خاص العهد
مُحاكمة "إسرائيل": فليكُن لنُظم العدالة جدوى
لطيفة الحسيني
يُجمع المراقبون على أن محاكمة الكيان الصهيوني في لاهاي تحمل دلالات جسيمة على صورة العدو بين داعميه. خطوة دولة جنوب إفريقيا ليست عابرة، بل تؤثّر حُكمًا على الحراك المؤيّد لـ"إسرائيل" على مدى عقود.
ينسحب التحوّل الحاصل في الغرب، في أوروبا والولايات المتحدة وعموم دول أميركا الشمالية والجنوبية، إزاء صورة "إسرائيل" وسرديّاتها ومزاعمها وأكاذيبها منذ احتلال فلسطين، على المجال القانوني والقضائي اليوم. الدعوى المرفوعة من جنوب إفريقيا لمحاسبة "إسرائيل" والضغط باتجاه وقف العدوان على قطاع غزة تمكنّت من أسر اهتمام قادة الاحتلال ومسؤوليه. قلق وتوتّر وتخبّط من نتائج المحاكمة، ولاسيّما أن كلّ ما قدّمه وكيل الكيان في لاهاي وُصف بالضعيف والفاشل وبغير القادر على تخطّي الاتهامات التي يبيّنها فريق جنوب إفريقيا بالأدّلة والقرائن الموثّقة.
84 صفحة؛ قُدّمت الى هيئة القضاة في المحكمة (15 قاضيًا) تقوم، بشكل أساسي، على معلومات واقعية جُمعت من تقارير المقرّرين الخاصّين للأمم المتحدة وإصدارات مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان وتقارير الصحفيين الموجودين على الأرض في غزة، وتقارير المنظمات غير الحكومية ذات السُمعة الموثوقة.
يركّز الفريق الجنوب إفريقي على عناصر الفعل الإجرامي (الأفعال المادية المتخذة ضمن ارتكاب الجريمة) وعلى عناصر القصد الجنائي (الركائز المعنوية للجريمة، أي النيّة لارتكاب الجريمة)، وهذا بهدف الوصول إلى حُكم يوقف الهجمات الاسرائيلية المستمرّة على الفلسطينيين. ويؤكد الفريق في دعواه أن الإبادة الجماعية هي السياق الأوسع لسلوك "إسرائيل" تجاه الفلسطينيين، من خلال نظام الفصل العنصري الذي دام 75 عامًا، واحتلالها للأراضي الفلسطينية الذي دام 56 عامًا، وحصارها المستمر لغزة منذ 16 عامًا.
موقع "العهد" الإخباري أجرى تقييمًا لمُجمل ما حصل في الجلستيْن، واللتيْن عُقدتا في لاهاي من أجل محاكمة "إسرائيل"، وما تلاها من خلال الحديث الى رئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان رامي عبده.
يقول عبده إن: "ادعاءات جنوب أفريقيا تجد ما يُساندها على أرض الواقع"، ويُشير إلى أن: "الفريق الجنوب إفريقي كان مُلمًّا بشكل تفصيليّ بمُفردات الإبادة الجماعية التي تنفّذها "إسرائيل" في غزة، وقد قدّم عرضًا شاملًا واعتمد بشكل أساسي على معلومات ومُعطيات الوكالات الدولية وبيانات الأمم المتحدة حتى لا يطعن الاحتلال الإسرائيلي بأيّ منها".
ويلفت الى أن: ""اسرائيل" اعتمدت استراتيجية الطعن في اتجاهيْن: الأوّل في اختصاص المحكمة عبر القول إن ما يجري في غزة يمكن مُعالجته عن طريق مسار قانون الإنسان الدولي وآليّاته على غرار حالات سابقة نظرت فيها المحكمة، وهذا لا وجه له من الصحة، فيُصار الى الطعن في مُفردات ما حدث واذا ما كانت تنطبق عليه مفاهيم الإبادة الجامعية التي تتكوّن من الركن العقلي- أيّ القصد الجنائي أو النيّة المُبيّتة- لاستهداف شعب، وهناك فيض واسع من التصريحات الإسرائيلية التي تؤكد ذلك على الرغم من محاولات الصهاينة التبرير والكذب بأن هذا الكلام زلّة لسان".
بحسب عبده، الركن الثاني ماديّ يقوم على التركيز على مُفردات الجريمة وعمليات القتل التي مارسها الاحتلال والتجويع واستهداف الحياة والتهجير القسري. وإذ يُشدّد على أن: ""إسرائيل" فقدت توازنها، ولا سيّما أن رهانها على حلفائها لم يمنحها فرصة أن تهرب من الوقوف في موقف المتّهم"، يرى أن "العدو لم يعتد المحاكمات، وهذه المرة الأولى التي يُحاسب فيها بهذا الشكل بتهمة واضحة ومُثبتة، أي الإبادة".
بتقدير عبده، مجرّد طرح جنوب افريقيا تهمة ارتكاب إبادة جماعية بحقّ أهل غزة على المحكمة هو أمر يُحسب له أيّا كانت النتائج، وهذه خطوة ستُخلّد في التاريخ وستُضرّ كثيرًا بكيان العدو الذي يرتكب الجرائم منذ العام 1948.
لماذا "إسرائيل" مُرتبكة كثيرًا إزاء هذه المعركة القانونية وتخشاها بشدّة؟ يُجيب رئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان بأن: "الأمر يتعلق بوصمة "إسرائيل".. هي لا تريد أن يصدر عن المحكمة الدولية قرارٌ يقول إنها ترتكب إبادة، وطرح الموضوع على محكمة دولية يُبقي القضية حاضرة في الأيام القادمة".
يُرجّح عبده: "ألّا يطول الحكم المُرتقب عن محكمة لاهاي وفقًأ لطلب الفريق الجنوب إفريقي، أي اتخاذ قرار أو تدابير تُفضي الى وقف العمليات العسكرية والحفاظ على الأدلّة والسماح بالإمدادات الإنسانية ودخول الوفود الحقوقية إلى قطاع غزة"، ويتوقع أن تستغرق أسابيع لا أكثر.
برأي عبده، التعويل على جنسية بعض القضاة العرب في المحكمة ليس مُهمًّا، فالمسألة غير مرتبطة بجنسية قضاة لاهاي، بقدر ما هي مرتبطة بمهنيّتهم وحيادهم ومواقف الدول التي أتوا منها. وهو ما نأمل أن يطغى على طريقة نظرهم إلى القضية بعيدًا عن الضغوطات والتأثيرات الخارجية.
الأكيد، في كلّ القراءات والتحليلات، أن لهذه الدعوى عواقب محسومة على "إسرائيل". لذلك يقول عبده إن :"الدول الداعمة للاحتلال ستشعر حُكمًا بالحرج بعد هذه المحاكمة، كما سيكون هناك موقف سلبيّ يؤرّخ تجاه أيّ بلد يحاول مؤازرة العدو، وسيكون هناك تهديدٌ جدّي لنظام العدالة الدولية في حال أدارت "إسرائيل" أو البلدان الحليفة لها ظهرها لقرارات المحكمة؛ لأنه في هذه الحال لن يكون هناك أيّ قيمة لنُظم العدالة، خاصة أن محكمة العدل الدولية هي الجدار الأخير الذي يمكن أن يُراهَن عليه، واذا ثَبُت عدم فعاليّتها، عندها نستطيع القول إن المنظومة الدولية لم يعد لها جدوى".
إقرأ المزيد في: خاص العهد
14/10/2024