإجراءات التي تأخذها الدولة لتحقيق رضا المانحيين الدوليين. يغيب عن هذه المعادلة المواطن اللبناني وحقوقه المستباحة من اهل السلطة. لنجد أن إمعان الدولة بتبني السياسات الخاطئة والتوجهات غير السليمة، ينتقبل بها نحو التنفيذ. إجراءات تقع تحت عنوان برَّاق جديد وهو حل مشكلة العجز في الموازنة، لكنها اجراءات تعكس من جديد العقلية الموروثة للطبقة السياسية.

ومن أهم هذه الخطوات والتي يبدو انها باتت الخطوط الحمراء لأي موازنة، تأتي في المقدمة مسألة تحييد المصارف والشركات الكبرى عن تقديم تنازلات تُساهم في تخفيض العجز. ثم تأتي مسألة الإبقاء على النظام الضريبي مع التوجه الى رفع الضرائب وتخفيض حقوق الموظفين في القطاع العام. عملياً، تخلوا الموازنة من الطروحات الإستثمارية التي تساهم في تحفيز النمو الإقتصادي. وهو الحل الذي بات يجده أهل الخبرة والإختصاص حلاً وحيداً. بالإضافة الى ضرورة التوجه الى وضع سياسة إقتصادية تحوي السياسة النقدية، وليس العكس. سياسة نقدية تُساهم في توفير السيولة التي تحفز القطاعات الإنتاجية وتمول خطط لتشجيع الصناعة والزراعة المحلية، وبالتالي تُحفز النمو الإقتصادي. هكذا تتم المحافظة على استقرار سعر صرف الليرة اللبنانية، وحينها تكون السياسة النقدية في خدمة السياسة الإقتصادية.

تتسول الدولة اللبنانية على حساب المواطن اللبناني. خيارات تهدف لتجميل الوضع الإقتصادي اللبناني وجذب المانحين الدوليين. خياراتٌ تُعاقب عملياً المواطن اللبناني. وبالنطر الى بعض الأرقام يتضح المشهد. ما يُقارب 0.9 % من المودعين يمتلكون ما يُقارب 90 مليار دولار من ودائع المصارف. بينما يمتلك 60% ما يُقارب مليار دولار. ويخرج البعض للحديث عن العدالة الإجتماعية. فيما يخص الضرائب، يسعى أهل السلطة لرعاية خاطر أصحاب المصارف والشركات الكبرى محاولين إقناعهم بقبول رفع الضريبة على الأرباح والفوائد. وهو ما يعني بالنتيجة رفع الضرائب على المواطن اللبناني. دون التجرؤ بطرح الحل الأمثل وهو تعديل النظام الضريبي وجعل الضريبة تصاعدية ما يُحقق عدالة أكبر.
 
بين حل أزمة الإقتصاد بدلاً من حل أزمة النقد، وبين التوجه لتحفيز النمو الإقتصادي بدل التفكير بكيفية التسول لرفع الإيرادات وحل مشكلة العجز، تقع الدولة بين تأجيل الأزمة وبين إيجاد الحلول الجذرية. في لبنان يفقد أهل السلطة شرعية إدارة الدولة. ويفقد المجتمع اللبناني أهلية محاسبة السلطة. بالنتيجة هكذا يكون لبنان الضحية. ضحية إجراءات حكومية هي على حساب المواطن اللبناني العاجز عن فعل أي شيء!

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف