يوميات عدوان نيسان 1996

نقاط على الحروف

حربٌ نفسية
03/05/2019

حربٌ نفسية

أحمد فؤاد

أطل سماحة السيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، على جمهوره في مناسبة، أجاد ـ كعهده ـ اختيارها، وناسبتها رسائله النارية، كصواريخ نافذة إلى قلب الكيان الصهيوني "الهش"، في مواجهة حرب نفسية فُرضت على الأمة العربية، التي تبدو أحيانًا مستسلمة للصياد، لكنها في أغلب الأوقات تائهة، بلا بوصلة، في ظل إعلام مدعوم بفوائض بترودولارية هائلة، يستخدم كخنجر صهيوني في الخاصرة العربية المكشوفة.

الإعلام الممول خليجيًا يمارس دور العراب لصفقة القرن، من خلال التمجيد والتهويل من القوة الصهيونية، وبالتالي تمرير الانبطاح والتذلل على أبواب الكيان، من قِبل أنظمة باعت شعوبها قبل أوطانها، وتحاول فرض التقبل المعنوي لوجوده وسط المحيط العربي، الذي يعاني من تغييب مشروع المقاومة، بدعاوي طائفية مقيتة، يرسخ لها فقهاء السلطان، كلما أعوزتهم الحجج.

كان لافتًا منذ أسابيع أن تتصدر أنباء ـ ما قيل ـ إنه صعود صهيوني إلى القمر، وتلقف تلك الأخبار بانهزامية كاملة، وبثها عبر أبواق مدفوعة، لتخرج في النهاية بنتيجة مفادها: لما لا نتعلم منهم، فقد نجحوا وتفوقوا، وهو عينه ما يحدث سنويًا كلما أعلن الكيان عن صادرات السلاح أو التقنية العسكرية، والتي تفوق مليارات الدولارات، ويجري استقبالها من جانب مصنعي الأسلحة الأهم في العالم، الولايات المتحدة وروسيا والهند وغيرهم.

الحديث الخليجي، ومن ورائه المصري، يتجاهل حقيقة أن الكيان الصهيوني مصنوع، لا يرتقي إلى كونه دولة فعلا، فالاستثمارات الأميركية والقروض والمساعدات جاهزة وحاضرة فورًا، متى شعرت بأي أزمة، والعام الحالي ـ كمثال قريب فقط ـ شهد استثمارات في مجال التقنية المتقدمة من جانب شركة "إنتل" الأميركية، بقيمة تقترب من 10 مليارات دولار، وبالطبع فإنه سيجري معها التأسيس لبنى تكنولوجية وصناعية، كلها مستوردة، ولا يمكن أن ترد إلى عبقرية يهودية أو نجاح في إدارة الكيان اقتصاديًا، كما فعلت سابقًا التكنولوجيا الألمانية، خلال فترة نشأة الكيان.

المتابع الحصيف للخطاب الخليجي، يجده لعبًا على وتر قديم، مرره أول موقّع لاتفاقية عربية ـ صهيونية، أنور السادات الرئيس المصري الأسبق، وكان إعلامه، بقيادة من عرفوا بالعشق والوله بالكيان والصهاينة، يصدرون خطابًا عن الرخاء الموعود، واليهود الممسكين بمفاتيح خزائن الأرض وكنوزها، والمتحكمين في العالم شرقه وغربه، وقلبوا الآية من حقيقة أن الكيان قاعدة عسكرية متقدمة لواشنطون ـ ومن قبلها بريطانيا ـ في قلب العالم العربي، إلى أن الولايات المتحدة تتحرك وتعمل بأمر الصهاينة!

كان الجنون النظامي المصري لتبرير خيانة الأمّة يستكمل رسم فصول من تغييب الوعي الجمعي للمجتمع، وتدمير المنظومة القيمية لأغلبية المصريين، بانتظار تحقيق جنة رضا الصهيونية على الأرض، وكانت المآل الحتمي هو تسليم القاهرة مقابل استرداد سيناء بغير سيادة، وباع السادات طنطا وبنها وإيلات، وتراجع حتى بات أي قرار مصري رهنًا بالرضا الأميركي، واستسلمت البلاد في عجز وهوان.

ما جرى يوم توقيع كامب دايفيد، يجري الآن إعادة إنتاجه، وحديث السعي إلى الرخاء مقابل صفقة القرن خرج من الغرف المغلقة إلى فضاء مواقع التواصل الاجتماعي، وهناك حسابات تمرر "خطة" للحصول على 80 مليار دولار أميركي، مقابل تنازلات من قبيل السماح بتجنيس أغلب أو بعض اللاجئين الفلسطينيين، وحل الأزمة الكبرى التي تعترض وجود الكيان على أرض لها شعب، وهو حديث يتناسى حصول مصر في نهار مبكر من 2015 على 12.5 مليار دولار بشكل مباشر وفوري من دول خليجية دعمت النظام الجديد، وبعدها مباشرة تسببت الإدارة الفاشلة للملف الاقتصادي إلى اللجوء لصندوق النقد الدولي للحصول على 12 مليار دولار غيرها، ثم فتحت حنفية القروض الأجنبية، بغير توقف أو تفكير، لتترك البلد إما رهنًا للإفلاس أو الخضوع، وربما كلاهما.

في ذكرى القائد المجاهد، السيد مصطفى بدر الدين، أكد سماحة السيد على عقيدة الفداء للوطن والأمة، القوة الساحقة غير المفهومة للصهاينة وأزلامهم العرب، العقيدة التي تحوّل من الدم إلى مكافئ للسيف ومنتصر نهائي، ومن الأجساد إلى شرارات على طريق نضالي متوج بالقادة وبأغلى الأبناء، وليسوا من القادة الذين نعاينهم في واقعنا العربي الرسمي، من جنرالات المكاتب المكيفة والنظارات الشمسية والسيارات الفارهة، والأبناء ذوي الجنسيات الغربية.

منذ معارك العام 2000، تبقى إطلالات السيد الرد العربي الأقوى على حرب الكيان الصهيوني الوجودية، محوّلة القدرة والقوة الصهيونية إلى مزحة كبيرة وهائلة، ثبت بالوعد الصادق مدى ضعفها واهترائها أمام فعل عربي حقيقي، يمتلك أدواته، ويجيد توظيفها، ثم هو قادر على الانتصار والتقدم، وكسب مساحات جديدة في الشارع العربي، بمقدار ما تنحسر أسطورة دولة متفوقة وجيشها لا يقهر.

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف