نقاط على الحروف
إعلام بلا إفادة.. تكريم الشهداء مادّة لتأليب الجمهور
لطيفة الحسيني
فقط في الإعلام اللبناني ترى العجائب. ترى الخيبات حقيقة بلا مواربة. في عزّ الحرب والمواجهة التي تخوضها المقاومة على الجبهة الجنوبية، تختار صحيفة لبنانية ينصّ دستور بلادها على العداء لـ"اسرائيل" أن تُحقّق في منح الجامعة اللبنانية شهادة فخرية للشهيد على طريق القدس علي إدريس سلمان (ارتقى بتاريخ 8/12/2023).
1383 كلمةً تُخصّص في تحقيق صحافي تنشره "نداء الوطن" هدفه النهائي الاعتراض على تكريم الشهيد الذي كان طالبًا في معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية. صحيحٌ أن الموضوع يُستهلّ بأسئلةٍ تقديمية توحي بأن المُعدّة تسعى لأن تكون مُحايدة أو موضوعية في عملها، لكنّ القصة ليست هنا. أصل النقاش والمُجادلة في خطوة الجامعة منذ نعي الشهيد من قبل الدكتور بسام بدران، يحمل غايةً واحدة تظهر جليّةً في عبارات الموضوع من العنوان (أحد طلّاب "اللبنانية"... "شهيداً" في أطروحة الحياة "شهادة" أكاديميّة تُحيي جدليّة "أيّ لبنان نريد؟" الى استفسارات على غرار "هل ما حصل يعكس تبنّي الجامعة لثقافة معيَّنة يرفضها الكثيرون؟"، و"هل أصبح طلّاب الجامعة محاطين بأفكار تجرّهم إلى الموت بدلاً من تشبّثهم بالحياة؟"، و"طغيان للبُعد الإيديولوجي والسياسي"، يستنتج منها القارئ خلاصةً واحدة: عنصريةٌ فاقعةٌ وتعاطٍ دونيّ لا مثيل له مع مُعتقد ثقافي وديني يجب احترامه.
بات تكريم الشهداء أكاديميًا يحتاج الى مشورة ممّن لم يؤمنوا بمفهوم المقاومة وجدواها. يحتاج الأمر الى سؤال 18 دكتورًا أو أستاذًا جامعيًا لتبيان الخطيئة أو ربما الجريمة! المشكلة تكمن في إعطاء الضوء الأخضر لإجراء تحقيقات محبوكة الخلاصات: النيْل من كلّ فعل منسوب لخطّ المقاومة ومن يعتنق فكرها مهما كان: عاملًا أم جامعيًا أم مهندسًا أم طبيبًا.
السياسة التحريرية التي تحرص على مقالات كهذه أو مواضيع صحافية تغفل كثيرًا عن ثوابت وطنية يحفرها دستور الطائف الذي نصّ على "اﺗﺧﺎذ ﻛﺎﻓﺔ اﻹﺟراءات اﻟﻼزﻣﺔ لتحرير جميع الأراضي اللبنانية ﻣـن الاحتلال".
وبمعزلٍ عن مضمون الدستور، وظيفة التحقيق الوارد في "نداء الوطن" تقوم على تشويه الأيديولوجيا القائمة على التضحية من أجل الوطن، والتعرّض لشهادات شباب اختاروا عقيدة إسلامية مبنية على الارتقاء الإنساني الذي يصنع حياة كريمة عزيزة. هذا ما يُشير إليه التحقيق عندما تستصرح مُعدّته أحد أساتذة "التربية على المواطنية" في الجامعة اللبنانية الذي يُعطى أكبر مساحة من الحديث مقارنة مع 17 دكتورًا مُستصرحًا الى جانبه. يركّز هذا الأستاذ على إبراز فكرة تحويل المعهد الجامعي الى منبر ديني عقائدي، والهجوم على فعل المقاومة بحدّ ذاته وتفريغ الجامعيين من وعي سياسي لقضية تُحدّد وجهة بلدهم.
أسلوب إعلامي مكشوف يتحيّن الفرص لرفض التنوّع الثقافي في البلد وتسخيف فعل التضحية والاستشهاد وضرب قدسيّته بالإصرار على وصفه بثقافة الموت. حبّذا لو تنكبّ هذه الصحافة على تمجيد ضربات المقاومة في الجنوب مقابل آلة القتل والسفك الاسرائيلية بدلًا من مهاجمة مصدر قوّة لبنان اليوم.
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
10/10/2024