خاص العهد
الوعي السياسي يُحصّن مجتمع الحرب
لطيفة الحسيني
كي يكون المجتمع اللبناني مُحصّنًا في زمن الحرب، لا بدّ من استعدادات وتجهيزات تسلّحه في الأزمات الوطنية والمواجهات مع العدو. صحيحٌ أن اللبنانيين مُنقسمون سياسيًا، لكنّ ظرف اليوم يُحتّم على أبناء الوطن الاجتماع على أهمية وعي المراحل الحسّاسة التي يمرّون بها وخطورة انجرافهم نحو التنازع.
يُفصّل أستاذ علم الاجتماع في الجامعة اللبنانية الدكتور غسان طه في حديث لموقع "العهد" الإخباري أهمية البُعد الثقافي في مجتمع الحرب أو لدى المجتمع اللبناني على الرغم من انقساماته واختلاف فئاته وعقائدها.
أكثر من فكرة يجب الاعتناء بها من قبَل الدولة والمجتمع اللبناني على حدّ سواء، لعلّ أبرزها زرع ما يُعزّز مفهوم الارتقاء الأخلاقي والقيمي مقابل الابتعاد عن منطق العقل النفعي والأداتي. الدكتور طه يُسهب في شرح ذلك فيقول "انتشار مصطلح "أنا أحبّ الحياة" في الآونة الأخيرة الذي يعبّر عن ثقافة بالعيش بمضامين مُلتبسة بشكل مُغاير مع الآخرين يقود الى تكريس ما من شأنه أن يسلخ فعل المقاومة عن حبّ الحياة لتصبح رغبة في الموت، ويُمسي الاستسلام والتطبيع مطلوبًا لأنه يؤدي الى رفاهية الحياة ونسيان التاريخ والماضي". ويتابع "ثمّة وجهة نظر أخرى لفلسفة العيش بأن يكون عيشًا بكرامة ومسؤولية وليس جزافًا، لهذا من المفيد تكريس فكرة أن الشهداء أكثر من يرغب بأن يعيش مجتمعهم بكرامة وهؤلاء الذين يصنعون الحياة الكريمة وليس كما يروّج الغرب للمنطق النفعي".
وفق الدكتور طه، في مجتمع الحرب ثمّة نظرة للحياة تنطلق من فلسفة خاصة تنسجم مع نزوع الإنسان نحو الارتقاء الأخلاقي والقيمي وبدون ذلك مستحيل أن نتحدّث عن إنسان مستعدّ للدفاع عن وطنه وشعبه، ولا سيّما أن الأمة التي تخلو من القيم الوطنية والأخلاقية هي أمّة ميّتة ولو كان أفرادها يمارسون دورهم كأحياء.
يتوقّف الدكتور طه عند مصطلح آخر سائد في مُجتمعنا اللبناني ينطوي على مضامين ثقافية سلبية وهو الحياد، فيُشدّد على أنه في "مجتمع الحرب لا معنى للحياد ولا معنى لأن أُمارس دور الضحية وأن ننتظر المعونة من المؤسسات الدولية التي أثبتت فشلها منذ احتلال فلسطين عام 1948"، ويُشير الى أن "الحياد يعني الضعف والانكفاء"، ويُضيف "أن تكونَ مُحايدًا في الصراع يعني أن تقدّم نفسك "لقمة" سائغة لعدوّك. الحياد بالمعنى الثقافي والفلسفي والأخلاقي مذموم. لا معنى أن تكون محايدًا إزاء التفاضل بين الخير والشرّ، بين الظلم والعدل، والاحتلال ومقاومته"، ويذكّر بأن "الأنبياء والرُسل والعظماء عبر التاريخ لم يكونوا مُحايدين تجاه قضية إنسانية أو أخلاقية. الحياد يطعن بفطرة الانسان ويجعله خارج نطاق الارتقاء الانساني".
على صعيد الثقافة الوطنية، يرى الدكتور طه أهمية كُبرى لكُتب التاريخ والتربية الوطنية في صقل الوعي السياسي تجاه خيار المقاومة والدفاع عن الأرض وتحريرها، ويلفت الى أنه "يجب التركيز في مجتمع الحرب على كلّ ما من شأنه تعزيز الروح الوطنية وتخصيص عناوين في هذه الكتب للحديث عن مراحل الصراع مع العدو". ويُتابع "في لبنان ينبغي أن يُصار الى ذلك والتركيز على خطر هذا الصراع على لبنان منذ نشوئه وتِبيان دور المقاومة في الدفاع والتحرير وعن رجالاتها وشهدائها". ويستطرد "لولا التاريخ لضاعت مقاومات عبر التاريخ كالمقاومة الجزائرية والمقاومة في كوبا وأميركا الجنوبية وسائر المقاومات التي أدّت الى التحرر من الاستعمار، وعليه لا يجوز لكتاب التاريخ أن يُهمل الدور الكبير لرجال المقاومة ضدّ الاحتلالَيْن الفرنسي والبريطاني في الحرب العالمية الأولى الذي أدّى الى نيل لبنان استقلاله".
بتقديره، لا يجوز أن نردّد في كتاب التربية "كلّنا للوطن" ولا نُقيم وزنًا للدفاع عن مستوى الوطن.
دور الإعلام أيضًا يتوازى بالأهمية مع الثقافة الوطنية. يؤكد الدكتور طه أن "وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة والمسموعة والالكترونية اليوم تلعب دورًا كبيرًا في بثّ الوعي إزاء المعركة". ويعتبر أن "هناك حاجة ضرورية لأن تكون هناك سياسة إعلامية مُوحّدة في الحروب تعمد الى فضح ممارسات العدو الاسرائيلي المباشرة أو المموّهة التي تعمل بطريقة غير مباشرة للتطبيع مع العدو بشعارات واهية، والتركيز على مواطن الضعف لديه"، ويدعو الى "التنبّه جيّدًا الى المُصطلحات المُستخدمة فلا يجوز أن نصفَ الشهداء الذين قدموا التضحيات والدماء في سبيل رفعة الوطن وعزّته بالقتلى أو الضحايا".
ويخلص الى "أننا يجب أن نكون مُحصّنين ثقافيًا في مجتمع الحرب والانتباه الى المصطلحات المُستخدمة. وعلى مؤسّساتنا التربوية والإعلامية وحتى الأُسرية والأُطر الثقافية التركيز على هذا الدور، وأن تُسهم في أن تكون جزءًا من مجتمع الحرب".
إقرأ المزيد في: خاص العهد
14/10/2024