يوميات عدوان نيسان 1996

خاص العهد

13/05/2019

"التقشف" والنمو الاقتصادي: خطان متوازيان لا يلتقيان

فاطمة سلامة

 لو قُدّر للشعب أن يتابع على الهواء مباشرةً جلسات مناقشة الموازنة لشاهد بلا شك وزراء تحوّلوا الى اقتصاديين وأصحاب خبرة في المال والنقد يدلون بدلوهم ووجهات نظرهم بلا حرج. يجري بعضهم ربما عمليات حسابية على الورقة والقلم تُفيد المجتمعين في كيفية تخفيض العجز. الأخير يُشكّل عنوان العناوين في كل الحديث الدائر حول إنجاز الموازنة. وهو "الواجب" الذي تعمل على حلّه الدولة وفقاً لما طالبت به مُخرجات مؤتمر "سيدر"". وبناء عليه، لا حديث في البلد يعلو على حديث الموازنة "التقشفية". عشرات التصاريح بالحد الأدنى، لا بل مئات، سمعناها من المسؤولين والاقتصاديين حول إعداد هذا النوع من الموازنات الذي شغل بال الحكومة في كيفية خفض مليار هنا وإلغاء مليار هناك. 

وفي خضم النقاش الجاري حول الموازنة "التقشفية"، تبرز الكثير من الآراء ووجهات النظر حول هذا النوع من الموازنات وتداعياته على الحركة الاقتصادية. فعندما نتحدّث عن تقشف فإننا حُكماً نتحدّث عن بداية دورة اقتصادية مُختلفة عن الدورات الأخرى. لأنّ التقشف وبكل بساطة يعني حُكماً تخفيض الإنفاق. الأخير له ما له في عملية الاستثمار والانتاج والنمو الاقتصادي. هناك وُجهة نظر اقتصادية تقول إنّ العلاقة تبادلية بين الانفاق والنمو، كلّما تعزّز الأوّل زادت نسبة الثاني تلقائياً. ما يعني أنّه كلما زاد التقشف وقلّ الانفاق قلّ النمو. هذه الوجهة تقابلها أخرى تنقضها وتقول إنّ التقشف أساسي في البداية لتخفيض العجز وتحقيق النمو لاحقاً. وما بين الوجهتين تبرز الآراء التي تنتقد كل هذا الاهتمام الحكومي في تخفيض الانفاق على حساب النمو والاستثمار والانتاج. فماذا يقول خبراء اقتصاديون في هذا الصدد؟. 

بو مصلح: كل السياسة المطروحة حالياً  "كارثية" 

يُشدّد الخبير الاقتصادي غالب بو مصلح على أنّ الموازنة يجب أن تدل على كل سياسات الدولة الاجتماعية والاقتصادية، وهذا الأمر الذي يفتقده لبنان. الأخير يتعامل مع الموازنة على أنّها مجرد حسابات للإيرادات والنفقات، إذ لا يجري بحثها بشكل جدي بدليل بقاء لبنان 12 عاماً بدونها. يرسم بو مصلح رؤيته من التقشف، فيشير أولاً الى أنّ أي تقشف سوف يحسم تلقائياً من الانفاق الاقتصادي والاجتماعي. لهذا الحسم تبعات كثيرة على مسار الحياة الاقتصادية. التقشف يؤثّر على الخدمات الاجتماعية التي تنخفض فتزداد الأعباء المالية ما يؤدي حكماً الى خفض الانفاق والانتاج لاحقاً، الأمر الذي يؤثّر على الاستثمار وفي نهاية المطاف على النمو، ما يعني حُكماً مزيداً من الافلاس في البلد. عندما يجري الحديث عن خفض الرواتب والأجور، فإننا سنصل حكماً -برأي بو مصلح- الى خفض القدرة الشرائية للمواطنين ما يعني انكماشاً بسبب عدم "رمي" المواطنين لأموالهم في حركة السوق كما يجب. 

يؤكّد بو مصلح أنّ كل السياسة "التقشفية" المطروحة حالياً هي سياسة "كارثية" لا تعالج المشكلات الأساسية. لبنان -بنظره- يحتاج الى التنمية، إذ إن معدّل النمو يكاد لا يُذكر، وهنا مشكلة المشكلات. أهمية التنمية في أنها تخلق فرص العمل والوظائف عكس التقشف الذي يلغيها. يستطرد الخبير الاقتصادي فيشير الى أنّ "التقشف" هو أسوأ ما يُطرح في لبنان. المطلوب موازنة "إصلاحية" تعمل على جباية الضرائب من المتهربين والأثرياء الذين يتلطون وراء قانون السرية المصرفية. المطلوب أيضاً إلغاء البنية الاحتكارية من كافة القطاعات، تلك البنية التي ساهمت في رفع كلفة المعيشة في لبنان بنسبة 35 بالمئة. لبنان البلد الوحيد في العالم الذي لا يملك قوانين لمنع الاحتكار، بل على العكس يملك قوانين لحمايته. يذهب المتحدّث أبعد من ذلك، إذا ما تم الغاء الاحتكارات وضربها، باستطاعتنا حينها تخفيض الرواتب لأنّ مدخول الفرد يرتفع على الأقل 20 بالمئة. 

 

"التقشف" والنمو الاقتصادي: خطان متوازيان لا يلتقيان

لا يرى بو مصلح خلاصاً من الأزمة التي نعيشها سوى بإرساء رؤية اقتصادية شاملة، فلا يوجد بلد في العالم يسير بالشكل الذي يسير عليه لبنان، أي بلا خطة ولا رؤية. وربما كان إلغاء وزارة "التخطيط" التي كانت قائمة سابقاً بمثابة جريمة، بحسب بو مصلح، الذي يُشدّد على ضرورة عودة التخطيط الاقتصادي، وسن قوانين لإلغاء البنية الاحتكارية، والغاء السرية المصرفية كألفباء الاصلاح الاقتصادي. 

حبيقة: منهجية الحكومة ليست جيدة

وجهة نظر الخبير الاقتصادي لويس حبيقة لا تتفق تماماً مع بو مصلح. برأيه، فإنّ التقشف لا يعني بالضرورة ضرب النمو ولكنه قد يؤثّر على النمو حسب الأساليب التي تعتمدها الدولة. بمعنى، قد يكون التقشف الزامياً في حالة بلد كلبنان، خصوصاً في هذه المرحلة الانحدارية من اقتصاده، حيث العجز يُحكم القبض على مالية الدولة. ولكن هذا لا يعني ضرب الأجور والرواتب. هنا تبدأ الخطورة في تأثير "التقشف" على النمو. 

 

"التقشف" والنمو الاقتصادي: خطان متوازيان لا يلتقيان

وفيما يرى حبيقة أنّ الحال الذي وصل اليه لبنان يقتضي تصحيح الوضع عبر التقشف ولكن بأساليب مفيدة للاقتصاد، يلفت الى أنّ المنهجية التي تتبعها الحكومة في تخفيض العجز ليست جيدة. المنطق -برأيه- لا يقول بتخفيض الانفاق قبل ضرب مكامن الهدر وبؤر الفساد. 

إقرأ المزيد في: خاص العهد